قرويون لبنانيون: القوات الإسرائيلية تعتدي وتعتقل.. وترفع الأعلام في الجنوب

قالوا إن جنود الأمم المتحدة كأنهم سياح.. بلا سلطة وكثيرون منهم لا يتكلمون العربية أو الإنجليزية

TT

كان عدد من الرجال يفرغون أكياسا من أغذية متبرع بها من شاحنة هنا صبيحة يوم الثلاثاء حينما اندلعت أصوات طلقات من بنادق أوتوماتيكية.

صرخ الرجال وأعول الأطفال ثم هربوا. ثم أصبح واضحا أنها الدبابات الإسرائيلية مرة أخرى تتقدم فوق الهضبة المطلة على البلدة، ثم عادوا مرة أخرى إلى روتينهم. بالنسبة للسكان المحليين فإن أعمالا من هذا النوع هي محض استفزاز وخرق قوي لوقف إطلاق النار الذي أنهى القتال يوم 14 أغسطس (آب) الماضي الماضي.

أما بالنسبة للإسرائيليين فإنه دفاع شرعي للدفاع عن الذات. فبلدة عيطة الشعب ما زال فيها مقاتلون من «حزب الله». وقال ميري أيسين، المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية «إنهم لا يرتدون بدلات وهم حذرون من إظهار أسلحتهم، ونحن نستخدم كل الوسائل للتفريق بينهم وبين من لا يمتلك أسلحة».

لكن هذا الفرق واضح كل يوم عبر كل جنوب لبنان. مع ذلك فإن الدبابات الإسرائيلية تعبر كل يوم جيئة وذهابا الهضاب البنية وتطلق النار على الحقول وتحطم البيوت والجدران الصخرية. وزرعت فرق من الجنود الإسرائيليين علم بلدهم فوق الأمكنة المرتفعة وأحيانا يعتقلون رجالا لبنانيين ثم يطلقون سراحهم بعد عدة أيام. ولا يبدو أن هناك من يعلم أين تتمركز الوحدات الإسرائيلية المتحركة أو كيف يمكن تجنبها.

ووسط كل ذلك يجلس جنود الأمم المتحدة بخوذهم الزرقاء في سياراتهم وكأنهم سائحون بلا أي سلطة، والكثير منهم لا يتكلمون العربية أو الإنجليزية. قالت المعلمة نهى سرور أثناء سماعها لإطلاق الرصاص «إسرائيل تحاول ترويعنا وجعلنا نغادر. إنهم اندهشوا لعودتنا هنا بعد التفجير». ولعله لا يوجد شخص شاهد الفوضى التي أصابت جنوب لبنان أكثر من محمد حسين، الفلاح من قرية قنطرة والبالغ من العمر 32 سنة.

عندما كان هو وأخوه في طريقهم لشراء قطع غيار للشاحنة الأسبوع الماضي، وجدا نفسيهما يمران بعدد من الجنود الإسرائيليين. كانا يظنان أن الإسرائيليين غادروا المنطقة. تذكر حسين كيف أن الجنود قيدوا أيدي الأخوين وعصبوا أعينهما. ثم أخذوهما إلى إسرائيل.

ولأربعة أيام ظلت أقدام وأيدي الأخوين مقيدة. وجرى تحقيق مع حسين حول عائلته وقريته. ثم أطلق سراحه الاثنين الماضي بعد أن قدم مسؤولون في الأمم المتحدة والجيش اللبناني شكاوى ضد إسرائيل.

ويوم الاثنين الماضي كان بإمكان حسين أن يبتسم حول المحنة التي مر بها حينما كان جالسا على شرفة مجاورة لأشجار الرمان مع أصدقاء وأقارب. وقال إن الإسرائيليين أطعموه ولم يسيئوا التعامل معه. لكنه بدا شديد الانزعاج من فكرة مصادفتهم في الطريق مرة أخرى.

