مسؤولون دوليون: إسرائيل قد تحتاج للقتال شهرا للوصول إلى الليطاني

قالوا إن «حزب الله» لا يزال يتحرك بحرية رغم تدمير 40% من مواقعه

TT

احترقت مزارع الكروم أول من امس، وحلق ضباب أبيض فوق سفح التل على امتداد هذا الخط الامامي. وخلفها كانت سحب دخان داكن تتجمع في الهواء، محاطة بضجيج الحرب: طائرة استطلاع إسرائيلية بدون طيار شبيهة بالحشرة، وأصوات الطائرات النفاثة، وانفجار قذائف المدفعية والصواريخ، وبين حين وآخر اصوات صواريخ حزب الله.

كان الوادي مشهدا لبعض من أعنف قتال بين القوات الإسرائيلية وافراد حزب الله أول من امس، كما كان الحال في اليوم السابق، وفي اليوم الذي قبله، على امتداد شريط جنوب لبنان الوعر حيث جبهة المعارك الأمامية تقاس بالياردات وليس بالأميال، وهي حرب استنزاف طاحنة يقول عنها مسؤولو الأمم المتحدة انها قد تبقى بدون حل قبل ان تتحقق هدنة.

وقال حسين الرميتي، احد وجهاء قرية قريبة، وهو يشير الى اعمدة السحب المرتفعة قرب مدينة طيبة «يقولون انهم دمروا حزب الله، ولكن حزب الله يبقى حيث كان. وهنا الدليل على ذلك».

وكان يقف مع مجموعة من الرجال، الذين كانوا يهزون رؤوسهم موافقين على ما قال. وقالوا ان النجاح لا يقاس بالأرض وانما بالوقت.

وقال الرميتي انه خلال يومين «لم يتمكنوا من الاستيلاء على طيبة». وبعد ثلاثة اسابيع من حرب اسرائيل مع حزب الله ما تزال قواتها تقاتل على شريط متعرج من الأرض يمتد 50 ياردة الى ما يزيد على ثلاثة اميال داخل لبنان، وهي مسافة اقصر بكثير من المنطقة التي قالت القوات الإسرائيلية انها ستتوغل فيها قريبا داخل البلد على امتداد الحدود. وقال مسؤولو الأمم المتحدة انهم يقدرون انه في مستوى التقدم الحالي، حيث ما تزال معارك حرب العصابات قائمة في المدن الحدودية، يمكن أن تحتاج إسرائيل شهرا آخر للوصول الى نهر الليطاني، وهي مرحلة حث وزير الدفاع الإسرائيلي كبار قادة جيشه على الاستعداد لها.

وقال المسؤولون انه من المحتمل أن تكون اسرائيل قد دمرت ما يقرب من 40 من مواقع حزب الله على امتداد الحدود التي تبلغ 49 ميلا، ولكن اتصالات المنظمة ما تزال سليمة، حيث يجري تبادل الرسائل بين زعماء مجموعات مقاتلي حزب الله في المناطق المختلفة. ويبدو أن مقاتلي حزب الله ما يزالون يتمتعون بحرية الحركة عبر ممر يعرفونه بدقة. فأحدهم شوهد في بنت جبيل الاثنين الماضي والآخر في قلاوية أول من امس. ويقدر المسؤولون ان حزب الله يمكن ان يستمر على اطلاق الصواريخ على اسرائيل لفترة أربعة اسابيع اخرى.

وقال ريزارد مورجينسكي، مسؤول الشؤون السياسية للقوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان، التي تقوم بحراسة الحدود، انه «اذا ما استمروا على التاكتيكات نفسها اشك في انهم سيكونون قادرين على الاحتفال بذلك قبل اربعة الى خمسة اسابيع».

وفي غضون ذلك، تكتب، في قرى الخطوط الأمامية التي تصارع بسبب شحة المياه والغذاء والهدوء، عبر مشهد ممزق، قصص الحرب التي تتكهن بالانطباعات التي يمكن أن يتركها النزاع بين مؤيدي حزب الله والبلد والعالم العربي الأوسع.

وقال مصطفى عليان من قلاوية، 31 عاما، متحدثا عن الإسرائيليين «سيكون عسيرا عليهم ان يدخلوا الجنوب مرة اخرى».

وتقع قلاوية على منحدر يشرف على وديان وتغطيه الظلال في جنوب لبنان. وخلال فترة ما بعد الظهيرة تتردد أصداء طبول الحرب عبر شوارعها المهجورة الى حد كبير، حيث الرميتي واصدقاؤه كانوا متجمعين. وعلى بعد أميال عدة اندلعت المعركة من أجل الاستيلاء على الطيبة، حيث كانت طائرات الهليكوبتر والطائرات النفاثة تجول في السماء والدبابات استولت على المرتفعات المطلة على المدينة.

وقال عبد الله عليان، 18 عاما، انه «من الطبيعي ان حزب الله ما يزال حتى الآن متقدما. انه يتمتع بروح القتال».

واضاف الرميتي، وكانت دراجته الآلية تقف الى جانبه في ساحة المدينة، ان «النصر جلي. تقول اسرائيل انها دمرت البنية التحتية لحزب الله. ان ما دمر هو البيوت وحياة المدنيين والجسور والطرق».

وتحدث جمال سرحان، 34 عاما، عن غزو عام 1982، وهو أحد الفصول الأكثر دمارا في الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت من عام 1975 حتى عام 1990، قائلا انه «في الماضي احتلت اسرائيل الجنوب في ستة ايام. اما الآن فانها بعد 24 يوما لم تحتل قرية واحدة».

