رئيس المحاكم الشرعية في الصومال: لست الملا عمر.. ولا علاقة لنا بـ«القاعدة»

قال لـ«الشرق الأوسط»: إن الشعب الصومالي بأكمله مسلح

TT

قبل بضع سنوات تعرض طالب لا يزيد عمره على اربعة عشر عاما لعملية اختطاف، نفذتها عصابة محلية في العاصمة الصومالية مقديشو، لابتزاز اهله بغية الحصول على فدية مقابل اطلاق سراحه، على غرار عمليات الخطف والقتل المروعة التي اعتادت على ارتكابها مثل هذه العصابات، مستغلة غياب الحكومة المركزية، التي انهارت برحيل نظام حكم الرئيس السابق محمد سياد بري عام 1991.

ومثلت تلك الواقعة نقلة تحول بارزة في حياة الشيخ شريف احمد، رئيس المحاكم الاسلامية في الصومال، الذي ينظر اليه الكثيرون الآن على انه «رجل مقديشو القوي»، الذي يتهمه البعض بأنه يتبع خطى الملا عمر مؤسس حركة طالبان، التي ازاحتها الولايات المتحدة عن السلطة في افغانستان عام 2001.

كان الشيخ شريف، المولود في مدينة شابيلا الوسطى في شهر يناير (كانون الثاني) عام 1964، يعمل مدرسا للجغرافيا واللغة العربية والدين في مدرسة جوبا الثانوية، التي كان التلميذ المخطوف احد طلابها، واستفزه الحادث ودفعه الى محاولة التدخل لاطلاق سراح تلميذه الفقير الذي لا تمتلك اسرته كغيرها من الاسر الصومالية التي طحنتها الحرب الاهلية اية اموال لتفديه بها.

ومع مرور الوقت اكتشف شريف احمد، الذي يتقن الحديث باللغة العربية، كونه درس القانون والتربية في جامعات السودان وليبيا، انه امام عالم غريب لا يعترف الا بالقوة ولا ينتصر للفقراء مطلقا، فراح يبحث عن الحل.

يتذكر شريف هذا الحادث، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، عبر الهاتف ويقول «اجتمعت مع معلمي المدرسة وقررنا القيام بشيء ما، واصدرنا بيانا صحافيا حظي باهتمام واسع من سكان العاصمة، ثم بدأت اتحدث مع سكان الحي الذي يحتفظ فيه الخاطفون بضحاياهم واقنعتهم بعدم التستر على اي منهم وبالفعل استجابوا لي».

قبل هذه الواقعة لم يكن للشيخ شريف احمد اية علاقة مع تنظيم المحاكم الاسلامية الشرعية، الذي تأسس على خجل مطلع عام 1996، واشتد عوده عام 1998، لكنه فوجئ بترشيحه في غيابه لرئاسة هذا التنظيم، الذي يحتفظ بميليشيات تقول مصادر غير رسمية ان عددها يزيد على خمسة آلاف مقاتل مسلحين بشكل جيد. واضاف «كنت ازور صديقا لي عندما اعلنوا ترشيحي لهذا المنصب، وفكرت في الاعتذار والاستمرار في دوري كمعلم وموجه للطلاب والتلاميذ، الذين ارتبطت بهم كثيرا، لكنني سرعان ما وافقت خشية ان يفشل هذا العمل وهو ما زال جنينا».

وهكذا صعد شريف الى قمة الهرم في تنظيم المحاكم الاسلامية، الذي يعتبره البعض خطرا يهدد مصالحه، ويقوم بعقد محاكمات شرعية ويصدر احكاما بالجلد والسجن استنادا الى الشريعة الاسلامية، بعيدا عن قانون الغاب الذي بات يحكم الصومال، خاصة مقديشو.

ويرفض شريف الافصاح عن عدد القوات الموالية له لأسباب يقول انها امنية، كما يرفض ان يكشف عدد حراسه الشخصيين، وقال «هذه معلومات امنية على درجة كبيرة من السرية، واذا ما اعلنتها فان بعض الاطراف قد تستخف بنا اذا كانت الارقام قليلة، كما قد نعطي صورة مبالغا فيها لو تحدثنا عن ارقام كبيرة».

وقال ان الاسلحة التي تمتلكها القوات العاملة تحت سيطرته محدودة ولا تقارن بما يمتلكه المنافسون، مضيفا «في الحقيقة ومنذ ظروف الحرب الاهلية، والشعب الصومالي بأكمله تقريبا مسلح ولم نمنع احدا من الانضمام الينا، وهكذا يتصور البعض ان لدينا منظومة تسليحية ضخمة». وفي كل الاحوال يعترف شريف بأن الاشتباكات الدامية التي تشهدها العاصمة مقديشو منذ اسبوع، بسبب مواجهات دامية بين ميليشياته، وتلك الموالية لامراء الحرب المدعومين من الولايات المتحدة قد اجبرته على اتخاذ المزيد من اجراءات الامن خوفا على حياته.

وقال «انا بطبعي لا احب الحرس من حولي واجراءات الامن المعقدة، ولكنني اجبرت على الاستعانة بحراس شخصيين على مستوى عال من التدريب والتسليح»، بسبب ما يجري الذي القى بتبعيته على من وصفهم بـ«حلفاء الشيطان».

واضاف «في احيان كثيرة كنت اخرج بدون حراسة على الاطلاق وكنت استمتع بذلك. الآن لم يعد هذا ممكنا». ولكنه في المقابل غير نادم على تعقد حياته الخاصة وعدم قدرته على التجول منفردا، ويقول هذا «قدرنا ومسؤوليتنا ونحن لا نستهدف الا خدمة شعبنا الصومالي والدفاع عن حقوقه وكرامته، وبالتالي لا نبالي بما يحدث لنا». ويعتقد شريف انه مستهدف ومطلوب تصفيته جسديا من قبل حلفاء اميركا في الصومال، معتبرا ان ما يقلقه ليس احتمال اغتياله، ولكن مستقبل هذا البلد الذي كاد ان يقع من خريطة الكرة الارضية وان ينساه العالم».

