فتور في بغداد بشأن استراتيجية بوش يثير قلق الإدارة الأميركية

مسؤولون عراقيون: الخطة الأميركية تتضمن أهدافا يصعب التوفيق بينها وأهداف المالكي

TT

قدمت الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية دعما محدودا لاقتراح الرئيس الاميركي جورج بوش بنشر أكثر من 20 ألف جندي إضافي في محاولة للحد من العنف الطائفي واستعادة السيطرة على بغداد. وأثار الدعم الفاتر تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة ستبذل جهدها لتنفيذ خطة الحرب الجديدة؛ فقد تجنب رئيس الوزراء العراقي نوري كامل المالكي، الظهور في مؤتمر صحافي كما تجنب أية تعليقات علنية. وترك مسؤولية رد فعل الحكومة الى متحدث رسمي هو علي الدباغ الذي قدم إقرارا فاترا لزيادة القوات، وأكد أن العراقيين وليس الأميركيون هم الذين سيحددون مسار الحرب.

وقال الدباغ إن هدف الحكومة هو ضمان انسحاب القوات الاميركية، ولكي يصبح ذلك ممكنا يجب وجود أمن بالنسبة للعراقيين. وأوضح «اذا ما تحقق ذلك عن طريق زيادة القوات العراقية او المتعددة الجنسيات، فمن المؤكد ان الحكومة لن تقف ضدها».

واقترح الدباغ أن معظم خطة بوش تعتمد على كيفية تطور الظروف في العراق في الشهور القادمة؛ وهو تكرار لما ذكره كبار المسؤولين في إدارة بوش؛ فقد أشاروا الى إمكانية إيقاف التدفق الشهري للقوات إذا ما اعتقدوا أن المالكي فشل في تحقيق النقاط السياسية والعسكرية التي اعتبرها الرئيس بوش ضمن مسؤوليات الحكومة العراقية لإنجاح الخطة. وقال الدباغ «يمكن تطوير الخطة طبقا للاحتياجات»، ثم أضاف «ما هو مناسب لظروفنا في العراق هو ما نحدده نحن، وليس الذي يقرره الآخرون لنا».

وتجدر الاشارة الى ان ملاحظات المتحدث واللهجة الفاترة للسياسيين الشيعة المقربين من المالكي، تشير الى الموقف الصعب الذي يواجهه؛ فبوش يواجه تأييدا محدودا من الرأي العام لسياسته الجديدة، وقيادة ديمقراطية في الكونغرس ذكرت أنها ستواجهه في هذا الموضوع، كما انه يواجه الاحتمالات غير المريحة لعدم الحماس في بغداد لزيادة القوات والأهداف التي حددها للعراقيين.

وفي الوقت الذي قدم فيه كبار المسؤولين في واشنطن خطة الحرب الجديدة باعتبارها تفسيرا أميركيا لاقتراحات قدمها المالكي لبوش عندما التقى الاثنان في العاصمة الاردنية عمان في شهر نوفمبر(تشرين الثاني)، والصورة التي تتبلور في بغداد مختلفة تماما. فما أراد المالكي، طبقا لما ذكره المسؤولون، هي، علي العكس مما قرره بوش: تخفيض الوجود الأميركي في الحرب، وليس زيادته كما أمر بوش.وقال هؤلاء المسؤولون العراقيون إن المالكي طالب عشية نكسة بوش في انتخابات الكونغرس الاخيرة، بسحب القوات الأميركية الى أطراف بغداد وبتسليم مسؤولية الحرب داخل العاصمة الى القوات العراقية. وجاءت المطالبة في إطار سعي القيادات الشيعية الحاكمة لتخفيف المقاربة الأميركية حتى تصبح قادرة على القتال والحكم طبقا لما تمليه السياسة الشيعية وليس طبقا لما تراه واشنطن. ويرى محللون أن خطاب بوش يحتوي خطة تهدف الى التوفيق بين حاجة حكومة المالكي الى توسيع سلطاتها وصلاحياتها مع تصميم بوش على جعل ما ينظر اليه مسؤولون اميركيون، كونه محاولة فرصة أخيرة لتحقيق النجاح في العراق بالشروط الاميركية. وهذا، كما اوضح بوش في خطابه فجر اول من امس، يتضمن اهدافا سيكون من الصعب ـ ويقول عراقيون من المستحيل ـ التوفيق بينها وأهداف المالكي. وبدت الخلافات واضحة يوم الخميس من واقع ردود فعل العراقيين على خطاب بوش؛ ففي شوارع بغداد بدا واضحا الاختلاف تجاه هذه الأهداف انطلاقا من الاختلاف المذهبي؛ إذ يقول كثير من الشيعة ان قوات الأمن العراقية، التي تتشكل غالبيتها من الشيعة، يجب أن يسند لها واجب بسط الاستقرار في العاصمة، فيما أعرب كثير من المسلمين السنّة، الذين صدموا من هول العنف لدى فرق الموت الشيعية خلال الشهور الأخيرة، عن ترحيبهم بالاميركيين اذا استطاعوا لجم حملة القتل الطائفي. من جانبه، ركز الدباغ على أجزاء خطة بوش التي تناسب الطموحات السياسية لحكومة المالكي، وقال في هذا السياق إن «أفضل شيء في هذه الخطة انها حددت نقل المسؤولية من الاميركيين الى العراقيين». وكانت هذه هي نقطة رئيسية لدى بوش ايضا عندما قال ان دور القوات الاميركية في إطار الخطة الجديدة سيتركز على «مساعدة العراقيين» في استتباب الأمن في أحياء في العاصمة وحماية السكان وبسط الأمن في المناطق التي أمنتها القوات الاميركية والعراقية. وبعد ساعات فقط من خطاب بوش، عقد قادة اميركيون اجتماعا مع نظرائهم العراقيين في بغداد بغرض النظر في تفاصيل ترتيبات قيادية جديدة يكون للمالكي بموجبها دور في الإشراف على الحملة الجديدة لبسط الأمن. وكان الجانب العراقي قد عيّن اللواء عبود قمبر، الذي كان ضابطا رفيعا في جيش صدام حسين حتى غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة في مارس(آذار) 2003. ومن المقرر أن يكون اللواء قمبر مسؤولا أمام المالكي خارج إطار التسلسل القيادي المعمول به في وزارة الدفاع، وهو نظام ظلت تنظر اليه حكومة المالكي على مدى فترة طويلة كونه تجسيدا للنفوذ الاميركي. وسيكون للواء قمبر نائبان أحدهما للجزء الشرقي من العراق، حيث الغالبية الشيعية، والثاني للجزء الغربي، ذي الاغلبية السنية، كما سيشرف النائبان على تسع مقاطعات عسكرية جديدة في كل منها لواء عراقي. وعقب ظهور تفاصيل خطة بوش، قال مسؤولون عراقيون ان الترتيبات الجديدة يجب ان تمنح العراقيين سيطرة عملياتية على الوضع الجديد ببغداد. إلا ان الدباغ وآخرين سارعوا الى التراجع يوم الخميس وقبلوا باستمرار بغداد تحت السيطرة العملياتية للجيش الاميركي حتى وقت لاحق من العام الحالي على الأقل. وأشار مسؤولون في واشنطن الى ان ضباطا اميركيين سيلحقون بالمقر الرئيسي للواء قمبر، كما ستكون هناك كتيبة أميركية ملحقة بلواء عراقي وسيكون لكل وحدة عسكرية عراقية حتى مستوى السرية مستشارون عسكريون أميركيون.

* خدمة «نيويورك تايمز»