وعلى مدى النظر كانت صواريخ تمر فوق الرؤوس. وقدر الرميتي انها صواريخ خيبر البعيدة المدى.

واضاف الرميتي «هذا خيبر 1» بعد اطلاق الصاروخ الاول ثم قال «وهذا خيبر 2» بعد اطلاق الصاروخ الثاني. وتبادل اطراف الحديث لدقيقة اخرى، ثم ارتسمت على وجهه ملامح جديدة. وظهر عليه احساس بالقلق. وقال وهو يركب دراجته الآلية «من الافضل لك الابتعاد عن هنا. من يدري ماذا سيحدث؟».

ويعتقد مسؤولون في الامم المتحدة ان التقدم البطيء للقوات الاسرائيلية يهدف الى تقليل الخسائر بين قواتها وعددها 10 آلاف جندي. وقد ادى التقدم الى سيطرة القوات الاسرائيلية على الحدود مرة اخرى، وهو الامر الذي اربك المسؤولين في الامم المتحدة الذين يتابعون المعارك؟ لا يزال حزب الله مستمرا في اطلاق الصواريخ، ويبدو ان القوات الاسرائيلية مترددة في احتلال مزيد من الاراضي فيما وصفته بأنها عملية تهدف الى القضاء على الوجود العسكري لحزب الله عبر الحدود.

واضاف مورجينسكي «نرى ما يقومون به على الارض. اذا ما سألتني ما هي استراتيجيتهم، لا اعرف». وقد ذكر مسؤولون إسرائيليون انهم يسيطرون على 20 قرية عبر الحدود. وقال مورجنسكي انه من المحتمل وجود القوات الاسرائيلية في ثماني او تسع قرى، بدرجات مختلفة من السيطرة.

واضاف «بالطبع يمكنهم السيطرة على 20 قرية في يومين اذا ما ارادوا ذلك. المشكلة هي بأي ثمن. كل شيء مسألة وقت والموارد التي تخصصها له. اذا ما كان لديك الكثير من الوقت ووضعت جيشك بأكمله في جنوب لبنان، فلا يوجد ادنى شك من سيصبح المنتصر في هذه الحرب. ولكن يتعلق الامر بالوقت والموارد والرغبة في تحمل خسائر بأعداد اكبر مما يحدث الآن».

ورفض فكرة الحديث عن احتلال جنوب لبنان حتى نهر الليطاني وهو امر سيؤدي الى مد خطوط الامداد الاسرائيلية ووضع القوات في مواقع ثابتة يعرضها لنوع من حرب العصابات التي يفضلها حزب الله.

واضاف «من الناحية العسكرية ليس من الممكن احتلال مثل هذه المساحة من الارض، طبقا لما شاهدناه حتى الآن».

وحتى الآن قللت اسرائيل والولايات المتحدة من طموحاتهما من نزع سلاح حزب الله او حتى تدميره في الايام الاولى للهدف الاكثر تواضعا الان برسم حدود تدفع بقوات حزب الله بعيدا عن الحدود. وتشير الادلة المتزايدة الى ان حزب الله سيخرج من هذه المعارك سالما، رغم تعرضه لضربات شديدة. وهو الامر الذي صور الحرب كانتصار من قبل الجميع من النشطاء في الحزب الى القيادات. وبالرغم من ان حزب الله ربما يعاني على المدى الطويل ـ وسط النقاش حول اسلحته والاتهامات بين انصاره حول المعاناة التي سببتها الحرب ـ فهو الان يحقق المزيد من رأس المال السياسي. ومن بين المشاعر الاخرى التي تتردد احيانا بشدة هذه الايام في القرى الصغيرة المنتشرة في جنوب لبنان: الغضب من استخدام اسرائيل لاسلحة اميركية الصنع والضوء الاخضر من ادارة بوش لانطلاق الحملة الاسرائيلية، بالاضافة الى الاحساس بأنه، عندما ينتهي القتال، فإن الوضع القائم ربما يشبه الوضع السابق، وإن كان بقوة دولية اكبر على الحدود. وبالنسبة لعديد من الناس القلقين الذين لا يزالون يعيشون على الحدود، فإن ذلك يعني ان نهاية هذه المعركة لا تعني نهاية الحرب. وقال خليل عطوة وهو بائع سمك، 53 عاما، في الناقورة، وهو يحتسي القهوة في شارع خال، منتهزا فرصة توقف القتال «سيعود الامر الى ما كان عليه. هذه مجرد حرب اعصاب».

قال لي ابو علي، 54 عاما، انه من المفترض ان اكون قد سمعت بذلك من قبل، وان هذه استراحة بالنسبة لهم. قدم لي بعض النصائح والتحذيرات في حرب يتوقع ان تستمر لبعض الوقت. قال ابو علي: «اذا سمعت صوت فرقعة، فإن ذلك يعني انه قذيفة في طريقها الى المكان، اما اذا سمعت صوتا عاليا عابرا، فإن ذلك يعني انها في طريقها الى مكان آخر بعيد». شأن القرى على الطريق، تظهر ضارية لأول وهلة كأنها مهجورة، إلا ان بضعة أفراد من سكانها الـ80 المتبقين بدأوا في الظهور تدريجيا وتجمعوا لتبادل الحديث حول ما يجري.