مسؤول أميركي كبير: اتصلت هاتفيا بالمالكي عشية إعدام صدام وناشدته إرجاء التنفيذ

قال إن رئيس الوزراء العراقي خشي من خطف جماعي للضغط من أجل إطلاق الرئيس المخلوع

TT

قالت الحكومة العراقية التي تقودها أحزاب شيعية، أول من أمس، إنها أمرت بإجراء تحقيق حول السلوك المسيء الذي قام به بعض الحاضرين أثناء إعدام صدام حسين، الذي تعرض لسلسلة من السخرية المهينة على يد مسؤولين وحرس شيعة خلال إعدامه.

وقال مسؤولون إن لجنة سيتم تشكليها من وزارة الداخلية لتدارس المشاهد التي تسببت في ردود فعل غاضبة مع تظاهرات شعبية بين أنصار صدام حسين من العرب السنة في العراق، مع حالة من الانزعاج الشديد في أماكن أخرى، خصوصا في الشرق الأوسط. وحسب فيلم فيديو تم بثه في شتى أنحاء العالم يظهر صدام حسين وحول رقبته حبل المشنقة فجر السبت الماضي، وهو يواجه سيلا من السخرية والتهكم من معذبين واقفين تحت المشنقة.

ومع بلوغ الصدمة الناجمة عن تلك المشاهد مستوى أعلى من التصعيد في العراق، قال المسؤولون الأميركيون إنهم ظلوا يعملون حتى ساعات أخيرة ليقنعوا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي كي يؤجل تنفيذ حكم الإعدام. وقال المسؤولون الذين تكلموا، شرط عدم الكشف عن أسمائهم، إنهم التمسوا من المالكي عدم تنفيذ حكم الإعدام بصدام حسين فجر السبت الماضي بسبب بدء عيد الأضحى ولأن مسائل دستورية وقانونية كان الأميركيون يرون أنها تجعل مشروعية الإعدام موضع شك.

لكن حينما قرر المالكي تنفيذ الإعدام، قال الأميركيون إنهم لم يقوموا بأي محاولات أخرى لإيقافه، من منطلق أنهم يستطيعون أن ينصحوا العراقيين ضد تنفيذ الإعدام لكنهم لا يستطيعون منعه إذا أصر العراقيون على القيام بذلك، انطلاقا من احترام السيادة العراقية.

وقال مسؤول أميركي رفيع: «نحن أخبرنا رئيس الوزراء العراقي أن تنفيذ حكم الإعدام في أول يوم من أيام العيد ستكون له ردود فعل سلبية في العالم الإسلامي، وبين العراقيين».

وقال المسؤول الأميركي إن المالكي لم يشرح بشكل كامل استعجاله في تنفيذ حكم الإعدام الذي ثبتته محكمة التمييز يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، والتي حددت 30 يوما كفترة لتنفيذ أحكام الإعدام بعد رفض استئناف الحكم. لكن رئيس الوزراء أعطى تفسيرا واحدا هو احتمال أن يقوم المتمردون بإطلاق الرئيس السابق إذا طال الجدل حول موعد الإعدام.

وقال هذا المسؤول: «كان قلقه على موضوع الأمن، وأن هناك خطرا من وقوع اختطافات واسعة لمبادلتهم بإطلاق سراح صدام حسين. وهو كان متخوفا من احتمال أن يتم إطلاقه».

ومع بدء بعض السياسيين بالمطالبة بتنحية المالكي، فإن الأميركيين عرضوا مسؤولا أميركيا رفيعا كي يتحدث عن قضية إعدام صدام حسين مع صحيفة «نيويورك تايمز» عبر الهاتف. ويبدو أنهم كانوا تواقين لحماية إدارة بوش من تصاعد موجة انتقادات لطريقة معالجتها للأحداث في العراق. وقال هذا المسؤول الذي تحدث شرط عدم الكشف عن هويته: «حينما أفكر بسلوك الأشخاص الذين كانوا حاضرين هناك، أشعر بالخيبة والانزعاج». وأضاف أنه كان واحدا من المسؤولين الأميركيين الذين اتصلوا بالمالكي ليلة الجمعة وقبل ذلك، سعيا منهم لتأجيل تنفيذ حكم الإعدام.

