الدكتور عصمت عبد المجيد يخص «الشرق الأوسط» بحديث الوداع: أغادر منصبي ومكتبي وشعور بالرضا والارتياح يغمرني ولا أفهم سر الحملة العراقية ضدي

الجامعة العربية هي أساس مستقبل العرب في السنوات القادمة * تأثرت بعدد من الرؤساء العرب وأجريت حوارا صادقا مع صدام حسين في بغداد * علاقتي بالكومبيوتر مفقودة وحفيدتي تعلمني الإنترنت

TT

قبل ساعات من مغادرته مكتبه كأمين عام للجامعة العربية أمس خص الدكتور عصمت عبد المجيد «الشرق الأوسط» بحديث شامل تناول فيه موقفه من الملف العراقي وعلاقاته مع الرؤساء العرب، كما تطرق الى الدور الذي لعبه في قضية لوكربي.

وقال الدكتور عبد المجيد الذي انتهت أمس فترة ولايته الثانية بعد عشر سنوات انه يغادر منصبه «بغير ندم وبلا حسرة على ما قد مر أو فات»، معتبراً انه بذل كل جهد ممكن لخدمة المصالح العربية. وبعدما أشاد بخليفته القادم عمرو موسى تمنى له التوفيق في مهمته الصعبة.

* على مدى السنوات العشر التي أمضيتها في منصب الأمين العام للجامعة العربية من هم أكثر القادة والرؤساء العرب الذين نجحت في اقامة علاقات شخصية معهم؟

ـ انني أكن كل تقدير واحترام لكل القادة والرؤساء والملوك العرب انطلاقاً من ادراكي لحرصهم على نجاح جهود الجامعة العربية في تفعيل العمل العربي المشترك، ولقد أتاحت لي فترة خدمتي كأمين عام للجامعة العربية أن أقترب على مدار عشر سنوات كاملة من معظم القادة والرؤساء العرب بشكل كبير. وبشكل شخصي فقد اقتربت من عدد كبير منهم، من بينهم الرئيس الجزائري السابق الأمين زروال والعاهل الاردني الراحل الملك حسين بن طلال والعاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني. وقد تتعجب اذا قلت لك ان كلا من القادة العرب لديه شخصية متميزة في قراءة ما حوله بكل وعي وموضوعية وبما يتماشى مع روح العصر ومتطلباته. وفي الواقع الظروف أتاحت لي التعامل مع الجميع من دون استثناء حتى الرئيس العراقي صدام حسين حيث سبق لي ان التقيته في بغداد على الرغم من ان البعض يقول انني لم أذهب للعراق، لقد ذهبت الى العاصمة العراقية وجلست مع الرئيس العراقي مطولا.

* ما هي انطباعاتك اذن عن الرئيس العراقي صدام حسين؟

ـ كان حديثي معه هادئا جداً ومحترما جداً وأثرت معه قضية الأسرى والمفقودين الكويتيين فرد بأنه لا يوجد أسرى وإنما مسجونون عرب وأفرج بالفعل عن 1000 منهم.

* هل تعتقد انه يمكن عربياً اجراء حوار موضوعي مع صدام حسين؟

ـ طبعاً ولماذا لا، الحوار الهادئ والعقلاني فيه مصلحة جميع الأطراف العربية خاصة الكويت والعراق مع كل الاحترام والتقدير لرئيس الدولة، واعتقد ان الحوار مطلوب في كل وقت وزمان.

