«الداخلية» العراقية تفجر عاصفة بإصدار مذكرة للقبض على حارث الضاري

الحكومة لا علم لها وهيئة علماء المسلمين تدعو أنصارها للتهدئة والحزب الإسلامي اعتبرها رصاصة الرحمة على «المصالحة»

TT

فجرت اوزارة الداخلية العراقية امس عاصفة سياسية وأمنية بعد قرارها اصدار مذكرة توقيف في حق الشيخ حارث الضاري، امين عام هيئة علماء المسلمين، ابرز الهيئات الدينية للعرب السنة، واتهمته بخرق قانون مكافحة الارهاب، وطالبت بـ«استرداده اينما كان..»، لكن الحكومة سعت لاحقا الى تهدئة العاصفة، التي هبت اثر احتجاجات ضخمة، باعلانها ان ما صدر بحق الضاري ليس مذكرة توقيف وانما «مذكرة تحقيق».

وفيما دعت هيئة علماء المسلمين انصارها الى الهدوء وتفويت الفرصة على دعاة «الفتنة الطائفية»، قال الحزب الاسلامي ان القرار الحكومي بمثابة رصاصة الرحمة على مبادرة المصالحة الوطنية. ورفض الشيخ الضاري من جانبه امس الاتهامات التي جاءت في المذكرة الحكومية، وقال انه «ليس متهما حتى يتم التحقيق معه». وقال الضاري الموجود في عمان، لوكالة الصحافة الفرنسية، «انا ارفض هذه المذكرة سواء كانت مذكرة توقيف او تحقيق». واضاف «انا لست متهما بجريمة حتى يحققوا معي». وتابع الضاري «بالنسبة لهم انا موضع اتهام سواء سحبوا مذكرة التوقيف ام لم يسحبوها». من جانبه أوضح الدكتور برهم صالح، نائب رئيس الحكومة العراقية، ان «الحكومة لم تكن تعلم بقرار مذكرة القاء القبض على الشيخ حارث الضاري». وقال لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من بغداد امس «لم تكن رئاسة الوزراء على علم باصدار هذه المذكرة»، مشيرا الى «اننا فوجئنا بوسائل الاعلام التي تناقلت خبر المذكرة». واكد ان «الموضوع قضائي تماما ويبحث في حدود القضاء بعيدا عن أي تدخل سياسي».

وحول موضوع مطالبة السلطات الاردنية بتسليم الضاري قال صالح، «لن يتم بحث موضوع استرجاع الضاري من الاردن وفي ظل غياب قرار قضائي واضح فان الحديث عن هذا الموضوع سابق لأوانه، والمسألة ليست قيد البحث الان».

ونفى المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، لـ«الشرق الاوسط»، ان «تكون المذكرة، التي صدرت بحق الضاري، هي مذكرة اعتقال، بل هي مجرد استدعاء للتحقيق امام القضاء، وهذا امر لا تتدخل في الحكومة».

وقال الدباغ لـ«الشرق الاوسط» عبر الهاتف من بغداد أمس، «لا توجد اية مذكرة استدعاء للضاري، سواء من الاردن او غيره على الاطلاق»، مشيرا الى انه «ليست هناك قضية او قرار من محكمة لاستقدام الضاري، فحتى يتم استدعائه لا بد من وجود قضية وقرار محكمة وهذا غير موجود، وعلى العموم فان الحكومة حريصة على ان يتعامل القضاء في مثل هذه المواضيع سواء من الضاري ام غيره».

وقال التلفزيون العراقي الرسمي ان المذكرة صدرت عن وزارة الداخلية بتهمة «التحريض على العنف الطائفي». وافاد بيان للمتحدث علي الدباغ «تناقلت وسائل الاعلام خبرا مفاده ان الحكومة العراقية اصدرت مذكرة القاء القبض على الشيخ حارث الضاري، اننا نؤكد ان هذا الخبر نقل خارجا عن سياقه وبصورة مجتزأة». واضاف «هناك ملفات قيد التحقيق ومذكرة تحقيق متعلقة بنشاطات الشيخ الضاري، لكن لم يتم البت في هذه الملفات حتى الآن». واكد ان «اي قرار لاحق في هذا السياق مرهون بقرار القضاء بعيدا عن اي اعتبار سياسي». وكان المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العراقية، قد اعلن اول من امس ان الضاري «خرق بنود قانون مكافحة الارهاب»، مؤكدا في الوقت ذاته العمل على «استرداده اينما كان». واوضح اللواء عبد الكريم خلف ان الضاري «خرق بنود قانون مكافحة الارهاب، ولدينا شهود ضده وأدلة مثبتة وردت بمذكرة التوقيف، التي اطلع عليها احد القضاة ووقعها». واكد ان «المذكرة الصادرة من السلطات هي مذكرة استرداد ايضا، وسنقوم بجلبه اينما كان».

لكن مصدرا في الحكومة الاردنية، قال امس في عمان «تابعنا التقارير الصحافية والاعلامية بهذا الشأن، ولكن هناك اجراءات متبعة للحكومات في موضوع المطالبة بأشخاص والسلطات الاردنية لم تستلم اي مطالبات من هذا النوع».

