الصين: كتب التاريخ تضع «الماركسية» على الرف لصالح توجهات التكنولوجيا والعولمة

دولة الحزب الواحد تفضل أن يفكر الناس في المستقبل أكثر من الماضي

TT

عندما يفتح طلاب المدرسة الثانوية في شنغهاي كتب التاريخ المدرسية في هذا الخريف قد يواجهون مفاجأة. فنص تاريخ العالم الجديد يلغي الحروب والسلالات والثورات الشيوعية لصالح كتب نابضة بالحياة حول الاقتصاد والتكنولوجيا والتقاليد الاجتماعية والعولمة. وقلصت الاشتراكية الى فصل واحد قصير في منهج التاريخ المقرر للمدرسة الثانوية. وتجري تغطية الشيوعية الصينية قبل الاصلاح الاقتصادي الذي بدأ عام 1979 بجملة واحدة. والنص يذكر ماو مرة واحدة في فصل عن الإتكيت.

وبين عشية وضحاها، وضعت المدارس الأكثر ازدهارا في البلاد على الرف الماركسية التي هيمنت على نصوص التاريخ المعترف بها منذ خمسينات القرن الماضي. ويقول المؤلفون ان التغييرات مرت بتدقيق على مستوى عال، وهي جزء من مسعى أوسع للترويج لرأي اكثر استقرارا واقل عنفا للتاريخ الصيني يخدم الأهداف الاقتصادية والسياسية الراهنة.

ويقول المؤيدون ان التدقيق ينشط دروس التاريخ بالنسبة لطلاب المدارس المتوسطة والثانوية ويعدهم بصورة أفضل للحياة في العالم الواقعي. وقد تغيرت الكتب المدرسية القديمة، ليس على نحو مختلف عن الحزب الحاكم، بصورة اقل نسبيا في ربع القرن الأخير من الاصلاحات الاقتصادية المتجهة نحو السوق. ولكن المنتقدين يقولون ان الكتب تستبدل أجندة سياسية بأخرى.

انها لا تعيد كتابة التاريخ كثيرا بقدر ما تزيله. فدولة الحزب الواحد، التي تخلت الى حد كبير عن آيديولوجيتها الرسمية، تفضل ان يفكر الناس في المستقبل اكثر من الماضي.

ويركز النص الجديد على أفكار تهيمن على الخطاب الرسمي والاعلام الذي تديره الدولة: النمو الاقتصادي، الابتكار، التجارة الخارجية، الاستقرار السياسي، احترام الثقافات المتنوعة، والانسجام الاجتماعي.

وتجري اضاءة جي. بي. مورغان، وبيل غيتس، وبورصة نيويورك، والمكوك الفضائي، والقطار الياباني السريع.

