أهالي قرية مروحين يحملون «حزب الله» مسؤولية الدمار الذي لحق بهم

سكانها لا يحصلون على منح الحزب وظلوا لشهور يطالبونه بإخراج مسلحيه

TT

ظل أهل هذه القرية التي تقع بالقرب من الحدود الإسرائيلية وتسكنها غالبية سنية، يشاهدون قلقين على مدى شهور مقاتلي «حزب الله» وهم ينقلون الأسلحة والصواريخ الى المنطقة تحضيرا للمعركة. احتار سكان المنطقة في ما اذا كان يجب عليهم قبول وجود مسلحي «حزب الله» وبالتالي مواجهة هجمات محتملة من جانب اسرائيل، أم محاولة إخراجهم من المنطقة ومواجهة مخاطر الانتقام من جانب «حزب الله». توصل كثيرون الى الخيار، إلا ان ذلك جاء متأخرا خلال دفن 23 شخصا راحوا ضحية غارات جوية إسرائيلية عندما كانوا يحاولون الفرار في 15 يوليو (تموز) الماضي. تقول زينب علي عبد الله، التي فقدت والدها وشقيقها والعديد من أعضاء أسرتها في الهجوم، إنهم ظلوا يتوسلون الى مسلحي «حزب الله» طالبين منهم الابتعاد عن المنطقة، إلا أن مسلحي «حزب الله» كانوا يردون قائلين ما معناه أنهم جميعا في نفس السلة، وانه يجب على سكان المنطقة التعامل مع هذا الواقع. وتضيف زينب، 19 سنة، متسائلة: «لماذا يموت أطفالنا من أجل قضية تخص حزب الله؟».

تجمع مئات الأشخاص في مروحين يوم الخميس لدفن آخر الجثامين المتبقية في مقبرة جماعية مؤقتة في صور. وجرى دفن الضحايا في مقبرة جديدة في مراسم كان لا بد منها لإسدال الستار على محنة مروحين. ظلت الجثث مدفونة في المقبرة الجماعية على مدى أكثر من أسبوع بعد وقف إطلاق النار الى ان تأكد السكان ان الوضع الأمني بات مناسبا للعودة. كانت مراسم الدفن التي جرت يوم اول من امس بمثابة فرصة للإفصاح عن المظالم تجاه «حزب الله» الذي يحمله السكان مسؤولية المشاكل التي حدثت في المنطقة التي تتسم عادة بالهدوء. ونادرا ما تسمع انتقادات لـ«حزب الله» في جنوب لبنان، حيث يتمتع بنفوذ واسع وقوة اقتصادية. كما ان قرى مثل مروحين، التي تؤيد غالبية سكانها حركة المستقبل بقيادة سعد الحريري، كثيرا ما لا تتوفر لها فرصة الحصول على منح «حزب الله» وتدفع في نفس الوقت ثمن سياسته.