* وماذا عن دورك في قضية لوكربي؟

ـ لعلك تعلم انني كنت صاحب الاقتراح الخاص بمحاكمة المواطنين الليبيين أمام محكمة اسكوتلندية وعلى أرض محايدة وهو ما تم بعد ذلك بالفعل. ونحن في الجامعة العربية تفهمنا الموقف الليبي منذ اندلاع الأزمة الليبية ـ الغربية، وكان لدي ايمان بعدالة وسلامة موقف الزعيم الليبي معمر القذافي وعلى هذا الأساس تعاطت الجامعة العربية مع ملف هذه الأزمة وسعينا لحشد التأييد لموقف ليبيا الذي أخذ بعده العربي في هذا المجال. وكان للجامعة دور مهم في شرح الموقف الليبي في كافة المحافل الدولية والاقليمية وكانت لنا اتصالات مع جميع الأطراف بهدف التوصل الى صيغة مقبولة للحل، وأنا أشعر بالراحة عندما نرى العقوبات على ليبيا قد تم رفعها وان الأمور بدأت تسير في طريقها الطبيعي بعيداً عن جو الأزمة والحصار.

* هل تشعر بالقلق لان مشروع المصالحة العربية الذي طرحته منذ عام 1993 لم يتحقق حتى الآن؟

ـ حسناً، انت ذكرت عام 1993 وهو العام الذي طرحت فيه مبادرة خاصة لتحقيق المصالحة العربية الشاملة على أساس المصارحة، وهذا التوقيت كان لاحقاً على أزمة الدخول العراقي للكويت في الثاني من اغسطس (آب) 1990 وفي هذا الوقت لم يكن أحد ليفكر في المصالحة أو تقديم مبادرة بشأنها، لان المناخ العربي كان سيئاً. لكن واجبي القومي وشعوري بالمسؤولية الملقاة على كاهلي كأمين عام للجامعة العربية دفعاني الى طرح هذه المبادرة التي لقيت استجابة طيبة تحتاج لمزيد من الوقت والجهد لمتابعتها، ولكن يكفي ان المصلحة العربية باتت هي الحاضر الدائم في الشارع السياسي العربي وهذا في حد ذاته تأكيد لأهمية ما طرحناه في السابق.

* هل ثمة نصائح تريد تقديمها لخليفتك القادم عمرو موسى قبل توليه مهام عملك السابق؟

ـ انه صديق وزميل وعلى كفاءة وخبرة لا شك في ذلك وله سجل حافل في الخدمة الدبلوماسية وهو ما يدفعني للتفاؤل حول قدرته على القيام بعمله على أكمل وجه. وتحدوني الثقة فيه وفي أنه سيبذل قصارى جهده من أجل خدمة القضايا والمصالح العربية العليا.

* هل ثمة ما يمكن ان تحذره منه؟

ـ لا، الأمر ليس بهذه الصورة، فالأمور تخضع لتقدير الشخص، وحساباتها مختلفة من شخص لآخر، ولهذا أنا أفضل تعبير التعامل وليس المواجهة لان الدبلوماسية الهادئة هادفة في نهاية المطاف، ولكن ذلك لا يعني انني أهرب من المواجهة، بل انني غالباً ما أواجه بعنف متى اقتضى الأمر ذلك. ان عوامل الضعف واضحة المعالم في الجسد العربي، ودعني أقول لك ان اسرائيل تستفيد من اخطائنا العربية وتزداد بها قوة بما يعني ان قوتها مصطنعة وبفعل ايدينا واعتقد انه آن الأوان ليتغير ذلك لان الوقت لم يعد في صالحنا كأمة عربية.

* من بين كل الملفات التي تعاطيت معها كأمين عام للجامعة العربية.. ما هو الملف الذي لم يحسم كما ينبغي خلال فترة ولايتك؟

ـ طبعاً أهم ملف هو الملف الكويتي ـ العراقي ومن المؤكد ان الظروف الآن باتت مهيأة لحسم هذا الملف بشكل جيد، ولعلك تابعت ما جرى في قمة عمان الأخيرة وأدركت ان ثمة توجها عربيا لتحقيق المصالحة، وكل هذه الأمور هي بمثابة مؤشر قوي على ان الملف الكويتي ـ العراقي ليس صعب الحسم أو الحل ولكن كل ذلك سيظل مرهوناً بحسن النوايا وبقدرة جميع الاطراف على تجاوز مرارة الماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات العربية. وأعتقد ان السبيل الأنسب لذلك هو المصارحة قبل المصالحة وليس بأسلوب دفن الرؤوس في الرمال كالنعامة لان ذلك لن يحقق شيئاً مفيداً للعالم العربي على الاطلاق.

