لبنان يعيش مجددا أجواء حرب أهلية والجيش يمنع التجول ليلا في بيروت

جنبلاط لـ"الشرق الوس": النظام السوري يريد جرنا إلى الفتنة

TT

عاش اللبنانيون أمس «بروفة" غير مكتملة للحرب الأهلية التي شهدها لبنان عام 1975، فاستعادوا بعض أجواء هذه الحرب، إذ تحولت شوارع بيروت طوال نهار أمس الى ساحة قتال استخدمت فيها الحجارة والعصي والسكاكين أولا، ثم الرصاص الحي الذي استهدف المدنيين والجيش اللبناني الذي أعلن مساء حظر التجول في بيروت لضبط الوضع بعد بروز ظاهرة القناصين الذين أطلقوا النار باتجاه الجيش والمدنيين.

وانبرى قادة المعارضة والأكثرية النيابية لإطلاق نداءات تطالب الجماهير بالخروج من الشوارع بعدما انتقلت «مشاريع الفتنة» من الشارع المسيحي الثلاثاء الماضي الى الشارع الإسلامي.

واتهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط «النظام السوري» بـ«السعي الى احداث فتنة في لبنان». وقال لـ«الشرق الأوسط» انه يتمنى على حزب الله ان لا يقبل بأن «يورطه السوري في ازقة بيروت». فيما اتهم الأمين العام لـ«حزب الله» بعض قوى الأكثرية بالسعي لجر البلاد الى فتنة، متمنياً على «العقلاء فيها عدم الانجرار وراء رغبة هؤلاء في احداث فتنة».

وكان يوم العنف الطويل بدأ صباحاً باشتباك بين طلاب ينتمون الى تيار المستقبل وآخرين الى حركة امل التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري تطور الى اعمال عنف واسعة في الجامعة، ثم ما لبثت ان تخطت اسوار الجامعة مع وصول عناصر من امل الى الجامعة في محاولة لإنجاد رفاق لهم من الطلاب حوصروا في احد مباني الجامعة. وتراشق الطرفان بالحجارة وتضارب مناصروهما بالعصي، فتدخل الجيش اللبناني محاولاً الفصل بين المتعاركين، وعمد عناصره الى اطلاق النار في الهواء في محاولة منه لتفريق جمهور الفريقين الذي تحول الى تحطيم واحراق السيارات المشتبه بانها للفريق المنافس فتعالت سحب الدخان.

وبعد جهد استطاع الجيش الفصل بين المتعاركين وقامت شاحناته باخراج الطلاب المحتجزين من مبنى الجامعة، وانسحب الفريقان من المنطقة، لتتكشف الامور عن سقوط 4 قتلى وأكثر من 35 جريحاً، قالت المعارضة انهم من مناصريها.

وبعد فترة هدوء قصيرة، فوجئ عناصر الجيش باطلاق نار كثيف عليهم، ما ادى الى اصابة 9 عسكريين و4 ضباط وفقاً لمصادر غير عسكرية. وقد ردت عناصر الجيش على مصادر النار، ودهم الجنود بعض المباني التي اشتبهوا بوجود قناصين على سطوحها.

وسرعان ما امتدت الاضطرابات الامنية الى احياء اخرى حيث شهد شارع مار الياس اشتباكات بين انصار الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة امل، وعمد بعض الشبان الى احراق الاطارات على مداخل بعض الاحياء، ثم قطع انصار امل وحزب الله طريق مطار بيروت، فيما قطع انصار 14 آذار الطريق المؤدية الى الجنوب في محلة الناعمة، وقطع آخرون الطريق في محلة سعدنايل في البقاع. وعمد الجيش فوراً الى التدخل لفتح الاخيرة.

واتهم حزب الله الحزب التقدمي الاشتراكي بانه يقف وراء عمليات اطلاق النار بقصد «احداث فتنة». وقال مصدر رفيع في الحزب لـ«الشرق الأوسط» ان عناصر الحزب التقدمي يطلقون النار من مبان عالية، خصوصاً من مبنى قيادة الحزب في منطقة المصيطبة. واتهم المصدر الحزب بنشر عناصر مسلحة على طريق الجنوب والاعتداء على مندوب لتلفزيون «المنار» التابع للحزب. مشيراً الى ان الهدف هو احباط تحرك المعارضة وفك اعتصامها في وسط بيروت.

لكن جنبلاط رفض التعليق على هذا الاتهام، قائلاً لـ «الشرق الأوسط»: «غداً (اليوم) سيكون لي رد هادئ، لكن الآن أكتفي بأن أتمنى على حزب الله ان لا يتورط في ازقة بيروت من قبل النظام السوري».

