البرلمان العراقي يمنح الثقة لأول حكومة دائمة منذ 50 عاما

وزارة المالكي تضم 40 عضوا.. والمطلك يقاطعها و«التوافق» تعترض على عدم تسمية وزيري الداخلية والدفاع

TT

نجح رئيس الوزراء العراقي الجديد نوري المالكي في تمرير اول حكومة دائمة في العهد الجمهوري في العراق، لكن التعثر في الاتفاق على شاغلي الوزارات الأمنية الثلاث اثار اعتراضات وتحفظات غير حاسمة من جانب عدد من ممثلي العرب السنة.

وقد منح مجلس النواب العراقي الثقة للحكومة المؤلفة من 37 وزيرا، بالاضافة الى رئيسها المالكي (شيعي) ونائبيه برهم صالح (كردي) وسلام الزوبعي (سني).

ولم يتم شغل مناصب وزراء الداخلية والدفاع والأمن الوطني نتيجة خلافات استمرت حتى آخر لحظة بين كتلة «الائتلاف العراقي الموحد» الشيعية، التي تولت تشكيل الحكومة، باعتبارها اكبر الكتل البرلمانية و«جبهة التوافق العراقية» السنية، الكتلة البرلمانية الثالثة من حيث الحجم. واسندت هذه المناصب مؤقتا الى المالكي نفسه (الداخلية) ونائبيه الزوبعي (الدفاع) وصالح (الأمن الوطني). ومن المفترض ان تشغل هذه المناصب خلال اسبوع واحد.

وهذه الحكومة هي ائتلاف واسع يضم ممثلين عن احزاب اسلامية عربية (شيعية وسنية) واحزاب كردية واخرى علمانية، تنضوي تحت لواء «القائمة العراقية الوطنية» التي يترأسها رئيس الوزراء السابق اياد علاوي وحصلت على 5 حقائب.

وانعقدت الجلسة الاستثنائية للبرلمان متأخرة اكثر من ساعتين عن الموعد الذي كان قد اعلن عنه الاسبوع الماضي. وتم منح الثقة الى الوزراء ونائبي رئيس الحكومة فرديا من قبل النواب في ختام عملية تصويت سريعة برفع اليد.

والقى المالكي بعد ذلك كلمة عرض فيها برنامج حكومته، الذي اقره النواب لمنح الثقة رسميا الى رئيس الوزراء.

واعلن نوري المالكي اختياره للشيعي المستقل حسين الشهرستاني لتولي وزارة النفط الاستراتيجية ووزير الداخلية السابق باقر جبر صولاغ لوزارة المالية، فيما بقي الكردي هوشيار زيباري في وزارة الخارجية.

وانسحب عدد من النواب من جبهة التوافق من قاعة الاجتماع، تعبيرا عن استيائهم من عرض تشكيلة حكومية غير مكتملة.

واعربت جبهة التوافق (44 مقعدا في مجلس النواب) عن تحفظها على برنامج حكومة المالكي، خاصة حول البنود المتعلقة بمكافحة الارهاب «التي لم تفرق بين المقاومة واعمال العنف».

وقال النائب نور الدين الحيالي، في مؤتمر صحافي ان جبهة التوافق لها تحفظات على برنامج الحكومة. واضاف «لنا تحفظات حول البنود المتعلقة بمكافحة الارهاب، التي لم تفرق بين المقاومة التي تقوم بدور بطولي من اجل تحرير العراق واعمال العنف التي يرفضها الجميع»، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وتابع الحيالي، «كما يفترض ان ينص المنهاج على حل كافة الميليشيات وتحويلها الى مؤسسات ودوائر الدولة وعدم زجها بالاجهزة الأمنية».

وحول رأيه بالتشكيلة الحكومية، قال الحيالي ان «هذه التشكيلة (الحكومية) لم تلب رغبات كافة الكتل السياسية ولا رغبات جبهة التوافق».

ووردت في برنامج الحكومة فقرتان تتعلقان بمكافحة الارهاب والميليشيات. وتنص الفقرة التي تتعلق بمكافحة الارهاب على «نبذ العنف وادانة منهج التكفير بشكل واضح وصريح، والارهاب بكل أشكاله، والاصطفاف لمكافحته وتطبيق قوانين مكافحة الإرهاب بشكل فعال وعبر مؤسسات القضاء ومؤسسات الدولة ذات العلاقة، وإيجاد كل الظروف الملائمة لترسيخ روح المحبة والتسامح بين أبناء الوطن مع احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان».

وتكتفي الفقرة التي تتعلق بالميليشيات بالدعوة الى «تطبيق قانون 91 المتعلق بالميليشيات»، وهو قانون وضع ابان مجلس الحكم الانتقالي (2003-2004) عندما كان بول بريمر حاكما مدنيا اميركيا على العراق ولم يطبق، ويتعلق بحل الميليشيات.