وقال الدكتور محمد بشار الفيضي، المتحدث الرسمي باسم الهيئة لـ«الشرق الاوسط»، ان «مجرد صدور مذكرة اعتقال او تحقيق بحق الشيخ الضاري هو اعتداء على القوى الوطنية واستهداف لرموزها». وأكد الفيضي قائلا: «نحن لم نفاجأ بهذه المذكرة وكنا نتوقعها منذ فترة طويلة كون الهيئة تقف ضد مشاريع التقسيم الطائفي، وضد مشروع تقسيم العراق.. وكانت الحكومة في انتظار اللحظة المناسبة لاتخاذ مثل هذا الاجراء بحق الشيخ الضاري، خاصة ان طروحاته تدعو الى وحدة العراق والعراقيين وضد التقسيم والعنف الطائفي».

واشار الى ان هذه الضجة التي افتعلتها الحكومة جاءت ايضا بعد زيارة الامين العام لهيئة علماء المسلمين الى المملكة العربية السعودية. وفي ما اذا كانت المذكرة التي صدرت بحق الضاري هي مذكرة اعتقال ام تحقيق. قال الفيضي، «سواء كانت مذكرة اعتقال ام توقيف فهذا اعتداء على القوى الوطنية واستهداف رموزها»، منبها الى «اننا لا نحرض على العنف الطائفي بل على العكس ان خطابات الشيخ الضاري والهيئة كلها تصب في اتجاه تعزيز الوحدة الوطنية وان من يجب ان يعتقل هم اعضاء الحكومة والبرلمان، وخاصة وزارتي الداخلية والدفاع لقيامهما بعمليات العنف الطائفي».

ودعا المتحدث الرسمي باسم هيئة علماء المسلمين «الحكومة لتقديم استقالتها»، مشددا على ان «الحكومة اقترفت خطأ كبيرا باصدار هذه المذكرة وسوف يدفعون ثمن خطوتهم من مصداقيتهم وشعبيتهم». واضاف قائلا «لقد حاولوا وما زالوا يحاولون اشعال نار الحرب الطائفية، لانها تخدم مصالح ايران لتبرر الضجة الحاصلة بسبب ملفها النووي، وايران دائما تستغل الدم العراقي لتمرير ملفاتها، والحكومة العراقية لا تمثل مصالح او ارادة العراقيين، بل مصالح وإرادة ايران وهذا ما يظهر في الساحة»، مشيرا الى ان «الحكومة العراقية في مرحلة الاحتضار وهذه نزعاتها الاخيرة ونهايتها قريبة».

وأكد المتحدث الرسمي باسم هيئة العلماء المسلمين ان «هذه الحكومة او البرلمان لا يمثلون شيعة العراق، فشيعة العراق متضامنون معنا واليوم كانت ردود فعلهم وطنية، اكدت انتماءهم لوطنهم وشعبهم ولنا علاقات عميقة مع عشائر الجنوب ومع شيوخهم الذين اكدوا دعمهم لنا».

وفيما اذا كانت الجهات السنية المشاركة في العملية السياسية سوف تنسحب من الحكومة والبرلمان، قال الفيضي ان «لدى جبهة التوافق الان فرصة ذهبية للانسحاب اذا كانوا بالفعل يريدون الانسحاب واذا لم يستغلوا هذه الفرصة فلن ينسحبوا، وعلى العموم هم غير عازمين على الانسحاب من الحكومة والبرلمان».

وطالبت هيئة علماء المسلمين، في بيان امس انصارها الى الهدوء وضبط النفس «لاننا على يقين من ان هذه الاجهزة التي خانت واجباتها الوطنية مستعدة اليوم لممارسة الثأر والانتقام بحق الغيارى من ابناء الوطن». وطالبت «القوى المشاركة في العملية السياسية بالانسحاب من البرلمان والحكومة، التي ثبت انها ليس حكومة وطنية»، مهددة بان «موقفنا المستقبلي من كل هذه الاطياف سيحدده موقفها من هذه المذكرة الدنيئة».

واعتبرت «المذكرة دلالة واضحة على ان الحكومة اعلنت افلاسها، ففي الوقت الذي تقوم فيه اجهزتها الامنية بقتل العشرات على الهوية وحرق المساجد وما حدث من فضيحة التعليم العالي، تصدر اوامرها باستهداف الرموز الوطنية». وتوجهت الهيئة الى «الجامعة العربية بشخص امينها العام عمرو موسى، لادانة هذا العمل الجبان كونه يتناقض مع كل المؤتمرات التي رعتها الجامعة العربية لتحقيق المصالحة الوطنية». واستنكر الحزب الاسلامي العراقي (سني) اصدار المذكرة، معتبرا اياها بمثابة «اطلاق رصاصة الرحمة على مبادرة المصالحة الوطنية والحوار واثباتا للنهج الطائفي الذي تنتهجه الحكومة».

وكان الرئيس جلال طالباني قد اتهم الضاري الاربعاء الماضي باثارة الفتن الطائفية والقومية، معربا عن «الاسف الشديد لوجود بعض البلدان التي تعمل على مساعدته». وقال «بعض من يعمل بحجة مساعدة العرب السنة، يتعمد تشويه سمعة العرب الشيعة والأكراد.. بينهم حارث الضاري الذي يعمل على اثارة الفتن الطائفية والقومية مستغلا بعض البلدان التي تعمل على مساعدته مع شديد الاسف».