وقال تعليقاً على أحداث أمس: «لقد وصلت رسالة النظام السوري بعد النجاح الباهر لمؤتمر «باريس ـ 3». هذا النظام يريد ان يخلق الفتنة ولا يبالي لا باستقرار لبنان ولا بحياة ابنائه، هذا منتهى الحقد». وأضاف: «يريد هذا النظام وبعض ادواته نقل الصورة من الدخان الابيض الذي صدر من باريس والذي غطى على الثلاثاء الأسود (الاضراب)، يريد ان يعيدنا الى اجواء الحرب». وتوجه بـ«كلمة وحيدة» الى «عقلاء المقاومة»، قائلاً: «ان الخطر هو في النظام السوري» وكشف ان بري اتصل به وانه اتصل بالرئيس فؤاد السنيورة في باريس، مشيراً الى اتفاق على اعلان حالة منع تجول في بيروت ليلاً لضبط الاوضاع. وحيا صمود الجيش وقيادته وضباطه وأفراده في التصدي لمشاريع الفتنة وضبط الوضع.

وكانت الأصوات السياسية تصاعدت بعيد اشتداد الاشتباكات، داعية الى الهدوء، ووجه قادة المعارضة والأكثرية نداءات الى جماهيرها للانسحاب من الشارع والابتعاد عن الفتنة.

ووجه رئيس الجمهورية اميل لحود مساء نداء قال فيه «في هذه اللحظات العصيبة التي تعيشها عاصمتنا الغالية، اتوجه الى جميع المعنيين بنداء حار للانسحاب من الشوارع والعودة الى منازلهم والامتناع عن اي اعمال من شأنها زيادة مآسي اللبنانيين وعذاباتهم». وناشد القادة السياسيين «التدخل وسحب انصارهم من الشارع وتمكين القوى الأمنية من القيام بواجبها في اعادة الاستقرار والأمن الى المناطق المضطربة، وإجلاء المحاصرين في الأماكن التي تشهد مواجهات»، مؤكداً ان «القوة والفوضى لا يمكن ان تحلا أي خلاف، ووحده الحوار ينقذ وطننا من مصير لا يرتضيه احد، ووحدها المشاركة الوطنية الشاملة في صنع القرار الوطني هي التي تحمي حاضر بلدنا ومستقبله».

وصدر عن المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب نبيه بري بيان جاء فيه: "على جميع الاحزاب والقوى في المعارضة والموالاة التهدئة وعدم جر البلاد الى الفتنة، وأطلب من مناصري في حركة امل عدم الوقوع في فخ الفتنة والعمل على التهدئة بدون تردد».

وفي تسجيل صوتي يبثه مباشرة محطة تلفزيون الـNBN دعا بري عناصر «جميع الاحزاب من دون استثناء» من انصار المعارضة والموالاة الى الخروج من الشوارع والعودة الى منازلهم، محذراً من «ان لبنان تحول الى شوارع» وناشد الجميع قائلاً: «باسم لبنان والضمير الانساني، ان هذا البلد حرام ان نضيعه وآن لنا ان نتعلم من دروس الماضي منذ عام 1860 (عام الفتنة الكبرى بين الطوائف) وصولاً الى عام 1975 وما جرى بعدها من تداعيات الحرب».وقال: «لا يجوز الآن، وبأي شكل من الأشكال ان نقع في هذه الفتنة، إني أناشدكم ان تخرجوا من الشوارع وتعودوا الى أعمالكم وان تعودوا لبناء هذا الوطن، وإلا هيهات هيهات فسنبحث عن وطننا ذات يوم في مقابر التاريخ، وعندئذ ليس هناك من منتصر سوى العدو الاسرائيلي».

وقال بري: «إن الوفاق والتوافق والحوار هو مصيرنا وليس مصيرنا أي شيء آخر».

ووجه الامين العام لـ «حزب الله» بدوره نداء الى جماهيره المعارضة، داعياً الى «ضبط النفس والهدوء والعودة الى المنازل والانسجام مع كل الاجراءات التي يتخذها الجيش»، معتبراً ان «التعاون الكامل مع الجيش اللبناني في كل المناطق من اجل انهاء حالة التوتر هو من اوجب الواجبات الوطنية في هذه الساعات المؤلمة بالنسبة الى اللبنانيين جميعاً».

وأكد نصر الله ضرورة «الحفاظ على هذه المؤسسة الوطنية وعلى الدور الذي تضطلع به في هذا الموقف الحرج»، وقال: «نحن نتفهم ونقدر صعوبة الموقف وصعوبة اتخاذ الإجراءات وادارة الموقف. هذه المؤسسة باتت تشكل الضمانة الوطنية الحقيقية التي يمكن ان تساعد اللبناني في هذه المرحلة على تجاوز المحنة او عدم الانجرار الى ما يخطط له الآخرون». وشدد على ان الواجب الوطني والديني والشرعي يستدعي ذلك، قائلاً: «هنا يجب ان نستخدم الفتوى، لا تستخدم الفتوى لا في تحريض اللبنانيين على بعضهم ولا في توتير الاجواء». وقال: «يجب على الجميع بالمعايير الوطنية الاخلاقية والشرعية والدينية ان يخلوا الشوارع وان يلزموا الهدوء ويضبطوا انفسهم وان يخلوا الساحة للجيش اللبناني والقوى الامنية لتتحمل مسؤوليتها كاملة لضبط الاوضاع». واشار الى ما قاله سابقاً من ان «اخطر ما يخطط للبنان هو دفعه الى الحرب الاهلية او الى الفتنة الداخلية». وقال: «بالتأكيد من المبكر تحميل المسؤوليات... ولكن واضح من خلال الوثائق والصور من يسارع الى استخدام السلاح». ودعا القضاء اللبناني والجيش اللبناني الى «التشهير بكل من يلجأ الى السلاح ويستخدمه».

