حمى كتب عن البيت الأبيض في عهد بوش وطريقة اتخاذ القرار

نقاده يعتبرون ثقته بنفسه عدم مرونة ومؤيدوه يصفونه بأنه شخصية متأهبة

TT

في الشهور الاخيرة نشرت عشرات الكتب عن الرئيس الاميركي جورج بوش وادارته والحرب في العراق. وتغطي تلك الكتب مجالات عديدة: فهناك بعض الكتب من تأليف صحافيين واخرى كتبتها شخصيات من الادارة وشخصيات تعمل في مجال مكافحة الارهاب وخبراء الاقتصاد، كتب لمحافظين وليبراليين وشخصيات غير حزبية، وكتب تطرح منظورا واسع النطاق وكتب تركز على جوانب محددة من الحرب في العراق.

واذا ما تم تجميع تلك الكتب مع سابقاتها، فإن هذه الكتب تشكل صورة تراكمية، وفي نواح عديدة، متناسقة لادارة البيت الابيض في عهد بوش واسلوبها. ويشير مؤلفون متعددون، مثل بروس بارتليت الاقتصادي في عهد الرئيس الاميركي رونالد ريغان وصحافي التحقيقات في صحيفة «نيويوركر» سيمور هيرش ورئيس تحرير مجلة «ويكلي ستاندرد» فرد بارنز والصحافي في صحيفة «نيويورك تايمز» جيمس ريزن، الى امور تجاهلت فيها الادارة الحالية سوابق حدثت في الماضي، وكشفت عن اهتمامها بالتحايل على وسائل تقليدية للتطوير السياسي.

وهو ما يمكن ان نطلق عليه ظاهرة رد الفعل الغريزي، الذي يرتبط بعملية اتخاذ القرار في ادارة البيت الابيض في عهد بوش، بالاضافة الى تفكيرها التكتيكي والاستراتيجي. وقد لعب رد الفعل دورا رئيسيا في منطلقات هذه الادارة المحاصرة، بعديد من القضايا، من الحرب في العراق الى اصلاحات الضمان الاجتماعي وسياسة الحكومة بالنسبة للتعذيب.

والعديد من الكتب حول ادارة بوش والحرب في العراق ـ بما في ذلك «بوابة السفاكين» للصحافي في صحيفة «نيويوركر» جورج باكر وكتاب «الهجوم القادم» لدانييل بنجامين وستيفن سيمون الموظف السابق في مجلس الأمن القومي في عهد بيل كلينتون و«الانتصار الناقص» للاري دايموند المستشار السابق لسلطة التحالف في بغداد ـ تؤكد الميل الفطري للبيت الابيض الذي يتلخص في (الشهية لافكار كبيرة مفروضة من الاعلى والرغبة في تركيز عملية صنع القرار في الفرع التنفيذي للسلطة والميل لتجاهل نصيحة الخبراء، سواء كانوا من العسكريين او الاستخباريين او الاقتصاديين).

وتؤكد هذه الامثلة شكاوى من اكثر من نصف دستة من الجنرالات المتقاعدين، من أن صانعي القرار السياسي في البنتاغون يتجاهلون نصيحة الضباط العسكريين، كما وجه اثنان من كبار رجال وكالة الاستخبارات المركزية اتهامات بإن ادارة بوش تعمدت تجاهل تقييمات استخبارية بخصوص تدمير اسلحة الدمار الشامل في العراق.

ونزعة الادارة الى قرارات عامة لا تتسم بالتفاصيل، بل وبلا اعداد، هي في جزء منها نتاج لشخصية العديد من العاملين في الادارة، ابتداء من بوش، وهو لاعب شجاع مهتم «بالرؤية»، اكثر من اهتمامه بالتحليل التفصيلي والمناقشات المستمرة. وهي، جزئيا، انعكاس للنظرة الايديولوجية: الاصرار، بعد هجمات 11 سبتمبر لدعم سلطات الرئيس، التي يعتقد العديد من المحافظين انها انكمشت بعد احداث ووترغيت، وهو منظور مرتبط بميل البيت الابيض الى وصف كل شخص من الصحافيين الى العسكريين الى خبراء ظاهرة الانحباس الحراري، باعتبارهم من اصحاب المصالح الخاصة.

