«الشمس المشرقة».. أكبر ضحايا التجربة النووية الكورية

توتر العلاقات بين الجنوب والشمال يهدد مشروع لم شمل العائلات والتحويلات المالية

TT

شأن كثير من الكوريين الجنوبيين، سيتذكر لي ون سون، 97 عاما، يوم الاثنين الذي اجرت فيه كوريا الشمالية تجربة تفجير نووي بمثابة اليوم الذي بدأت فيه نهاية «سياسة الشمس المشرقة».

فهذه السياسة التي اطلقتها سيول منذ أواخر التسعينات توفر للشمال الفقير فوائد مالية وخطة لإعادة التوحيد. كما توفر لآلاف الكوريين الجنوبيين آفاقا واحتمالات الالتقاء بعد سنوات طويلة مع اقربائهم في الشمال، الذين ظلوا في عزلة عن العالم الخارجي منذ انتهاء الحرب الكورية 1950ـ1953. ويرى لي ون سون، الذي ترك اسرته عام 1949 في الشمال استعدادا لحياة جديدة كانوا يأملون فيها الجنوب، انه ليس لدى حكومة بيونغ يانغ ما يمكن ان تقدمه. إلا ان التجربة النووية التي اعلنت كوريا الشمالية عن اجرائها الاثنين الماضي تركت اثرها على العلاقات الشمالية ـ الجنوبية وأوقفت الحوافز المالية التي تعتزم سيول تقديمها الى بيونغ يانغ، كما وضعت نهاية لحوالي ثمانية اعوام من عمليات لم الشمل.

وعلى الرغم من ان حوالي 13000 اسرة التقت مع بعضها بعضا تحت مراقبة حراس كوريا الشمالية، فإن لي ون سون لم يتمكن بعد من إلقاء مجرد نظرة على ابنائه وبناته الذين رآهم آخر مرة قبل زهاء 60 عاما مضت. ويقول، وقد تقدمت به السن ووهن جسده، انه بات الآن يشك في انه سيرى أبناءه وبناته. يقول لي ون سون ان الفرحة التي شعر بها عندما وقع على وثائق لم شمل الاسر امر لا يمكن وصفه، إلا ان «الكوريين الشماليين قد سلبوه هذه الفرصة»، على حد تعبيره. ويقول ايضا ان حكومة بيونغ يانغ خدعتهم واستغلت عواطفهم لتحقيق فوائد مالية وانها كانت فقط تريد أموال كوريا الجنوبية والآن «جربت هذه القنبلة»، على حد قوله، في إشارة الى التجربة النووية التي اجرتها كوريا الشمالية الاثنين. وأضاف معلقا ان كوريا الشمالية حصلت على ما تريده وهو فقد الأمل في رؤية أفراد اسرته.

تعكس آراء لي هن سون المشاعر المتغيرة في كوريا الجنوبية غداة التجربة النووية الاخيرة، إذ ينظر اليها البعض كونها حدثا للفت الانتباه في بلد اوشك فيه الاحساس بتهديد كوريا الشمالية ان يتلاشى بعد سنوات من تراجع التوتر بين الجانبين.

وبالنسبة للعلاقات بين الكوريتين يبدو ان اكبر ضحية محتملة للتجربة النووية الاخيرة هي «سياسة الشمس المشرقة»، وهي مفهوم اقترحه الرئيس الكوري الجنوبي السابق كيم دي جونغ، الفائز بجائزة نوبل للسلام عام 2000، في إطار محاولة تاريخية لإنهاء توترات الحرب الباردة في شبه الجزيرة الكورية. وفي اهم خطوة حتى الآن، اعلن الرئيس روه خو هايون، الذي اصبح ابرز صوت كوري جنوبي يدعو للتواصل بين الكوريتين، يوم الاثنين ان سياسة «الشمس المشرقة» قد منيت بالفشل. وكانت كوريا الجنوبية قد علقت شحنات المساعدات الانسانية الى الشمال عقب إطلاق كوريا الجنوبية صواريخ تجريبية في 5 يوليو (تموز) الماضي، وهي خطوة دفعت بيونغ يانغ الى وقف عمليات لم شمل الاسر الجنوبية والشمالية، كما توقفت عمليات تشييد صالة ضخمة لعمليات جمع شمل الاسر تقدر تكلفتها بعدة ملايين من الدولارات. وتقول مصادر الحكومة الكورية الجنوبية الآن ان سيول تعمل على إعادة النظر في تعليق اثنين من الركائز الاساسية لسياسة «الشمس المشرقة» وهما منطقة كيسونغ الصناعية الضخمة ومنتجع كومغانغ الجبلي السياحي في الجزء الشمالي من الحدود. وتشكل المنطقة الصناعية التي شيدت قبل حوالي ثلاث سنوات مصدرا اساسيا للعملات الصعبة لكوريا الشمالية، وتضم حاليا اكثر من 12 مصنعا تابعا لكوريا الجنوبية ساعدت في إعطاء دفعة قوية للنشاط التجاري بين الكوريتين، الذي ازدادت قيمته من 425 مليون دولار اميركي عام 2000 الى ما يزيد على مليار دولار العام الماضي. ويعتبر تعليق هذا المشروع خطوة كبيرة من جانب كوريا الجنوبية ولا يزال يلقى معارضة قوية من بعض القيادات في حزب يوري الحاكم بالإضافة الى معارضة شركات كورية جنوبية استثمرت ملايين الدولارات في هذا المشروع. كما ان تعليق المشروع يشكل ضربة مالية موجعة لكوريا الشمالية التي تجمع شهريا مبلغا يعادل 700 الف دولار تقريبا في شكل مرتبات وإيجار ورسوم. ويقول كو جي غوان، وهو بائع متجول في يعمل في سيول، ان كل شيء تغير يوم الاثنين، في إشارة الى اليوم الذي اعلنت فيه كوريا الشمالية إجراء التجربة النووية. ويضيف كو معلقا: «كوريا الشمالية اظهرت وجهها الحقيقي. نحن نعطيها الهدايا من ارز وأموال، ولكن انظر الآن ماذا أعطونا – شيء لم نكن نريده .. اسلحة نووية في شبه الجزيرة الكورية».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»