«باريس3» كان الأكثر سخاء عربيا ودوليا على لبنان ووضع حكومته أمام استحقاق تنفيذ البرنامج الإصلاحي

«باريس2» حال دون الانهيار المالي والداخل أفشل الإنقاذ

TT

طغى المشهد اللبناني في باريس امس على المشهد النقيض الذي شهدته بيروت يوم الثلاثاء الماضي. وتلهف اللبنانيون لإحصاء ملايين الدولارات الواردة منحاً وقروضاً لدعم اعادة الاعمار والنهوض الاقتصادي، بعد يومين فقط من مبارزات اغلاق الطرق وفتحها وإحصاء عدد القتلى والجرحى والخسائر اللاحقة بالقطاعات الانتاجية.

انه «مشهد سوريالي» وفق وصف مصدر اقتصادي بارز، لكن الاهم ان لبنان سيكون بدءاً من الغد امام خيارين لا ثالث لهما، فإما تثمير الفرصة النادرة التي يقدمها المجتمع العربي والدولي وإعادة تصويب مسارات السياسة والاقتصاد. وإما تفويت هذه الفرصة تكراراً مع ادراك الجميع ان المانحين، دولا ومؤسسات مالية، يربطون دعمهم بالالتزامات الاصلاحية التي رفعتها الحكومة اللبنانية والتي تفرض بدورها توافقاً سياسياً داخلياً على التنفيذ.

ويؤكد اقتصاديون وخبراء لـ«الشرق الاوسط» اهمية الربط بين الدعم الخارجي والمواكبة الداخلية للاعمار والنهوض والاصلاح الاقتصادي. وهذا لا يعني، بأي حال، شروطاً دولية بقدر ما يعني انه لا مفر امام لبنان من خوض معركة اصلاحية شاملة ترتكز على توافق سياسي داعم والاستثمار الافضل للفرصة المتاحة.

واظهرت معظم مداخلات رؤساء الوفود المشاركة في مؤتمر باريس الثالث، وهو الاكبر والاكثر سخاءً من سابقيه الاول والثاني، ان الجزء الاكبر من العون الخارجي مرتبط آلياً وتباعاً بمدى قدرة الحكومة على تنفيذ التزاماتها الاصلاحية. كذلك سجل حرص المانحين على ضخ دعمهم في مشاريع الاعمار والتنمية وتنشيط الاقتصاد.

وفي انتظار اعلان الجردة الحسابية النهائية للمؤتمر التي تجاوزت 7 مليارات دولار وهو رقم يماثل ضعفي حصيلة المؤتمر السابق وتصنيف المساهمات بين منح وقروض وطريقة صرفها والمدى الزمني وآليات التنفيذ الموزعة على السنوات الخمس المقبلة، بدا واضحاً في المداولات المعلنة الدعم الصريح والسخي من السعودية واميركا والاتحاد الاوروبي وفرنسا والبنك الدولي والصناديق العربية الذي تجاوز مجموع حصيلة مؤتمر باريس الثاني الذي بلغ 4.4 مليار دولار وصل منها نحو 3 مليارات دولار. فيما لا تزال الفرصة قائمة لصرف اموال اضافية من خلال مشاريع تنموية تقدمها الحكومة اللبنانية.

ومن الواضح ان مؤتمر باريس الثالث تجاوز في نتائجه المؤتمر الثاني مع الاشارة الى ان المبالغ المحصلة لن تكون كلها في تصرف الحكومة على الفور. وهذا ما يتناغم مع البرنامج الاصلاحي الذي يستهدف، بشكل اساسي، معالجة المديونية العامة المرتفعة وخفض مستواها من معدل يقارب 200 في المائة للناتج المحلي الى نحو 120 في المائة. وتكبير حجم الاقتصاد والشروع في تخصيص بعض المرافق العامة وخصوصاً قطاع الاتصالات وشبكة الكهرباء.

ومن باب المقارنة، يمكن القول ان الدعم الناتج عن مؤتمر باريس الثاني كان عربياً بمعظمه وتحديداً من دول مجلس التعاون الخليجي فيما اظهرت الحصيلة المعلنة لمؤتمر باريس الثالث توازنا نسبياً بين مجموع الدعم العربي ومجموع الدعم الدولي، مع تسجيل تصدر السعودية مباشرة ومن خلال الصندوق السعودي للتنمية لائحة الدول المانحة، وملاحظة ان اميركا التي قدمت نحو مليار دولار في المؤتمر الحالي، اكتفت سابقاً بالدعم السنوي المحدد الذي تقدمه للبنان والبالغ نحو 40 مليون دولار.

ولا مجال لاجراء مقارنة ثلاثية مع مؤتمر باريس الاول الذي اقتصرت تقديماته على نحو 500 مليون دولار. ويمكن تصنيفه كمحطة تأسيس للمؤتمر الثاني الذي استضافته فرنسا خريف العام 2002 وترأس اعماله ايضاً الرئيس جاك شيراك الى جانب الرئيس الراحل رفيق الحريري.

اما لجهة الاهداف، فانها عينها في المؤتمرين الثاني والثالث ونقطة ارتكازها معالجة ازمة الدين العام البالغ حالياً نحو 41 مليار دولار وخدمته السنوية البالغة نحو 3 مليارات دولار التي تستهلك معظم ايرادات الموازنة العامة.

وقد زاد مجموع الدين بما يقارب 10 مليارات دولار بين المؤتمرين، بعدما فشلت الحكومة لأسباب سياسية واقتصادية في تنفيذ التزاماتها.