وفي الوقت الذي يعتبر نقاد الرئيس ثقته بنفسه بأنها تدل على عدم المرونة، والعزلة الفكرية وعدم الرغبة في تعديل المسار، فإن انصار بوش ـ الذين يصفونه بأنه، شخصية متأهبة تتمتع بقدرة على الخيال ـ يرون رغبته في تحدي الحكمة التقليدية باعتبارها ميزة. وبالنسبة لهم فإن عدم صبر الادارة على القنوات التقليدية لصنع القرار تعني منطلقات جديدة ورفضا صحيا للبيروقراطية، وهي تتماشى ايضا مع شخصية الرئيس، التي اوضحها كارل روف في تعليقاته خلال الحملة الانتخابية.

اسلوب بوش القائم على اساس فعل الاشياء بنفسه، مثل منهج ادارته الأحادي الجانب في مجال السياسة الخارجية، يعتبره مؤيدوه مؤشر قوة. وقد استخدم بوش خطابته الرئاسية لدفع السياسات الى ابعد مما يتوقع مساعدوه. وكتب بارنز ان خطاباته «تفرض سياسات بدلا عن ان تعكس سياسات». وحول خطاب بوش بمناسبة بدء ولايته الثانية، وهو الخطاب الذي تعهد فيه بإنهاء الاستبداد في العالم، يقول بارنز ان بوش أغاظ كوندوليزا رايس عندما قال لها: «لن تصدقي كلامي»، وردت كوندوليزا رايس قائلة: «اتمنى ان اطلع عليه قبل إلقائه». ولكن ما رأته كوندوليزا رايس وبعض كبار مستشاريه كان مسودة شبه كاملة لا تحتاج سوى الى تغييرات بسيطة. ميل ادارة بوش الى صنع السياسات خارج الاطر والقنوات العادية يمكن ملاحظتها بصورة واضحة خلال الفترة التي سبقت الحرب على العراق. إذا أورد جيمس رايزن، مراسل «نيويورك تايمز» الذي فاز وإيريك ليتشبلاو بجائزة بوليتزر، على كشفهما برنامج السلطات الاميركية السري للتنصت، اورد في كتابه الجديد State of War بطء وبيروقراطية الأمن القومي. وأورد رايسن ايضا ان «الرئيس بوش ومساعديه ظلوا يعقدون اجتماعات متواصلة ويتخذون قرارات على نحو متسرع عقب 11 سبتمبر (ايلول) 2001، وكتب ايضا انه «بدلا من ان تكون المقترحات صادرة من الجهات المعنية عبر القنوات والأطر المعتادة، فرضت هذه المقترحات فرضا من أعلى، كما ان الجدل كان في دوائر محدودة فقط». وورد في عدة كتب حول حرب العراق انه «بسبب السلطة الواسعة لنائب الرئيس، ديك تشيني، وبسبب الصراع بين وزارتي الدفاع (البنتاغون) والخارجية، وبسبب إحجام مستشارة الأمن القومي السابقة، رايس، عن إقالة بعض المسؤولين، اصبح تراجع دور مجلس الأمن القومي خلال الفترة التي سبقت الحرب، علما بأنه من المفترض ان يكون المجلس جهة استشارية للرئيس تعمل على ايجاد الإجماع اللازم بين الوكالات والهيئات المعنية.