وتحدث عن «جهات ذات اتجاه تقسيمي»، وقال: «هناك جهات في لبنان لا قيمة لها سياسية الا في ظل الفوضى، وفي ظل اعادة لبنان الى الحرب الأهلية وتقتات وتعيش على الفتنة الداخلية هذا هو تاريخها ونأمل من العقلاء في 14 آذار عدم الانجرار خلفها».

وتحدث عن معلومات ادت بالمعارضة الى وقف تحركها، مشيراً الى معطيات اكدت ان هناك من يريد اختلاق اقتتال بالسلاح في الشارع، معتبراً «ان اخطر ما شاهدناه هي عودة ظاهرة القناصين». وقال: «نحن خلال الايام الماضية كانت لدينا معلومات عن استدعاء قناصين واسكانهم وايداعهم في بنايات في بيروت. يجب تحديد هوية هؤلاء القناصين القتلة ومحاكمتهم امام القضاء اللبناني والتشهير بهم من قبل الاجهزة الامنية اللبنانية».

ووجه رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري نداء عاجلاً الى «الأهل والأصدقاء وأنصار تيار المستقبل في بيروت بوجوب ضبط النفس والتزام الهدوء التام في وجه محاولات التخريب والأعداء والفتنة»، وقال: «ان المحاولات انما تهدف الى تعطيل المناخ الايجابي الذي احدثه انعقاد مؤتمر باريس ـ 3 ونتائجه الباهرة التي توصل اليها. علينا مسؤولية تفويت الفرصة على اي محاولات من هذا النوع، وأدعو أهلنا في بيروت وكل لبنان الى عدم الانجرار الى اي عمل يساهم في تحقيق اغراض المتضررين من نجاح باريس ـ 3».

كما وجه الحريري نداء ثانياً الى «المواطنين في بيروت وكل المناطق بوجوب ضبط النفس وعدم الانجرار وراء اي محاولات لإشعال الفتنة». ودعا «الشبان ومناصري تيار المستقبل الى الانسحاب من الشوارع ومساعدة الجيش اللبناني والقوى الامنية للقيام بمسؤولياتها في الانتشار وفتح الطرق وحفظ الأمن».

وكذلك شجب مفتي لبنان محمد قباني، وشيخ عقل الطائفة الدرزية الشيخ نعيم حسن بشدة هذه الأحداث، ودانا المسؤولين عنها اياً كانوا، وناشدا القيادات الوطنية السياسية والروحية وكذلك المسؤولين الأمنيين للتحرك السريع لقطع دابر الفتنة وإعادة اللحمة بين اللبنانيين. وأكد «الطابع السياسي للاختلافات القائمة، كما يؤكدان على وجوب فك الارتباك بين هذه الاختلافات والعلاقات الأخوية بين المذاهب والطوائف». واتصل قباني وحسن، ببري والحريري وجنبلاط، داعيين الى تدخلهم الفوري لإنقاذ الوحدة الاسلامية ـ الإسلامية مما تتعرض له من خطر ولإنقاذ الوحدة الوطنية الشاملة من أي تصدع.

وجه نائب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان نداء الى اللبنانيين دعاهم فيه الى «التعقل وعدم الانجرار الى فتنة ينسجها أعداء لبنان الذين يتربصون الشر بهذا البلد ولا يريدون له أن يستقر»، مستنكرا «أعمال الشغب والفوضى والاعتداءات التي تدل عن جهل وهمجية لا يقبل بها عقل ولا دين». وصدر عن الحزب التقدمي الاشتراكي بياناً دعا فيه جميع أعضائه ومناصريه الى «الهدوء والروية وممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتفويت الفرصة على محاولات جر البلاد الى الفتنة في كافة المناطق».

وأكد الحزب دعمه الكامل للجيش والقوى الشرعية، مطالباً القوى كافة «الخروج من الشارع وإتاحة الفرصة أمامها لممارسة مسؤولياتها وضبط الأمن وإفشال المخططات التخريبية»، مجدداً دعوته جميع الفرقاء السياسيين للعودة الى الحوار من خلال المجلس النيابي لأن الحوار هو وحده الكفيل بإيجاد المخارج للأزمة التي تمر بها البلاد.