المهاجرون غير الشرعيين في لبنان يأملون أن تتيح لهم الحرب فرصة العمل

TT

تغيرت مسؤوليات «صندوق الأمم المتحدة للسكان» في لبنان وانقلبت أولوياته رأسا على عقب بعد الحرب الإسرائيلية وما رافقها من نزوح قسري وتشرد عائلات بأكملها وخسارة عائلات أخرى معيلها، ما رفع حجم معاناة النساء اللواتي أرغمن على تحمل مسؤوليات الأسرة بصورة مفاجئة. ويسعى الصندوق الى وضع خطط لمواكبة الحالات التي تستدعي مساعدة في هذه المرحلة، كما يعمل الموظفون الدوليون على تأمين كل ما يتعلق بالسلامة والنظافة والصحة الإنجابية للعائلات التي لم تعد تملك الحد الأدنى من وسائل الإقامة في مساكن لائقة. إلا أن الصندوق استرجع اهتمامه بشرائح اجتماعية متروكة في زمن السلم عاشت حرمانا أكبر في فترة الحرب، ولم يعد بامكانها الحصول على العناية اللازمة والكفيلة بتخفيف معاناتها. لكن بعد صمت المدافع، عادت قضية هذه الشرائح تطرح نفسها على المنظمات الدولية والأهلية العاملة في لبنان. ويتصدر اللاجئون الذين يقيمون في لبنان بصفة غير شرعية فئات الذين أزيحوا الى المرتبة الثانية وأهملت أوضاعهم بشكل أو بآخر. وكان صندوق الأمم المتحدة للسكان يهتم بأوضاعهم من خلال جمعيات ومؤسسات رعائية، مثل «كاريتاس» أو غيرها. وأدت أيام الحرب الى تهميش معاناتهم. وفي هذه الإطار يأمل عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين، الذين لا تسمح ظروف بلادهم بعودتهم، أن تترتب أوضاع إقامتهم في لبنان، نظرا الى إمكانية مساهمتهم كيد عاملة في كثير من المجالات الإنمائية. ويقول السوداني أحمد الذي كان يعمل في أحد المطاعم بينما تعمل زوجته ابتسام في تنظيف المنازل: «الحرب أخرجتنا من بلادنا. وسماسرة التهريب أدخلونا من الحدود السورية الى لبنان خلسة مقابل مبالغ مالية، وذلك قبل خمسة أعوام. عانينا خلالها ظروفا صعبة. لكن اليوم نشعر أن الظروف تحسنت. خف ضغط القوى الأمنية علينا. بدأنا نسمع عن حاجة لليد العاملة لم تكن مطلوبة في الفترة السابقة، عندما كانت الأفضلية للعمال السوريين. اليوم نشعر أن حظوظنا بترتيب إقامتنا أوفر من السابق. ونتمنى أن تساعدنا المنظمات الدولية المهتمة بأوضاع المهاجرين غير الشرعيين لنحصل على بعض الضمانات مقابل أي عمل شريف». حالة أحمد وابتسام تبدو باعثة للأمل لدى المهاجرين غير الشرعيين. لكن بعض الحالات لا تدخل خانة التفاؤل أبدا، فالحرب وفرص الإعمار التي تستتبعها عادة لا تشمل الجميع. ومنهم السورية سامية، المتزوجة من شاب عراقي في السابعة والعشرين من عمره، تكتمت عن ذكر اسمه، والتي تعيش مأساة متواصلة تفاقمت خلال فترة القصف المجنون. وتقول المرشدة الاجتماعية رانية شهاب من «كاريتاس» إن «زوج سامية يرفض أن يغادر مكان إقامته حيث يعمل ناطورا، رغم الأخطار التي تعرض لها مع أولاده الثلاثة. والسبب أنه كان قد اعتقل في العراق بعد عودته اثر سقوط نظام صدام حسين على يد إحدى المافيات، وبقي معتقلا لمدة سنة ونصف سنة. وتعرض خلال هذه المدة لأقسى أنواع التعذيب والاضطهاد. وعندما أطلق سراحه عاد الى لبنان وأقام بطريقة غير شرعية. بالطبع تحول الى إنسان عنيف، وراح يضرب زوجته بشكل جنوني. وعندما يهدأ تحاول التحدث اليه فتجده منهارا». تضيف شهاب: «حاولنا إخراجه من غرفته التي لم يعد يغادرها، لكنه رفض. كذلك رفض الذهاب الى طبيب نفسي. كما بدأ يفتعل المشاكل مع السكان، الذين يتحملونه إكراما لزوجته». حالة سامية وزوجها من اللاجئين وطالبي اللجوء الى لبنان رغم الأوضاع الأمنية، عادت تحتل أولوية لدى صندوق الأمم المتحدة للسكان، الى جانب اهتمام المسؤولين فيه بالأحوال التي تواجهها الأسر التي عادت الى قراها وبلداتها. وعاد الصندوق الى التنسيق مع شركائه، لا سيما في المرحلة الراهنة حيث تكبر الحاجة الى المهاجرين غير الشرعيين في لبنان، انطلاقا من دور المهاجر في عملية الإعمار.

وفي هذا الإطار يفترض أن تشهد منظمة الأمم اللمتحدة في نيويورك اجتماعات تمهيدية رفيعة المستوى لدراسة علاقة الهجرة بالتنمية، تحديدا في البلدان التي تحتاج الى كثافة يد عاملة للمساهمة بإزالة آثار العدوان وإعادة الإعمار.

ويرى المسؤولون في صندوق الأمم المتحدة للسكان في لبنان أن التجربة اللبنانية الحالية تدفع الى إعادة النظر بالهجرة، التي كان ينظر اليها حتى اليوم بشكل منفصل عن التنمية وبأنها عامل سلبي.