يعيش شريف كما قال لـ«الشرق الأوسط» مع زوجته وطفليه، احمد (9 سنوات) وعبد الله (اقل من عام) في منزل متواضع في مقديشو يدفع مقابل ايجاره ما يعادل خمسين دولارا اميركيا، وهو لا يمتلك جهاز كومبيوتر او هاتفا جوالا قادرا على الاتصال عبر الاقمار الصناعية.

وكرد غير مباشر على اتهامات خصومه بتضخم ثروته كونه «ملك مقديشو غير المتوج»، قال «اعيش حياة بسيطة مثل غالبية الصوماليين ونستخدم ما هو متاح ونتألم لما يحدث في بلدنا».

ويعتقد شريف ان حل الازمة الصومالية يكمن في توحيد الصوماليين انفسهم والقضاء على خلافاتهم السياسية والقبلية، لكنه يقول في المقابل انه ليس الملا عمر، الذي استطاع توحيد كلمة القبائل الافغانية خلفه، لكي يصل الى السلطة مستغلا نقمة الناس على الحرب الاهلية وسخطهم على قادة الفصائل المسلحة الاخرى.

واضاف «ظروفنا تختلف عن ظروف افغانستان ونحن لا نقدم انفسنا كحكومة بديلة ولا نسعى للهيمنة، كما يقول خصومنا، على العاصمة». لكن احدث تقرير اصدره مجلس الامن الدولي يقول ان الميليشيات الموالية للمحاكم الاثنتى عشرة التي يديرها الشيخ شريف احمد في عدة مناطق في العاصمة، باتت تسيطر على اكثر من 80 في المائة منها.

بيد انه يرى ان هذه السيطرة جاءت بمحبة الناس وتقديرهم لما تقوم به المحاكم الشرعية لصالحهم في ظل غياب حكومة حقيقية قادرة على حمايتهم ومنع اي اعتداءات عليهم. وينفي في المقابل ان تكون المحاكم تتلقى تمويلا او دعما خارجيا، وقال لـ«الشرق الأوسط»: نعتمد على مواردنا المحدودة وما يقدمه لنا البسطاء، ونحن لا نفرض على احد التبرع بالمال، لكننا نرحب بأي مساعدات مهما كانت بسيطة.

وهو مندهش من اهتمام الناس بتنظيم المحاكم الاسلامية ودعمهم لها، على الرغم من انها خارج السلطة الرسمية.

ونفى ان تكون له اية اتصالات مع السلطة الانتقالية التي يقودها الرئيس المؤقت عبد الله يوسف ورئيس وزرائه علي محمد جيدي، مشيرا الى انه لا يمانع التحاور معهما لتحقيق مصالح الشعب الصومالي، لكن من دون اي شروط مسبقة. ورأى ان مشكلة الولايات المتحدة في الصومال، هي انها لا تفهم احتياجات الصوماليين وتكرر اخطاءها في دول اخرى ولا تستفيد منها، مشيرا الى ان التدخل الاميركي في الشؤون الصومالية لم يكن في صالح الشعب الصومالي في اي مرحلة.

ولاحظ ان ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش تردد ما وصفه بالاكاذيب حول وجود تنظيمي القاعدة والاتحاد الاسلامي في الصومال للترويج لحربها ضد الارهاب.

وتقول أجهزة الاستخبارات الغربية، ان المحاكم تؤوي متطرفين اسلاميين، بعضهم على علاقة بتنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن، وان ثلاثة او اربعة من عناصر القاعدة، بينهم من نفذ اعتداءات كينيا وتنزانيا عام 1998، موجودون في الصومال.

لكن شريف شدد على الا وجود لتنظيم القاعدة في اي منطقة صومالية وقال: وليس هنا اي قيادي فار من هذا التنظيم او غيره كما تزعم المخابرات الاميركية والاثيوبية، فهؤلاء لا يستطيعون الاختباء بين القبائل الصومالية، واضاف هذا بلد مكشوف، والغريب فيه يعرف امره منذ اللحظة الاولى.

وزاد: انظر لحجم الاكاذيب التي ترددها واشنطن في العراق وافغانستان، انها تحاول ان تكرر الامر ايضا في مقديشو، لكننا لن نتركهم وشأنهم.

اما بالنسبة لتنظيم الاتحاد الاسلامي، الذي تتهمه حكومة رئيس الوزراء الاثيوبي ميلس زيناوي واجهزة مخابراتها بالتورط في سلسلة عمليات ارهابية وقعت في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا في التسعينات، فقد انتهى تقريبا، حسبما يقول رئيس المجلس الاعلى للمحاكم الاسلامية في الصومال، بعد الخسائر التي تكبدها خلال الحملة العنيفة التي شنتها ضده القوات الاثيوبية، ولم يعد له اي وجود فعلي.

ويعتقد أيضا ان العرب ظلموا الصومال مرتين، مرة بتجاهل ازمته الطاحنة ومرة اخرى برفضهم التدخل لحلها وتقديم مساعدات انسانية ومالية عاجلة لانقاذ الملايين الذين شردتهم الحرب الاهلية.

وقال: «انهم (العرب) يسمعون عنا من وسائل الاعلام الاجنبية التي تضخم من الاخبار الصومالية وتلونها وفقا لمصلحتها، ولم يفكر احدهم مثلما فعلتم في الاتصال بنا لسماع وجهة نظرنا والتعرف علينا، انه لامر محزن».