المخابرات الأميركية تبحث عن مؤلف رواية صدام

خبر في «الشرق الأوسط» يدفع مسؤولين في «سي. آي. إيه» لقراءة «زبيبة والملك»

TT

كان ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية يرسم لوحات طبيعية. وكان ماو تسي تونج الزعيم الصيني يقرض الشعر، بينما كان الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون يعزف الساكسفون. اما الرئيس العراقي صدام حسين فهو روائي! وكان مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية المركزية «سي آي ايه» اطلعو على مقالة في «الشرق الأوسط» اوائل العام الحالي اشارت الى ان الرئيس العراقي هو مؤلف قصة «زبيبة والملك» وهي قصة حب رمزية. غلاف القصة يشير الى انها من تأليف «مؤلفها». وفي نظام مغلق مثل العراق، حيث لا توجد معلومات صادقة حول السياسة الداخلية وصنع القرار وحيث يتردد ان للرئيس صدام بديلا ينوب عنه في الاحتفالات العامة، فإن دراسة وثائق مثل القصص يمكن ان تكون وسيلة هامة بالنسبة لحكومة الولايات المتحدة. وذكر مسؤول «نشعر بتواضع امكانياتنا في ما نعلمه عما يجري في الداخل».

ولذا شعر مراقبو العراق داخل «سي آي ايه» بالسعادة البالغة عندما عثروا على نسخة من القصة الواقعة في 160 صفحة في مكتبة للكتب العربية في لندن. وبعد ما درس مترجم تابع للحكومة الاميركية القصة لمدة ثلاثة اشهر، اصبحت وكالة الاستخبارات المركزية على قناعة متزايدة ان صدام حسين لم يكتب القصة، ولكنه اشرف بعناية عليها واضاف اليها الكثير من كلماته وافكاره. وبالرغم من ذلك فقد انكب المسؤولون الاميركيون على كل تفاصيل القصة، ثم قرأ البعض ما بين سطور نثر القصة غير المترابط احيانا والساخن بعض الاحيان لمعرفة ما يصفونه بأنه نافذة مثيرة على تفكير صدام حسين.

تدور الرواية عن العلاقة الوثيقة بين ملك قوي وفتاة قروية جميلة اسمها زبيبة. وقال مسؤول اميركي «اعتقد ان القصة من تأليف قاص او مجموعة من المتعلمين تعليما جيدا يعرفون صدام معرفة جيدة». واضاف المسؤول «صدام في القصة هو الملك، والملك يبرر تصرفاته لشعبه، فهو يقول: انا الزعيم العظيم. يجب اطاعتي. ليس ذلك فقط بل يجب ان تحبوني».

والمثير في الامر، طبقا لهذا المسؤول، هو اعترفات الملك لزبيبة. فهو يكشف عن اعماق ذاته لها، بل وغضبه واحباطاته».

وتشرح مقدمة القصة ان صدام حسين طلب من عدد من الكتاب العراقيين في العام الماضي كتابة قصص تعكس الحياة في العراق، من الحياة اليومية العادية الى خبرات هؤلاء الذين يقفون وراء المدافع الرشاشة لمقاومة طائرات العدو، الا ان مؤلف القصة «لم يرغب في وضع اسمه عليه من منطلق التواضع، مثل ابناء العراق الذين ضحوا بحياتهم وممتلكاتهم ولم يتحدثوا على الاطلاق عن افعالهم العظيمة».

وتصف القصة التي تدور احداثها في شمال العراق قبل قرون من ظهور المسيح عليه السلام، العراق كمهد الحضارة، المكان الذي استقر فيه آدم وحواء بعد ان خرجا من الجنة» (يشار الى ان ثمة حديقة في جنوب شرق العراق بها شجرة تفاح يقال انها جنة عدن). وتعبر القصة في البداية عن احترامها واعجابها زبيبة (التي يعتقد انها تمثل الشعب العراقي)، التي تظهر على غلاف القصة ترتدي فستانا من الساتان، وضفيرتها البنية الطويلة تتطاير في الهواء ويحيط بها الحمام وخلفها اقواس بابل القديمة. ويعجب الملك بحكمتها وذكائها، ويستمر في الحديث معها حول الله والسياسة والحب والاسرة والولاء والخيانة وارادة الشعب، وخلال كل ذلك يكشف عن قلقه. ويفكر الملك في تشكيل حزب لتأييده، ولكنه يخشى من اثارة المنافسة بين الحزب وكبار الشخصيات السياسية وكبار الضباط. ويتساءل عما اذا كان الناس سيكرمون جثته او يدنسونها بعد مماته. ويسأل زبيبة «هل يحتاج الناس الى اجراءات متشددة من زعيمهم؟ وترد عليه «نعم يا صاحب الجلالة. يحتاج الناس الى اجراءات مشددة لكي يشعروا بأن التشدد يحميهم».

وذكر مسؤول اميركي: «هذا الكتاب نوع من اللحن الجنائزي. الملك يتحدث عن موته. وكلما اقرأ الكتاب اشعر بالتعاطف معه. هذا هو ما يريده صدام ـ التعاطف معه». وتظل العلاقة، في ما عدا المعانقة والقبل، شريفة وفي النهاية تدمر زواج زبيبة من رجل قاس لم تحبه على الاطلاق. وتعترف زبيبة «احبك، لا أحب زوجي. انا متزوجة منه بالاسم فقط».

