حديقة الصنائع في بيروت مأوى للنازحين: يفترشون أرض الخوف ويلتحفون سماء الانتظار

TT

يبدو ان الويلات التي مني بها لبنان اكبر من ان تتسع لها بقاعه التي اضحت «مقطعة الاوصال». مآس تولد كل يوم لا بل كل ساعة من رحم حرب، أوجدت لها اسرائيل حججا لتطل بـ«طبعة جديدة» تناسب سنة 2006 وتتلاءم مع عصر يشتد فيه الحديث عن حقوق الانسان في مختلف عواصم العالم. انها حاجة اسرائيل و«حقها في الدفاع عن نفسها»، كما قال الرئيس الاميركي جورج بوش قبل ايام في قمة الثماني... «دفاع» يشرّع قتل الاطفال والامهات وابادة العائلات... حتى ان رصد الشاحنات التي تُنقل فيها المساعدات وقصفها باتا تكتيكا تعتمده اسرائيل.

الى حديقة الصنائع في بيروت، يلجأ النازحون من قرى الجنوب والضاحية الجنوبية للعاصمة التي تعاني منذ 6 ايام قصفا مركزا جعلها كومة ركام ومقبرة تحوي بقايا جثث لم تصل اليها بعد ايادي الاسعاف. يأتون فارغي الايادي انما مثقلين بالهموم والمصائب، فمنهم من خسر ذويه ومنهم من تهدمت منازلهم ومنهم من جلس صامتا يتجنب التحدث الى وسائل الاعلام.

من بلدة حارة حريك (في الضاحية) هربت «ام علي» بدر الدين فلجأت الى الحديقة مع عائلتها ومنها الى احدى مدارس العاصمة «اشعر بالاختناق فلا أكل أو مياه أو مكان ملائم للنوم. كان لدي 100 الف ليرة (65 دولارا) نسيتها في المنزل حين هربت واليوم لا املك شيئا لاطعام اطفالي سوى القليل مما يقدم لنا». واضافت بشيء من المرارة «الله يهدي الجميع».

حديقة تعج بالنازحين الذين تصل اعدادهم الى 300 نازح، فضلا عن المتطوعين الذين شكلوا «لجنة الاغاثة الاهلية ـ الصنائع» التي تضم نحو 400 فرد، فجندوا انفسهم لتقديم ما امكنهم من مساعدة ولو معنوية. يعملون كخلية نحل وضمن امكاناتهم المتواضعة ، فيجهدون لتنظيم عملية توزيع المساعدات فيسجلون اسماء الوافدين والخارجين ويتابعون باستمرار حاجات النازحين. اما المؤن وغيرها من المستلزمات فـ«لا يصل منها الا القليل القليل والاساسي جدا كالمياه وبعض ارغفة الخبز، فضلا عن بعض الادوية الاساسية، غير اننا نفتقد الادوية الضرورية للمصابين بامراض القلب أو غيرها من المشكلات الصحية التي تستلزم تناول ادوية دائمة»، كما قال احد المتطوعين لـ«الشرق الاوسط» شريف بيبي، رغم ان المتطوعين شكلوا شبكة تعمل بالتعاون مع الصليب الاحمر اللبناني والدفاع المدني، فالهيئة العليا للاغاثة التابعة لرئاسة مجلس الوزراء والوزارات المعنية لا تقوى على توفير كل ما يلزم ذلك ان «حجم الحاجات يفوق بأضعاف الامكانات الموجودة»، واضاف بيبي: «نحتاج الى حليب للاطفال وادوية خاصة بهم. وهناك نقص كبير في العديد من المستلزمات مثل الاغطية والفرش فالنازحون يفترشون التراب».

من الحديقة الى 21 مدرسة رسمية وزّع عليها النازحون الذين يتوافدون باستمرار «ولا نعرف الى اين سنأخذ العائلات التي لا تزال تتوافد. نعيش على تبرعات الافراد والمؤسسات الخاصة. اللبنانيون وضعوا كل خلافاتهم جانبا ويتوجهون الى الحديقة لمد ايادي العون»، كما قال بيبي.

وقالت احدى المتطوعات فرح قبيسي «نعتمد على جهودنا الشخصية وليس على عمل الهيئة العليا للاغاثة، واحيانا نستعين بالصليب الاحمر اذا واجهنا حالات اغماء أو مشكلات صحية». وبدوره قال المتطوع غيث بدر الدين «الحرب جمعتنا بدلا من ان تفرقنا، فالجميع يتكاتفون لتقديم المساعدة على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم، انما الامكانات لا تستوعب الحاجات هائلة التي تتضاعف يوميا». وشكا من وجود بعض «الاستغلاليين الذين ينتهزون الفرصة لمضاعفة اسعار الحاجات الاساسية».

وعلى مدخل الحديقة يقف خليل حميّد يائسا لا يعرف شيئا عن عائلته المحتجزة في قرية ميس الجبل الجنوبية «أتوسل الجمعيات والمسؤولين علّهم يستطيعون احضار زوجتي وابني علي الذي يبلغ 7 سنوات».