ويقول إبراهيم، الذي فقد العديد من أقربائه في الهجوم الذي استهدف عددا من سكان مروحين خلال فرارهم من المنطقة، انهم لا يستطيعون وقف «حزب الله» وليس هناك من يمكن ان يقول لهم «لا». وكانت إسرائيل قد حذرت عبر مكبرات الصوت سكان القرية بإخلائها بعد ان بدأ «حزب الله» في إطلاق صواريخ باتجاه شمال اسرائيل من موقع قريب من مروحين. وتجمعت الأسر في مركز القرية وتوجهوا صوب ملجأ قريب تابع للأمم المتحدة إلا انهم منعوا من دخول الملجأ، وعاد كثيرون منهم الى القرية إلا ان مجموعة، من ضمن أفرادها زينب علي عبد الله، توجهت على متن سيارتين باتجاه مدينة صور التي ظنوا انها اكثر أمانا. وتقول زينب ان واحدة من السيارتين تعطلت بعد حوالي خمسة أميال ودمرت بعد قليل بواسطة مروحية قاذفة للقنابل قبل ان تتعرض بقية السيارات لنيران المروحيات الإسرائيلية، ولم ينج من الهجوم سوى أربعة اشخاص، بمن في ذلك زينب وابنة اختها لارا التي فقدت أسرتها بكاملها واثنين من الجيران. واضطرت زينب الى السير لمدة ساعة ونصف الساعة وهي تعاني من الإصابة بشظيتين، واحدة في ساقها والأخرى في بطنها. ويقول السكان ان مشاكل مروحين بدأت العام الماضي عندما اعتنق واحد من السكان المذهب الشيعي وجرى تعيينه ممثلا محليا لـ«حزب الله». كما ان اشياء غريبة بدأت تحدث منذ ذلك الوقت وبدأ أشخاص ليسوا من سكان المنطقة يأتون للمشاركة في اجتماعات ولقاءات تحدث في أوقات متأخرة من الليل، كما قالوا ايضا ان شاحنات كانت تأتي الى المنطقة حوالي منتصف الليل فضلا عن سيارات نقل صغيرة مثيرة للشكوك كانت متوقفة عند عدد من النقاط الطرفية للقرية. وعندما اندلعت الحرب انطلقت الصواريخ من القرية ومن تلة مجاورة وشعر الكثير من السكان في ذلك الوقت ان المشاكل ستزداد كثيرا. إحدى سيارات النقل الصغيرة البيضاء كانت متوقفة يوم الخميس أمام مسجد في مروحين بعد ان اصابها صاروخ إسرائيلي، إلا ان قاعدة لإطلاق صواريخ الكاتيوشا يمكن رؤيتها بالداخل، وجرت إزالة صاروخ استقر الى جانب سيارة النقل قبل بضعة ايام. وفي مواقع أخرى عرض السكان مخازن أسلحة تحتوي على بنادق رشاشة وقذائف هاون وقاذفات صواريخ وعدة صواريخ اخرى تركها مقاتلو «حزب الله». وقد تعرض جزء من مخزن السلاح للقصف، إلا ان مخزنا آخر اكبر حجما لم يطله القصف. ويقول بعض السكان إن «حزب الله» كان يستخدمهم كدروع بشرية. ويقول إبراهيم في هذا السياق إن «رجلا واحدا في القرية تمكن من قلب حياتهم رأسا على عقب من اجل مبلغ من المال»، في إشارة الى الشخص الذي أصبح ممثلا لـ«حزب الله». وأضاف ابراهيم قائلا إن أهل القرية عندما غادروا غادر أيضا مقاتلو «حزب الله»، كما يظهر واضحا من الأضرار المحدودة التي لحقت بمروحين. ويطالب إبراهيم أيضا بوصول قوات الجيش اللبناني وقوات من الأمم المتحدة لحماية السكان، ويضيف قائلا: «إسرائيل عدونا، إلا ان المشكلة هي ان «حزب الله» منحهم ذريعة لدخول لبنان وقتل اطفالنا».

ونقلت جثامين الضحايا بمجموعة من سيارات الإسعاف الى مثواها الأخير، شاقة مروحين، وكانت تسمع بوضوح آيات من القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت، وجرى الناجون نحو سيارات الإسعاف. وقالت زينب وهي تشير الى ملصق على جدار مبنى بوسط مروحين تظهر عليه صور الضحايا: «هذا والدي... وهذا شقيقي وهذه أسرته. أسأل الله أن يتقبلهم جميعا». ووقفت زينب في الخارج عندما وضعت الجثامين على الأرض قبل دفنها وهي تلوح بيدها الى كل جثمان ينقل للدفن في مثواه الأخير، وقالت وهي تبكي وتصارع قريبا لها حاول إرجاعها الى الوراء: «وداعا والدي. وداعا أخي... سأفقدك كثيرا».

*خدمة «نيويورك تايمز»