عقب سنوات من المساعي لإخراج القوات السورية من لبنان، في محاولة لتعزيز استقلاله، يواجه القادة الغربيون الآن مهمة السعي الى إقناع دمشق باستخدام نفوذها لوقف الهجمات الصاروخية على اسرائيل، وإطلاق سراح الجنود الاسرائيليين المحتجزين. ويقول محللون وسياسيون سوريون، ان النظام السوري يعتبر نفسه قد عاد مجددا الى الأخذ بزمام المبادرة، بعد سنوات من العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية، التي ظلت الولايات المتحدة تفرضها على دمشق. هذا الدور ربما يسمح لدمشق بالسعي للحصول على المزيد من الفوائد، بما في ذلك محادثات جديدة حول مصير مرتفعات الجولان مقابل أي تدخل في لبنان. ويعتقد محللون ان سورية تتبع نموذج حليفتها ايران، وهو نموذج تنظر اليه دمشق كونه ساعد طهران على المزيد من السيطرة على مصيرها من سياسة التحدي، خلال فترة الـ12 شهرا الماضية، بشأن برنامجها النووي اكثر مما حصلت عليه الأنظمة العربية المعتدلة من سنوات من التنازلات والمساومات مع الولايات المتحدة وإسرائيل. ويقول محلل سياسي سوري، ان ايران تتحدث مع الولايات المتحدة بنفس لهجة التحدي التي يتحدث بها الاميركيون تجاه ايران، مما زاد من شعبية الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ثلاثة أضعاف. وأضاف قائلا ان الايرانيين نجحوا في حمل واشنطن على تخفيف حدة لهجتها، التي لم تعد تتسم، حسبما يرى، بنفس العداء والعنف اللذين كانت تتسم بهما قبل تولي احمدي نجاد رئاسة ايران. ويضيف المحلل السياسي السوري قائلا، ان ايران اعطت سورية نصيحة مؤداها عدم الاستسلام بسهولة والتمسك بقوة بالحقوق، ويبدو ان سورية، على حد تعبيره، «اخذت بهذه النصيحة». وفي الأزمة الحالية، التي ناشد مسؤولون اميركيون خلالها دمشق بالسيطرة على «حزب الله» في لبنان، تبدو سورية متلهفة للتأكيد مجددا على اعتبارها ضامنا رئيسيا للاستقرار في الشرق الاوسط. يقول جورج جبور، النائب عن حزب البعث الحاكم ومستشار الرئيس بشار الأسد، ان ثمة فهما خاطئا في السياسة التي ظلت تتبعها الولايات المتحدة منذ حرب العراق، يتلخص في إمكانية استبعاد سورية من المعادلة السياسية في المنطقة، وانه يمكن تنفيذ السياسيات بدون سورية، إلا انه ثبت فشل هذه السياسة، على حد قول جبور. اما رياض ابراش، وهو مسؤول سابق لدى الحكومة السورية في جهود تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة، فقال انه من المتوقع ان تطالب سورية بقرار نهائي حول وضع الجولان، مقابل أي محاولة منها لوقف الهجمات الصاروخية على اسرائيل بواسطة «حماس» و«حزب الله». وأضاف ابراش ايضا ان السوريين يريدون معرفة ما اذا سيستعيد بلدهم الجولان، كما ان النظام يريد ان يعرف ايضا ما اذا سيظل في السلطة ام لا. ويقول ابراش ان سورية باختصار «تريد شيئا في المقابل». وفيما أشارت الولايات المتحدة الى دور من خلف الكواليس لكل من سورية وإيران في الهجمات الصاروخية على اسرائيل، وكونهما الطرف القادر على التدخل لإطلاق سراح الجنود الاسرائيليين الثلاثة، سعت سورية جاهدة للنأي بنفسها رسميا عن «حزب الله»، كي تتفادى أي مسؤولية مباشرة عن الحرب. ويشير محللون الى ان سورية فقدت سيطرتها اليومية على حزب الله عقب مغادرة آخر قوات لها الاراضي اللبنانية العام الماضي. وتنظر سورية الى انسحاب قواتها من لبنان كونه ضربة مؤلمة لنفوذها في المنطقة ولمستقبل الاستقرار في لبنان. ويقول ابراش في هذا السياق: «خرجنا من لبنان. ترى، كيف نستطيع ان نمارس ضغوطا عليه. ماذا تريد الولايات المتحدة؟ هل تريد الولايات المتحدة ان تلعب سورية دورا؟ ام تريدها ان تخرج من لعب أي دور؟». سورية من جانبها تقول ان «حزب الله» اصبح قوة مستقلة وانه الآن وسط احداث خرجت عن نطاق السيطرة السياسية. ويقول محمد حبش، العضو المستقل بالبرلمان السوري ومدير مركز الدراسات الاسلامية بدمشق، متسائلا: «اذا تخيلنا ان الرئيس الأسد رفع سماعة الهاتف واتصل بحسن نصر الله طالبا منه ان يوقف هجمات حزب الله ضد اسرائيل، هل تعتقدون انه سيتوقف؟ نحن نتحدث عن شخص قرر ان يضحي بروحه، هل تعتقدون انه في انتظار تعليقات من دمشق؟ أي تفكير يصل الى ان المقاومة في لبنان او فلسطين او العراق تسيطر عليها سورية تفكير ينم عن غباء». وفيما من المحتمل ان يكون كل ذلك صحيحا، يعتقد كثيرون ان صدور تعليمات واضحة من سورية وقفل الطريق أمام خطوط الإمداد عبر الحدود اللبنانية من المحتمل ان يساعد على توفير الوسائل اللازمة لوقف العنف الموجه ضد اسرائيل. ويرى محللون انه من غير المرجح ان تتحرك سورية بدون الالتزام بوقف لإطلاق النار وتقديم بعض التنازلات، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء الذين تحتجزهم اسرائيل، ذك ان الحرب في لبنان لها فوائد سياسية بارزة لدمشق، اذا لم تمتد عبر الحدود الى سورية. وتتضمن هذه الفوائد إضعاف موقف المعادين للوجود السوري في الاراضي اللبنانية وإرجاء تطبيق قرار الأمم المتحدة الخاص بنزع سلاح «حزب الله» الى أجل غير مسمى، فضلا عن التأكيد مجددا على اهمية النفوذ السوري في لبنان وتأجيل الإصلاحات الديمقراطية داخل سورية. واتضحت يوم الاثنين مدى محدودية قنوات اتصال واشنطن مع سورية عندما سُمع المحادثة الخاصة بين الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير وهو يقول له، انه يرغب في ان يطلب من الأمين العام للامم المتحدة، كوفي أنان، الاتصال هاتفيا بسورية وفعل شيء لإنهاء الأزمة في لبنان. تجدر الاشارة الى ان الدبلوماسيين الاميركيين عملوا جاهدين عن كثب قبل عشر سنوات مع السوريين ونجحوا في تأمين إطلاق سراح اميركيين كانوا مختطفين في لبنان، إلا انه ليس هناك سفير اميركي في دمشق منذ اغتيال الحريري في فبراير (شباط) 2005، كما ان من بقي من الدبلوماسيين الاميركيين هناك لديهم اتصالات محدودة فقط مع المسؤولين السوريين. وتسببت العقوبات الاقتصادية من جانب مصارف اميركية في تأخير صرف شيكات لدى آلاف الأشخاص، ما حمل الحكومة السورية على تحويل غالبية التحويلات المالية الرسمية الى اليورو، ولا يزال الحظر على صادرات المعدات العسكرية والبضائع المصنعة في الولايات المتحدة مفروضا على سورية. وتهدف هذه العقوبات الى عزل سورية وإجبار النظام السوري على «تغيير سلوكه»، على غرار ما حدث مع الزعيم الليبي معمر القذافي، إلا ان جوشوا لاندس، خبير الشؤون السورية والاستاذ بجامعة اوكلاهوما قال، انه يعتقد ان واشنطن ليس لديها في الأزمة الحالية نفوذ كاف يجعل موقفها التفاوضي قويا، وأضاف قائلا: «لم يعد في يد الولايات المتحدة أوراق للعب. انهم لن يلتقوا احدا ولن يفاوضوا احدا، ولن يستطيعوا حمل الولايات المتحدة على التحرك ضد ايران، فكيف يستطيعون حملها على التحرك ضد سورية؟». ويرى لاندس ان الرئيس السوري بشار الأسد كسب في ما يبدو مواجهته مع الولايات المتحدة، وأضاف معلقا: «إنهم يمارسون لعبة خطيرة، ولكن الى حين اسقاط اول قنبلة على دمشق، كل شيء يسير في الاتجاه الذي تريده سورية».
* خدمة «لوس انجلس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»