محاكمة صدام ومساعديه تتخذ اتجاها جديا بعد اتهامهم رسميا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية

TT

بعد سبعة أشهر على بدء محاكمة تحولت إلى مسرح للتحدي، وجهت الى الرئيس العراقي السابق صدام حسين أول من أمس رسميا تهم ارتكاب جرائم ضد الانسانية، وهو إجراء يبدو أنه سيقربه كثيرا إلى حبل المشنقة.

ومنذ بدء المحاكمة في أكتوبر (تشرين الاول) الماضي تمكن صدام من السيطرة على إجراءاتها. فمع توفر النقل الحي عبر شاشات التلفزيون استخدم المحاكمة كمنصة لإلقاء خطب سياسية، واصفا القضاة بأنهم مجرد دمى بيد المحتلين الأميركيين، كما لفت الاهتمام به من خلال عروض الانسحاب من قاعة المحكمة إلى إعلان الاضراب عن الطعام وإلقاء خطب تحرض المتمردين على محاربة القوات الأميركية.

وأدت عروضه المسرحية هذه إلى وضع الوجود الأميركي في العراق تحت المحاكمة، مثلما هي الحال معه. وما ساعده على ذلك مجموعة من الحوادث؛ منها استقالة رئيس القضاة الأصلي بعد ثلاثة أشهر واغتيال قاض ومحاميي دفاع، مع تراخ في عمل القضاء ساعد على حصر أيام المحاكمة بأربع وعشرين جلسة حتى الآن؛ أي بمعدل أربع جلسات شهريا.

لكن أول من أمس كان يوما ضده، حينما صادقت لجنة القضاة الخمسة على التهم الموجهة الى صدام وسبعة من المتهمين الآخرين بارتكاب جرائم ضد الانسانية. وستؤول التهمة بالتأكيد إلى حكم بالإعدام شنقا.

وبأخذ الإجراءات التي أمر بها صدام أو تلك التي اتخذت تحت قيادته، فإنها تتماشى مع معايير القانون الدولي باعتبارها جرائم ضد الانسانية، حسبما ذكر رئيس القضاة رؤوف عبد الرحمن. والاتهام يشير إلى «هجوم واسع ونظامي موجه ضد سكان مدنيين» ويتضمن القتل والإقصاء والتعذيب والسجن في ظروف تخالف القواعد الدولية والاختفاء «وإجراءات لا انسانية أخرى» تسببت في معاناة كبيرة أو أذى جسدي أو عقلي.

وبعكس النظام القضائي الأميركي، حيث يواجه المتهمون منذ بدء المحاكمة التهم، يستند النظام القضائي العراقي على توجيه الاتهام فقط بعد اختبار الأدلة التي يقدمها فريق الادعاء العام. وتوجيه التهم الذي تم أول من أمس هو وثيقة اتهامات رسمية تنشأ على الكشف الأولي الذي يصل إليه القضاة حول التهم التي يرون أن هناك أدلة كافية تدعمها.

وتوجيه التهم هي لدفع المتهم كي يقدم الأدلة التي تبرؤه، وهذه المرحلة تبدأ مباشرة بعد توجيه الاتهامات، حيث يبدأ شهود الدفاع بتقديم شهاداتهم دعما في البداية لأحد المتهمين الصغار.

وحسب الاتهام الذي وجه لحسين أول من أمس فإنه اعتبر مسؤولا عن كل مرحلة من مراحل معاناة سكان الدجيل، بعد أن حاول حزب شيعي محظور آنذاك أن يطلق النار على موكب سياراته.

وليس متوقعا أن يظهر شهود الدفاع عن الرئيس المخلوع قبل مرور عدة أسابيع، وبينهم أعضاء متقدمون في حكومته؛ وهم حاليا محتجزون تحت السلطة العسكرية الأميركية، حسبما قال مسؤولون قضائيون غربيون يعملون على القضية ورفضوا الكشف عن هوياتهم خوفا من الانتقام.

وفي قضية صدام، فإن الاتهام الذي قُرئ عليه أول من أمس اعتبره مسؤولا عن كل مرحلة من مراحل معاناة أهالي الدجيل. وتبدأ بقتل تسعة أشخاص مباشرة بهجوم طائرة هليكوبتر عليهم بعد وقوع محاولة الاغتيال الفاشلة؛ ثم اعتقال مئات آخرين، وتعذيب وقتل بعضهم في مقر المخابرات ببغداد ولاحقا في سجن أبو غريب، حيث أعدم 148 رجلا وصبيا بضمنهم 32 تحت سن الثامنة عشرة.

ومن المتوقع أن تستمر مرحلة الدفاع ثلاثة أشهر ثم يليها تأجيل ربما لثلاثة أشهر أخرى، حيث يتاح للقضاة أن يتدارسوا العقوبات والأحكام، حسبما قال خبراء قانونيون غربيون افادوا بأن أقرب وقت لاحتمال انتهاء المحاكمة هو سبتمبر (ايلول) المقبل.

وإذا حكم على صدام حسين والآخرين بالإعدام، فإنه سيتم الاستئناف اتوماتيكيا ضد الأحكام، وهذا سيتطلب حوالي ستة أشهر حتى يتم البت بها أمام محكمة الاستئناف المتكونة من تسعة قضاة. وقد يستغرق البت النهائي بهذه القضية حتى عام 2008. ووضع القانون العراقي 30 يوما كآخر أجل لتنفيذ عقوبة الاعدام بعد قرار محكمة الاستئناف، وهذا لن يترك وقتا طويلا لتأجيل تنفيذ الحكم.

لكن التوقيت بالنسبة لصدام حسين قد يعتمد على محاكمته في القضية الثانية والمعنية بقتل عشرات الآلاف من العراقيين الأكراد فيما يسمى بحملة الأنفال في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، حينما قامت القوات العراقية باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد القرى الكردية. وقال الرئيس الحالي جلال طالباني الذي هو من أصل كردي، إن الأكراد يريدون رؤية حسين وهو يحاكم في هذه القضية قبل إعدامه.

ومع وجود قاعة محكمة واحدة في مبنى يتمتع بحراسة مشددة في المنطقة الخضراء ببغداد، يأمل القضاة في البدء بمحاكمة قضية الأنفال بعد أن تصدر المحكمة أحكامها في قضية الدجيل. وربما يجري هذا في أغسطس (آب) المقبل كأقرب وقت ممكن.

*خدمة «نيويورك تايمز»