* يبدو ان قولك في حفل تكريمك الأخير بالجامعة انك غير نادم على أي موقف أو تصريح سبق لك اتخاذه قد استفز وسائل الاعلام العراقية التي اعتبرت فترة ولايتك فترة سوداء في تاريخ الجامعة العربية، ما هو تعليقك؟

ـ هذا هو الأسلوب الذي يتعاملون به مع الأسف، وأنا لا أفضل الدخول في مهاترات تبعدنا عن واقعنا. انني اسمي كل الأشياء بأسمائها وما حدث في اغسطس 1990 كان صدمة كبيرة في العالم العربي ما زلنا ندفع ثمنها، وما حدث هو غزو واجتياح من دولة عربية لأخرى وضد كل القيم والمبادئ، وأنا لم اخترع هذا الغزو بل قام به العراقيون، وأنا لا افهم سر الحملة التي يقومون بها من وقت لآخر ضدي ولأسباب غير واضحة. ولكنني لن أنزلق لأسلوب الشتائم أو الرد الهابط لان ذلك ليس أسلوبي ولا من طبيعتي الشخصية، وآمل مع الوقت ان يدركوا ان اسلوبهم لن يحل أو يساعد على الحل. انني أقول دائماً ان الخلاف في الرأي لا ينبغي أن يفسد للود قضية.

* من الملاحظ انك غالباً ما تستعين بأبيات من الشعر العربي كمفردات في خطابك السياسي، فلمن تقرأ من الشعراء العرب؟

ـ انني حريص على قراءة الشعر سواء لأمير الشعراء احمد شوقي أو أبو الطيب المتنبي.

* وماذا تسمع من الأغاني؟

ـ أنا اسمع أي لحن ونغم وكلام جميل ورقيق.

* هل لديك اطلاع بما يسمى بالموجة الشبابية في الموسيقى والغناء؟

ـ في الحقيقة في هذا الصدد فأنا أكتفي بمراقبة أولادي وأحفادي وأتعلم منهم.

* ما هي علاقتك مع الكومبيوتر والانترنت؟

ـ علاقة ود مفقود بسبب ضيق الوقت، وقد تتعجب اذا اخبرتك ان حفيدتي لديها شغف بالكومبيوتر ومثابرة على الانترنت لذلك تقوم باعداد ملفات خاصة لي حول كل ما ينشر عني أو عن الجامعة العربية على شبكة المعلومات الدولية «الانترنت». واعتقد ان الانترنت أصبحت أمرا حيويا لكل الطوائف العمرية والاجتماعية.

* ماذا تنوي ان تفعل بعد التقاعد رسمياً كأمين عام للجامعة العربية؟

ـ هناك الكثير أمامي لكي أفعله، وسبق لي ان أسست مركز القاهرة للتحكيم الدولي وأنا رئيس جمعية المحكمين المصريين والافارقة، كذلك عضو في لجنة التحكيم الدولية التابعة للبنك الدولي. ولقد عملت في هذا المجال منذ فترة، ولعلك تعلم انني كنت رئيس اللجنة القومية في عملية تحكيم طابا لمدة أربع سنوات. وأعتقد انني سأستمتع مجدداً بالعودة لمزاولة رئاستي لمركز التحكيم.

* قبل مغادرتك مكتبك في الجامعة العربية ما الذي تفتقده؟

ـ لا شيء، أنا لا افتقد شيئاً فقد أديت عملي على أكمل وجه وقدر استطاعتي وسعيت لخدمة قضايا أمتنا العربية بكل اخلاص وبضمير حي، لذلك أقول لك بكل صراحة انني أغادر مبنى الجامعة العربية ومكتبي وشعور بالرضا والارتياح يغمرني فأنا لم أقصر قط في اتمام عمل تم اسناده لي ولا أشعر بالندم على ما قد سبق.