وقال حول الطريق الذي يبعد ما يقرب من ميل عن قريته حيث التقطه الإسرائيليون «لو تعطيني سيارة مملوءة بالذهب والألماس لن أعود إلى ذلك المكان». في الوقت نفسه يبدو حسين منزعجا أيضا من «حزب الله». وحينما سئل عما إذا كان الإسرائيليون استجوبوه حول مليشيا «حزب الله» نفى ذلك ثم رفض أن يذكر أي شيء حول هذا الموضوع.

وتجري معظم العمليات الإسرائيلية عادة في الليل حيث تبقى الدوريات بعيدة عن البلدات. لكن الجنود يجدون أنفسهم أحيانا مكشوفين كثيرا. وكان قد ظهر علم إسرائيلي يوم الأحد من على منحدر خارج قرية شبعا، حيث تتمركز مجموعة من الجنود الإسرائيليين ومعهم جرافة. التقط صحافيون صورة خلال مختلف فترات اليوم ونبه الجنود الإسرائيليون المراسلين الى الابتعاد من موقعهم. تقدم مسؤولون في الجيش اللبناني بشكوى الى مكتب الأمم المتحدة بشأن العلم الاسرائيلي، واتصل المكتب بالجانب الاسرائيلي حول هذا الشأن، وقال المتحدث باسم قوة الأمم المتحدة، ألكساندر ايفانكو، يوم الاثنين ان الجنود الاسرائيليين أنزلوا العلم.

ولكن بعد مرور حوالي ساعة تحدث ايفانكو مرة أخرى وكان العلم الاسرائيلي لا يزال مرفوعا على نفس النقطة. رفع علم إسرائيلي آخر خلال نهاية الأسبوع على تلة بالقرب من قريبة مروحين، إلا انه انزل يوم الثلاثاء. وكانت الإعلام الإسرائيلية والوجود المستمر للجنود الإسرائيليين هنا قد زاد من غضب سكان القرى الذين صدمهم أصلا مدى الدمار الذي تسببت فيه الغارات الإسرائيلية. حتى بعض المسيحيين الذين لم تدمر قراهم مثلما دمرت المناطق الشيعية قالوا إن الحرب قد ألهبت تأييدهم لـ«حزب الله». وفي عيتا الشعب، يبدو واضحا التأييد العلني والكامل تقريبا لـ«حزب الله». احد الشوارع، حيث يسكن عدد من مقاتلي «حزب الله» ـ كان يعرف باسم شارع حزب الله حتى قبل الحرب ـ دمر تماما، وعاد عدد من العائلات الى المنطقة رغم ما لحق بها من دمار، ويبدو واضحا تحدي السكان وإصرارهم على البقاء في منازلهم المحروقة والمدمرة. ويعيش آخرون الى جانب منازلهم المدمرة داخل خيام وزعتها منظمات للإغاثة. تقول نها سرور: «إنهم دمروا مدرستنا هنا في القرية، لكننا سندرس الأطفال تحت الأشجار، وسنعلمهم ان يكرهوا اسرائيل ويحبوا المقاومة». وقالت نها ان دبابات اسرائيلية أطلقت نيرانها من مكان قريب باتجاه موقع قرب منزلها يوم الأحد، الشيء الذي اضطر العديد من أقربائها الذين عادوا من بيروت قبل حوالي أسبوع الى مغادرة القرية مجددا خوفا من اندلاع الحرب مرة أخرى. وكما هو الحال في الكثير من القرى الجنوبية تظهر لافتات «حزب الله» الصفراء وسط المنازل المدمرة وقد ظهرت على بعضها عبارات تدل على تحقيق «نصر مقدس» لصالح المقاومة. وفي مكان ليس ببعيد ينظر محمد سرور، وهو رجل دين وقريب الأستاذة نها ، الى الأمر من زاوية مختلفة، إذ قال وهو يجمع بعض الملابس والكتب ويضعها داخل أكياس بلاستيك من بين حطام منزله المدمر: «تعرضنا لضربة قاسية الى درجة أننا لا نزال نرفض الاعتراف بها».

*خدمة «نيويورك تايمز»