أما المالكي فهو من جانبه راح يصد مشاعر الازدراء التي تولدت نتيجة تنفيذ حكم الإعدام في أول أيام عيد الأضحى وما رافقها من سلوكيات شاذة. وقال مساعدوه إنهم سيقومون بالتحقيق في تلك السلوكيات. وجاء قرار الحكومة بتشكيل لجنة للتحقيق بعد تزايد الاحتجاجات بين العرب السنة داخل كل العراق. ويبدو أن موجات الاحتجاج التي بدأت متفرقة في أول 72 ساعة تلت تنفيذ الإعدام، راحت تتزايد كثافة مع تخفيف الوحدات العراقية والأميركية من أحزمتها الأمنية التي ضربتها حول تلك المراكز التي تعرف تأييدا قويا لصدام حسين بما فيها بلدته تكريت، التي تبعد 100 ميل إلى الشمال من بغداد، وقرية العوجة مكان ولادته التي تبعد عن تكريت عدة أميال. ورفع المتظاهرون هناك صورا لصدام حسين ورددوا اسمه وأطلقوا النار في الهواء.

فبعد أن أكد المالكي للأميركيين في بغداد أن قراره نهائي، قال هذا المسؤول الذي تكلم مع رئيس الوزراء العراقي ليلة الجمعة الماضية، إن القادة العسكريين الأميركيين طلبوا منهم نقل صدام حسين إلى مبنى خاص للإعدام يقع في منطقة الكاظمية شمال بغداد، وكان ذلك المكان موقع دائرة المخابرات العسكرية واستخدم لإعدام الكثير من خصوم النظام السابق. وعند الساعة الرابعة صباحا تم نقل صدام حسين بهليكوبتر أميركية من مركز اعتقال أميركي وتم تسليمه للعراقيين. وجرى إعدامه بحضور عراقيين فقط، يبلغ عددهم حوالي 25 شخصا، بمن فيهم الجلادون والحرس، حسب شهادات مسؤولين عراقيين وأميركيين.

وكان تأجيل تنفيذ حكم الإعدام يعني تنفيذه اليوم على أقل تقدير. لكن المسؤولين الأميركيين قالوا إنهم لم يضعوا شروطا حول مدة التأجيل، لأن اهتمامهم، عدا احترام قداسة عيد الأضحى، كان مركزا على ضرورة حل المالكي للمسائل القانونية قبل تنفيذ حكم الإعدام.

وقال الأميركيون إن المالكي وافق على حث الأميركيين له كي يسأل رئيس القضاة للمجلس القضائي الأعلى، مدحت المحمود كي يصدر حكما رسميا مكتوبا يقول فيه إن الإجراءات القضائية التي يطالب بها الأميركيون غير ضرورية لقانون تنفيذ الإعدام. لكن القاضي محمود رفض، حسبما قال الأميركيون، وعند منتصف الليل قرر المالكي أن يذهب قدما مع الإعدام بدون العودة إلى رئيس القضاة، حيث قام هو بنفسه بإصدار مرسوم بإعدام صدام حسين «شنقا حتى الموت».

من جانبه، حضر سامي العسكري مستشار المالكي السياسي جلسة الإعدام، وقال في مقابلة هاتفية إن اللجنة التي ستتشكل ستقوم باستجواب جميع الحاضرين آنذاك. وقال إن أولئك الذين صوروا عملية الإعدام عبر كاميرات هواتفهم الجوالة سيكونون موضوع التحقيق. وقال إن أسوأ ما شاهده في تلك الجلسة من سخرية مهينة ذات طابع طائفي جاءت على لسان حارس شيعي وصفه العسكري بأنه قليل التعليم. وقال العسكري: «كان ذلك مريعا، كان خطأ. كان من المفترض أن نجلس بهدوء ونتابع ما يحدث أمامنا».

*خدمة «نيويورك تايمز»