عائلات فلسطينية تواجه كارثة إنسانية بسبب الفوضى في قطاع غزة

يزيد عليها تفاقم المشاكل الأمنية ومشاركة قوات الشرطة والأمن في أعمال مخالفة للقانون

TT

ظل زيدان ابو رزق خلال الاسابيع السابقة ينام في الخارج الى جوار اشجار الفاكهة في قطعة زراعية صغيرة استولى عليها بوضع اليد. شأن الكثير من أسر اللاجئين الفلسطينيين في خان يونس، تحتاج اسرة ابورزق الى الزراعة بغرض توفير لقمة العيش، فقد اخذوا الارض وزرعوها بالخضروات، وأنفقوا على ذلك مبلغا يعادل حوالي 50 دولارا اميركيا، وهو المبلغ الذي تسلمته الاسرة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للامم المتحدة «اونروا» لشراء الزي المدرسي لأطفالها. وتعترف تمام، زوجة زيدان، بأن زوجها، 51 سنة، ينام الى جوار مزروعاته لأنه في حاجة الى حماية ما انفقته الاسرة في ظل اوضاع الفوضى في غزة، حيث قطعة الارض الصغيرة «حوالي 20 ياردة مربعة» التي استولى عليها، وهي تابعة للحكومة، تعتبر صغيرة جدا اذا ما قورنت بمساحات واسعة من الأراضي التي استولت عليها عصابات واسر وميليشيات سيطرت على أجزاء واسعة من الاراضي بعد ان سحبت اسرائيل المستوطنين قبل حوالي عام تقريبا. تأثر الوضع الاقتصادي هنا بسبب وقف تمويل السلطة الفلسطينية من اسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقب فوز «حماس» بالانتخابات التشريعية في 25 يناير (كانون الثاني) الماضي.

دفعت السلطة الفلسطينية منذ ذلك الوقت مرتب شهر ونصف الشهر فقط لموظفيها البالغ عددهم 73 الفا، الشيء الذي ادى الى كساد اقتصادي ومؤشرات على سوء التغذية خصوصا بين الأطفال الأكثر فقرا. قليلون فقط هنا يستخدمون منح الامم المتحدة في الإنفاق على احتياجات الأطفال في المدارس، فعائلة ابورزق انفقت بقية منحة الإغاثة بعناية، فقد ذهب ما يزيد على 20 دولارا منها الى البقال المحلي كمقدم وضمان استمرار التسليف، اذ ان الاسرة لا تزال مدينة لصاحب المتجر المحلي بمبلغ يزيد على ما يعادل 200 دولار، فيما ذهبت 11 دولارا لشراء حاجيات اخرى من بينها دجاجتان لطبق الكسكس الذي اعدته تمام وابنتها فاطمة، 29 سنة. وقالت تمام ان الطعام الذي أعدته يكفي 15 شخصا، وهي كما تقول الاشخاص الذين يساعدون الاسرة في الارض الزراعية، بالإضافة الى جار لهم وضعه اكثر سوءا منهم. ويقول دان ايغلاند، مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الانسانية، ان غزة عبارة عن «قنبلة تنتظر الانفجار». وحذر مؤتمر الامم المتحدة حول التجارة والتنمية يوم الثلاثاء من ان الاقتصاد ربما ينكمش العام المقبل ليصل الى مستواه قبل 15 عاما، كما من المحتمل ان يصل مستوى البطالة الى ما يزيد على 50 في المائة، يضاف الى ذلك ان البنك الدولي يتوقع ان يتراجع إجمالي الناتج المحلي بنسبة 27 في المائة هذا العام. وتأمل اسرة أبورزق، شأنها شأن الكثير من الفلسطينيين، في ان تكون الحكومة الجديدة افضل حالا، لكنهم لا يريدون إلقاء اللائمة على «حماس»، التي يقول زيدان انها لم تمنح أية فرصة للنجاح. ليس من الواضح حتى الآن ما اذا سينظر الى الحكومة الجديدة كونها ستلبي المطالب الغربية المتمثلة في الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف وقبل الاتفاقيات السابقة الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي. يقول حمدي شقورة، من «المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان»، ان حركة «حماس» وعدت خلال حملتها الانتخابية السابقة بتوفير الأمن لكنها فشلت في ذلك، وأضاف قائلا ان هناك فوضى أمنية وعدم احترام للقانون، وأضاف ان السبب الرئيسي في هذه الفوضى هو مشاركة قوات الشرطة والأمن الفلسطينية، وغالبيتها من «فتح»، في الأعمال المخالفة للقانون، فضلا عن الاشتباكات المستمرة بين عناصر الميليشيات والمسلحين التابعين لحركة «حماس». ويقول شقورة ان الأفراد الذين من المفترض ان يحموا القانون هم الذين يخرقونه ولم يقدم احد الى العدالة، وقال ايضا انه يلوم السلطة الفلسطينية وليس اسرائيل. كان يعمل زيدان بالقرب من مستوطنة نيف ديكاليم، لكنه لم يسمح له بدخول المستوطنة عقب اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000. ويعتبر زيدان من المحظوظين لأن لديه ثلاثة ايام في الشهر للعمل في مجال الإنشاءات. ويعمل محمد، ابن زيدان، في الشرطة التابعة للسلطة الفلسطينية، ومن المفترض ان يتقاضى 340 دولارا شهريا، لكنه تسلم 500 دولار فقط منذ فبراير (شباط) الماضي. وتقول شقيقته فاطمة انه لا يبقى في البيت سوى اوقات محدودة لأنه يفتقر الى أي مال ويشعر بالحرج. حتى المساعدة المالية المحدودة التي كانت تتلقاها فاطمة، وهي ام مطلقة، توقفت، وتوقف ايضا عمل مجموعة نساء كانت تؤدي لهن عمل تطريز. اما شقيقها سليمان، فيقول ان لا مانع لديه في شغل أي عمل.

تجدر الاشارة الى ان منظمة الامم المتحدة تساعد الآن في توفير الغذاء لـ830 الف فلسطيني في غزة، بزيادة 100 الف منذ مارس (آذار) الماضي، ولكن كي يتسلموا غوث الوكالة يجب ان يصنفوا ضمن اللاجئين، الذين يشكلون 70 في المائة من سكان قطاع غزة البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة. وجاءت هذه الزيادة في الغالب من اللاجئين الذين يعملون في الحكومة ولم يكونوا في حاجة الى المساعدات في السابق.

*خدمة «نيويورك تايمز»