من ناحيته صرح صالح المطلك رئيس جبهة الحوار الوطني (11 مقعدا)، بأن إعلان الحكومة امس أمام مجلس النواب تم خلافا للدستور والاتفاقات السياسية.

وفي مؤتمر صحافي قال المطلك، الذي انسحب من جلسة البرلمان، «كان الإعلان خلافا للدستور بإضافة وزارات من دون موافقة البرلمان عليها»، حسبما نقلت وكالة «اصوات العراق» المستقلة. وتابع «أعلنت الحكومة خلافا للاتفاقات السياسية، حيث كنا نناقش خلال ثلاثة أشهر كيفية الخروج بحكومة قادرة على انتشال البلد مما هو فيه».

واتهم بعض الكتل السياسية بمحاولة إقصاء كتل سياسية أخرى. وقال «شكلت الحكومة بإقصاء بعض الكتل». مضيفا «لكي تعرفوا أي نظام ديمقراطي نعيش فيه وأي حرية وفكر والغطرسة التي يعيشها البعض».

كما اتهم المطلك جهات وصفها بالقريبة بالتآمر على قائمته قائلا: إن «هناك متآمرين كثر ومنهم أقرب من الآخرين». وتابع «من غدر بنا مرة يغدر مرتين». واستدرك قائلا «غدروا بنا في الدستور وغدروا بنا في تشكيل الحكومة».

وتطرق المطلك إلى وجود جهتين لم يعجبهما ما اسماه خطابه الوطني. وقال «الجهة الأولى قالت لي إنني قلت إن الحكومة طائفية». وتابع «أشارت الأخرى إلى أنني كتبت مقالا في صحيفة «الشرق الأوسط» انتقدت فيه سياسة الحكومة الأميركية».

وكان المطلك قد اثار داخل البرلمان قبل ان ينسحب قضية توزيع الحقائب الوزارية والاسلوب الذي اتبع في منحها، وقال ان «الائتلاف العراقي الموحد»، اشترط عليه قبل يوم من اعلان الحكومة لاشراكه فيها، ان يصحح مساره السياسي ويجعله مشابها لمواقف الحكومة وداعما لها، الا انه رفض هذا المطلب، حسب قوله. ودعا اعضاء مجلس النواب الى ان يكونوا على قدر المسؤولية وان يجسدوا اسس الديمقراطية الصحيحة، مستنكرا ما وصفها بالاجراءات التي اتخذتها القوى السياسية الكبرى، ومن ضمنها «الائتلاف» عند تشكيل الحكومة.

وقد رئيس الوزراء العراقي الجديد، ان لحكومته ثلاث اولويات، هي توفير الأمن والخدمات ومحاربة الفساد المالي والاداري. وقال في مؤتمر صحافي، ردا على سؤال حول ماهية اولوياته، «هناك ثلاثة ملفات اساسية ضمن اولوياتي سأتولاها انا بنفسي، وهي الملف الأمني والفساد والخدمات، لانني اريد ان احقق شيئا للعراقيين». واضاف «هذا لا يعني انني سأترك الملفات الاخرى»، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.

وكان المالكي قد تعهد، في كلمته التي قدم بها حكومته وبرنامج عملها للسنوات الاربع المقبلة، بـ«دحر الارهاب وعزل كل من يريد الاذى والسوء للشعب العراقي».

وقال «كما دحرنا الطاغية وايام الظلم والاستبداد، فإننا سندحر الارهاب والتخريب وعوامل التخلف والفقر والجهل».

واضاف «سنحول مأساة سامراء وتفجير مرقد الامامين العسكريين واعمال التخريب والقتل اليومي، التي تبعت ذلك والمآسي المستمرة التي ذهبت ضحيتها اعداد لا تحصى من الضحايا الذين يسقطون يوميا خطفا وتعذيبا وتهجيرا وقتلا وتمثيلا، الى عزم وارادة حديدية لا تقهر في توحيد صفوف شعبنا وعزل كل من يريد به السوء والاذى». وفي كلمة قصيرة قدم رئيس الجمهورية جلال طالباني تهنئته للحكومة الجديدة واعضائها، مؤكدا استعداده التام لدعمها والتعاون والعمل معها من اجل بناء العراق وتطويره. كما القى رئيس مجلس النواب محمود المشهداني كلمة اعرب فيها عن سعادته في انجاز «حكومة وحدة وطنية تضم جميع الطوائف والمذاهب من دون تهميش او تذويب»، داعيا هذه الحكومة الى سرعة التحرك والعمل على بناء العراق.

والقى رئيس الوزراء المنتهية ولايته ابراهيم الجعفري كلمة هو الاخر، دعا فيها الى القضاء على مواطن الفساد الاداري ودحر الارهاب والعمل على استتباب الأمن في البلاد.