جمجمة من جنوب أفريقيا.. تثبت هجرة الإنسان الأول نحو أوروبا وآسيا

تحكي قصة انتشاره في ربوع الأرض وتقدم توافقا حاسما بين الدلائل الأثرية والجينية

TT

قال العلماء ان تحليلات جديدة اجريت على جمجمة بشرية متحجرة اكتشفت في جنوب افريقيا قبل اكثر من 50 عاما، قادتهم الى العثور على دلائل عن الفترة الحديثة نسبيا التي جرى فيها خروج الانسان المعاصر بنوعه البيولوجي الحالي Homo sapiens من افريقيا وانتشاره.

ويبدو ان المهاجرين وصلوا الى مواقع مأواهم الجديدة في آسيا واوروبا وهم لا يزالون يتحلون بخصائص رؤوس الافارقة المتميزة، التي لم تخضع بعد الى أي تحور. واعلن فريق دولي من العلماء اول من امس ان عمر الجمجمة الافريقية الذي حددوه بـ 36 الف سنة، يتوافق مع عمر جماجم الناس الذين قطنوا اوروبا ومناطق في الشرق الاقصى من آسيا، وحتى في استراليا، كما تتشابه الجمجمة مع جماجم اولئك الناس.

وقال الخبراء ان التوافق في الزمن يقدم لوحده دليلا مستقلا يدعم الاكتشافات الأثرية وكذلك نتائج الدراسات الجينية الحديثة التي تظهر ان الناس المعاصرين تركوا افريقيا جنوب الصحراء متوجهين نحو اورو ـ آسيا (قارتي اوروبا وآسيا)، في الفترة بين 65 الف سنة و25 الف سنة مضت، وعلى اغلب الاحتمال بين 45 الف سنة و35 الف سنة مضت بالنسبة الى القارة الاوروبية.

وحتى وقت قريب كان علماء المتحجرات يشعرون بالخيبة بسبب انتفاء وجود أية متحجرات يمكن بواسطتها اختبار الفرضية التي طرحتها غالبية علماء الجينات القائلة ان سكان افريقيا جنوب الصحراء وسكان اورو ـ آسيا كانوا في البداية من نفس السلالة ومن نفس فصيلة الانسان المعاصر. وكانت السجلات البشرية حول المتحجرات البشرية في افريقيا بين 70 الف سنة و15 الف سنة مضت، خالية من المعلومات في الواقع.

وطرح علماء آخرون فكرة ان الهجرة ربما كانت قد حدثت قبل 100 الف سنة مضت، وان التقاء المهاجرين مع الناس الأقدمين، في هولندا مثلا، ربما ادى الى تغيرات ملموسة في شكل الانسان الذي نراه منتشرا الآن في اورو ـ آسيا، ومع ذلك لم يتجرأ أي عالم على مخالفة النظرية القائلة ان اجداد السلالات البشرية كانوا في افريقيا.

وخلصت استنتاجات فريدريك غراين الباحث في جامعة نيويورك في ستوني بروك، الذي ترأس فريق البحث الذي نشر في مجلة «ساينس»، الى ان الجمجمة الجنوب أفريقية قدمت توافقا حاسما بين الدلائل الأثرية، وبين الدلائل الجينية التي اشارت الى ان اصل الانسان المعاصر كان في افريقيا جنوب الصحراء وانه هاجر من دون ان تتغير خصائصه.

وقال غراين ان الجمجمة كانت اول شهادة بين المتحجرات «تتوافق مع نظرية انطلاق الانسان من افريقيا نحو اوروبا وآسيا، التي تنبأت بأن انواع الانسان التي قطنت أورو ـ آسيا يجب ان يعثر عليها في افريقيا جنوب الصحراء، في 36 الف سنة مضت».

وقال تيد غويبل عالم الأنثروبولوجيا (علم الانسان) في جامعة تكساس «ايه أند أم» الذي ارتبط بفريق البحث، ان الجمجمة فتحت السبيل للتدقيق في فترة «السنوات المفقودة للانسان المعاصر». وكتب في تعليق له على البحث نشر في المجلة: «انها الجمجمة الاولى لانسان معاصر بالغ من افريقيا جنوب الصحراء، يعود تاريخها الى فترة حرجة، وهي (الجمجمة) يمكنها ان تحدثنا عن العلاقة بين المعاصرين الاوائل من افريقيا واوروبا».

واستندت نتائج البحث إلى تحديد دقيق لتاريخ الجمجمة، فعندما اكتشفت عام 1952 بالقرب من مدينة هوفماير في جنوب افريقيا، كان قحفها كاملا تقريبا، الا ان العظم كان مصابا بالانحلال. ولم يتبق فيها من الكربون ما يكفي للعلماء في ذلك الزمن لاستخلاص الكربون المشع الذي يحدد العمر.

وبتوظيفه لتقنية جديدة قام ريتشارد بيلي وباحثون آخرون في جامعة اوكسفورد بقياس كمية الاشعاع الذي امتصته حبات الرمل الذي كان يملأ جوف المخ في الجمجمة بعد دفن صاحبها، كما فحصوا تركيب العظام، ثم وجدوا ان الجمجمة تعود الى 36 الف سنة مضت بخطأ زيادة ونقصان تبلغ 3 آلاف عام. وقامت كاترينا هرفاتي الباحثة في معهد ماكس بلانك لأنثروبولوجيا التطور في لايبزغ بألمانيا بفحص دقيق لأشكال وأحجام وألوان مختلف أجزاء الجمجمة وقارنت اشكالها المجسمة مع جماجم من اوروبا وآسيا. وعلق الدكتور غراين ان «ما أثار دهشته ان الجمجمة ترتبط بشكل أقرب بكثير مع الناس في اوروبا في ذلك الزمن، مقارنة بالناس الذين قطنوا جنوب افريقيا بعد مرور 15 الف عام عليه». واضاف ان الانسان المعاصر جاء على الأغلب من شرق افريقيا التي عثر فيها على متحجرات كثيرة للانسان البعيد في القدم، وان الانسان انتقل من هناك نحو أورو ـ آسيا، ونحو جنوب افريقيا ايضا.

ووصف تقرير آخر نشره في المجلة ميخائيل أنيكوفيتش الباحث في اكاديمية العلوم الروسية وجون هوفيكر من جامعة كولارادو الاميركية، اولى مواقع مستوطنات الانسان المعاصر في اوروبا في منطقة كوستنكي على ضفاف نهر الدون، التي تقع على بعد نحو 250 ميلا (400 كلم تقريبا) الى الجنوب من موسكو، وحدد تاريخ بقايا الانسان وأدواته المصنوعة من العظام والحجر بـ 45 الف سنة مضت.

* خدمة نيويورك تايمز