وفي كتاب في «الهجوم المقبل»، ورد ان عمليات اتخاذ القرارات والتخطيط المهمة لم تحدث بالطريقة المتعارف عليها في مجلس الأمن، وإنما من خلال عملية موازية تحت إدارة تشيني، الذي جمع طاقما للأمن القومي خاصا به مكونا من 14 شخصا أقاموا صلات مع صديقه القديم دونالد رامسفيلد في البنتاغون. طبقا لما ورد في بعض الكتب، التي نشرت حتى الآن، فإن القرار النهائي بخوض الحرب ضد العراق جاء بدون الإعداد اللازم. ويقول باكر في كتاب «بوابة السفاكين» The Assassins" Gate ان ريتشارد هاس، المدير السابق لقسم تخطيط السياسات بوزارة الخارجية الاميركية، قال انه لم تكن هناك عملية تقييم حقيقية للحرب في العراق قبل خوضها. وكتب بوب وودوارد في «خطة الهجوم»، ان بوش لم يسأل عن رأي شخص وسط مساعديه سوى رايس حول ما اذا يجب ان تخوض الولايات المتحدة حرب العراق. في هذا السياق أورد باكر: «لم يسأل بوش تشيني، لأنه كان يعرف رأيه، كما لم يسأل كولن باول او دونالد رامسفيلد، وقال انه لم يسألهما لأنه كان يعرف رأيهما مسبقا». ويشير وودوارد، الذي يعكف حاليا على إعداد كتاب ثالث حول ادارة بوش، الى ان بعض المظاهر والاستعدادات، بما في ذلك حشد القوات في المنطقة، كان عاملا في قرار الرئيس بوش بخوص الحرب في العراق. ومن الناحية الفعلية، فان كل كتاب عن الحرب في العراق، سواء كان من تأليف صحافي أو عسكري أو مطلع في الاستخبارات او سلطة الائتلاف المؤقتة، مليء بأمثلة يجري فيها تجاهل نصيحة الخبراء أو رفضها من جانب الادارة. وفي «بوابة السفاكين»، يذكرنا باكر بأنه قبل الغزو شهد رئيس أركان الجيش الجنرال اريك شينسكي أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ قائلا: ان عراق ما بعد الحرب يمكن أن يحتاج الى «عدة مئات آلاف من الجنود»، وبعد ايام قلائل رد عليه وولفويتز، الذي اعلن ان تقديراته «غير واقعية على الاطلاق».

وجوبه بول بريمر، الحاكم المدني الأميركي السابق في العراق، برفض مماثل من جانب الادارة حول مسألة حجم القوات. وفي كتابه الصادر أخيرا، يقول بريمر انه قبل التوجه الى العراق في مايو (ايار) 2003، أرسل الى رامسفيلد نسخة من تقرير راند، الذي يقدر ان 500 ألف من القوات سيكون ضروريا لتحقيق الاستقرار في عراق ما بعد الحرب (وهو ما يزيد عن ثلاثة امثال عدد القوات المنتشرة في حينه). ويقول انه لم يتلق أي جواب من وزير الدفاع.

الأسئلة حول أسلوب عمل الادارة وموقفها تجاه الخبراء لم تكن مقتصرة على العراق، وانما طرحت من جانب الصحافيين والمطلعين الآخرين في طائفة واسعة من المناطق. وفي «الدجال»، يؤكد الاقتصادي المحافظ بروس بارتليت، ان اخفاق البيت الأبيض الحالي في رسم سياسة اقتصادية راسخة والتعبير عنها، ناجم الى حد كبير عن عدم اهتمام بوش بالتحليل السياسي الجاد، وتهميش الأشخاص ذوي الخبرة الحقيقية. وكتب يقول، ان وزير الخزانة السابق بول أونيل وخليفته جون سنو عوملا باعتبارهما «ساعيين ينفذان المهمات، وأن الوظيفة الرئيسية لغلين هوبارد، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين، لم تكن اعداد السياسات الاقتصادية، وانما فقط توفير الدعم لأولئك الذين كان بوش يعتمد عليهم».

وقد اثارت المناورات الأخرى للبيت الأبيض في الميدان القانوني الجدل أيضا. ففي ديسمبر (كانون الاول) الماضي، كشف الصحافيان في «نيويورك تايمز» جيمس رايسن واريك ليتشبلاو، عن انه بعد الحادي عشر من سبتمبر فوض بوش سرايا وكالة الأمن القومي للتنصت على الأميركيين، بحثا عن دلائل على النشاط الارهابي بدون طلب المصادقة عليها من قبل المحاكم. وفي الشهر الماضي افادت صحيفة «البوسطن غلوب»، بأن بوش اصدر أكثر من 750 أمرا رئاسيا منذ توليه منصبه، مؤكدا انه يمتلك الحق في رفض أي قانون يصدره الكونغرس عندما يتعارض مع تفسيره للدستور.

وتؤكد مثل هذه الخطوات من جانب البيت الأبيض المسألة التي طرحتها كتب كثيرة حول ميل الادارة الى اعادة صنع ماكينة السياسة التقليدية لواشنطن، وهو ميل يشير، حسب بعض النقاد، الى جهودها لتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية.

* خدمة «نيويورك تايمز»