وتحظى الثورتان الفرنسية والبلشفية، اللتان كان ينظر اليهما باعتبارهما نقطتي انعطاف في التاريخ العالمي، باهتمام اقل في الوقت الحالي. ويجري تدريس ماو، والمسيرة الطويلة، والاضطهاد الكولونيالي للصين، واغتصاب مدينة نانجينغ فقط في منهج التاريخ الموجز في المدارس الابتدائية. وقال زو شينكين، المؤرخ في جامعة شنغهاي، ان «نسختنا التقليدية من التاريخ ركزت على الآيديولوجيا والهوية القومية. ان التاريخ الجديد أقل آيديولوجية وهذا يناسب الأهداف السياسية الراهنة». وهذه التغييرات مقتصرة، في الأقل، على شنغهاي في البداية. فمنطقة النخبة المدينية هذه لديها فرصة لتغيير مناهجها الدراسية، وفي الماضي طرحت تحسينات وجه الحكومة المركزية بقية مناطق البلاد للأخذ بها. ولكن الكتب المدرسية اثارت جدلا حيا بين المؤرخين قبل تقديمها الواسع في شنغهاي في فصل الخريف، فقد بدأت مدارس عدة في شنغهاي استخدام النصوص المدرسية بصورة تجريبية في السنة الدراسية الماضية. وقال كثير من الباحثين انهم لا يشعرون بالندم على التخلي عن الماركسية في دروس التاريخ. وما يزال يجري تدريسها في دروس الدراسات الضرورية في مجال السياسة. ولكن البعض انتقدوا ما يرونه جهدا لتقليص التاريخ تماما. فالتاريخ الصيني والعالمي في المدارس المتوسطة قد كثف الى سنتين من ثلاث سنوات، بينما السنة الواحدة من المدرسة الثانوية المكرسة للتاريخ تركز في الوقت الحالي على الثقافات والأفكار والحضارات. وقال زو تشونشينغ، الأستاذ في جامعة شنغهاي، وأحد المؤلفين البارزين لسلسلة النصوص المدرسية الجديدة، ان هذه النصوص تتبع أفكار المؤرخ الفرنسي فرناند برودل. فقد دافع برودل عن وضع الثقافة والدين والتقاليد الاجتماعية والاقتصاد والآيديولوجيا في «تاريخ شامل» جديد. وقد باتت تلك الطريقة شائعة في الكثير من الدول الغربية لفترة زادت على نصف قرن. وقد ابتعدت الصين عن آيديولوجيتها الشيوعية الحاكمة، ولكن كتب شنغهاي المدرسية هي اول من حاول أن يدقق في ذلك كظاهرة بدلا من الوعظ بها كحقيقة. وما يزال يشار الى الاشتراكية باعتبار ان لها «مستقبلا مجيدا». ولكن المفهوم تقلص الى فصل واحد من 52 فصلا في كتاب التاريخ للمدرسة الثانوية. وتحظى الاشتراكية الثورية بتأكيد أقل من الثورة الصناعية وثورة المعلومات. ويدرس الطلاب الآن ماو الذي ما يزال يبجل رسميا باعتباره مؤسس الصين الحديثة ولكن لم يعد يعتبر مؤثرا في السياسة، في المدارس المتوسطة فقط. وفي منهج المدرسة الثانوية يذكر بصورة عابرة كجزء من درس حول تقليد تنكيس الأعلام لجنازات المسؤولين في الدولة، كما حصل بالنسبة لماو عند وفاته عام 1976. ويظهر دنغ هسياو بينغ، الذي بدأ اصلاحات اقتصاد السوق في الصين، في كتب التاريخ المقررة للمدارس المتوسطة والثانوية، مع تأكيد على الجانب الاقتصادي المرتبط به. وما يزال كتاب التاريخ في المدرسة الثانوية يستخدم تعابير تقليدية لادانة غزو اليابان للصين في ثلاثينات القرن الماضي، ولا يتضمن الكثير بشأن التنمية السلمية الديمقراطية لطوكيو ما بعد الحرب. ولا يفعل الكثير للتخفيف من قلق اليابانيين من أن الصينيين يكنون الكراهية لليابان منذ صغرهم. وعلى العموم، فان التقليص في الوقت الذي يخصص لدراسة التاريخ واضافة مواضيع جديدة مثل الثقافة والتكنولوجيا يعني ان جوهر منهج دراسة التاريخ الصيني يتغير بصورة كبيرة. وتبتعد مناهج تدريس التاريخ الجديدة عن تأكيد تغيير السلالات، وصراع الفلاحين، والخصومات الاثنية، والحرب، وفقا لما يقوله بعض النقاد بسبب ان القيادة لا تريد ان يفكر الناس في أن مثل هذه الأمور ذات أهمية كبيرة. ويفضل المسؤولون خلق انطباع بأن الصينيين اهتموا عبر العصور بصورة اكبر بالابتكار والتكنولوجيا وعلاقات التجارة مع العالم الخارجي. ويقول زو، الباحث من شنغهاي الذي ساعد على كتابة نصوص الكتب المدرسية، ان التاريخ الجديد يقدم، بالفعل، صورة اكثر انسجاما لماضي الصين. ولكنه يقول ان التغييرات «لم تأت من شعارات سياسية معينة» وانما تعكس تغييرا شاملا في نمط التفكير بشأن ما يحتاج ان يعرفه الطلاب. وقال ان «للحكومة دورا كبيرا في تحسين المناهج الدراسية. ولكن هدف عملنا هو ليس السياسة. انه جعل دراسة التاريخ أكثر راهنية وعملية واعداد طلابنا لعصر جديد».

* خدمة «نيويورك تايمز»