ومن الصعب قياس مدى شعبية القصة التي نشرتها دار نشر من المؤكد انها مملوكة للحكومة العراقية. ويباع الكتاب بـ1500 دينار عراقي حوالي (جنيه استرليني واحد). ويشير الغلاف الخلفي للرواية الى ان الارباح ستذهب الى الفقراء واليتامي والمضطهدين. ولكن السؤال الذي قد يتردد هو انه في الوقت الذي يعاني فيه اغلبية الشعب العراقي من عقوبات اقتصادية، فهل يمكنهم انفاق المال على القصص.

ويركز اقوى جزء في القصة على اغتصاب زبيبة، في اشارة واضحة للهجوم بقيادة الولايات المتحدة على العراق في نهاية حرب الخليج. وفي احدى الليالي وخلال عودتها الى كوخها من قصر الملك، تختطف زبيبة وتنقل الى غابة حيث يجري اغتصابها من قبل رجل يخفي هويته. ويتبين في النهاية انه زوجها المنفصل. قالت زبيبة لنفسها في ما بعد: «الاغتصاب اخطر الجرائم اذا كان اغتصاب رجل لامرأة أو اغتصاب جيوش غازية للوطن أو اغتصاب الحقوق». توعد الملك الغاضب بالانتقام بشنه حرب «لا نهاية لها الا بالنصر أو الموت». قتلت زبيبة خلال المعركة ضد زوجها وانصاره ودفن زوجها الذي قتل في نفس اليوم الى جانبها حتى يتمكن الناس من رمي قبره بالحجارة في ذكرى موتهما التي تصادف يوم 17 يناير (كانون الثاني) وهو نفس اليوم الذي بدأت فيه قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة قصف بغداد كجزء من الحرب ضد العراق لحمله على سحب قواته من الكويت. وطبقا لما ورد في تلخيص الحكومة الأميركية للكتاب، فان «اسلوب صدام حسين وتركيب الجمل والتعبيرات واضح في الرواية». وورد في التلخيص كذلك ان «الحوار بين الملك وزبيبة يكشف جزءا كبيرة من تفكير صدام، فالقيم القبلية أعلى من أي شيء، كما ان الاسرة هي مصدر الأمان الموثوق الوحيد». ويستمر التلخيص: «الشرف يرتبط بنقاء المرأة مما جعل من الاغتصاب جريمة أسوا من القتل. وفي هذه السياق فان الانتقام يصبح واجبا ساميا بالنسبة للرجل». وفي نفس الوقت فان دور الملك هو «اصدار الأوامر والحكم وقيادة الرعية، التي من المفترض ان تطيعه وتلبي رغباته». يصف الفصل الأخير من القصة محاولة تحديث النظام والسماح بحرية التعبير من خلال مجلس شعبي، غير ان كل المتحدثين مشكوك فيهم. فالارستقراطي الذي اطلق عليه في القصة اسم «نوري جلبي» (من الواضح ان الاسم اختير لقربه من احمد الجلبي زعيم الحركة المعارضة لنظام صدام حسين والتي تتخذ من العاصمة البريطانية مقرا لها)، يصدر قرار بطرده من الجلسة لأنه لم يدافع عن البلاد. ويوصف تاجر يتعامل مع الفرس بانه جمع ثروته بطريقة غير قانونية، كما ان ضابطا نادى باستمرار بعودة الملكية اتهم بالجبن والانغماس في الملذات. ونفي كذلك تاجر يهودي اسمه شميل بسبب تشجيعه للشباب على السفر الى خارج البلاد لتجنب اداء الخدمة العسكرية. وخلال الشجار بين اعضاء المجلس يصل شخص لابلاغ الحضور بموت الملك. وطبقا لتحليل الحكومة الاميركية، فان «النظام الجديد يتبع الى حد كبير للنظام السابق». ويرى المحللون في الولايات المتحدة ما يوازي هذه الأحداث في العراق اليوم، فقد صدر قرار الاسبوع الماضي بترقية قصي صدام حسين، الذي يرأس اجهزة الأمن، لأول منصب سياسي كعضو في قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم، وهي خطوة تعني وضعه في موقع يسمح بخلافته لوالده. ويؤكد مسؤول اميركي ان الجهات المعنية ستنظر الى هذه الأمر كونه حدثا مهما.

ربما تكون نهاية القصة مفتوحة بعض الشيء، اذ ربما يحاول المؤلف ان يقول ان الملك لا يمكن مطلقا ابعاده وان النزعات الديمقراطية لا تقود إلا الى النزاع مما يهدد مستقبله لذا من الافضل وضع مستقبل البلاد في يد الله. يقول رئيس المجلس في نهاية القصة: «ان الله يحل ما لا نستطيع نحن حله». وبعد مراسم جنازة الملك يقول رئيس المجلس: «سنعود الى مناقشة امورنا بروح جديدة» ليهتف النواب: «تعيش زبيبة». يعيش الشعب. يعيش الجيش».

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»