رهان شيراك على «باريس ـ 3» ينجح في رصد مخصصات فاقت بـ3 أضعاف مبالغ «باريس ـ 2»

المؤتمرون دعموا خطة الإصلاح اللبنانية وربطوا مساعداتهم بتطبيقها

TT

حقق مؤتمر باريس ـ 3 الذي التأم في العاصمة الفرنسية أمس ليوم كامل برئاسة وحضور الرئيس الفرنسي جاك شيراك، نجاحا فاق أفضل التوقعات. ولم تتحقق مخاوف الذين أبدوا قلقا من أن ينعكس تدهور الوضع اللبناني الميداني كما ظهر يوم الثلاثاء الماضي على مستوى التمثيل الدولي والعربي في المؤتمر وعلى قيمة المساعدات التي ستعلن للبنان. والحال أن مستوى التمثيل الدولي كان مرتفعا للغاية مع حضور الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس المفوضية الأوروبية وأمين عام الجامعة العربية وكذلك وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وأسبانيا واليونان والسعودية والإمارات العربية المتحدة ورئيس البنك الدولي والنائب الأول مدير صندوق النقد الدولي ورئيس البنك الأوروبي للاستثمار ورؤساء أو ممثلي الصناديق العربية والإسلامية. ويظهر النجاح خصوصا في المبالغ التي خصصت للبنان بين منح وقروض وأموال مخصصة لتمويل مشاريع محددة إذ زادت على ثلاثة أضعاف ما حصل عليه لبنان في مؤتمر باريس ـ2 الذي عقد في قصر الأليزيه في العام 2002. وأعلن الرئيس شيراك، في ختام الجلسة الصباحية أن مجموع المبالغ المرصودة للبنان وصلت الى 7.6 مليار دولار. وأعقب كلام شيراك تصفيق حاد من كل المؤتمرين في قاعة المؤتمرات الكبرى. وبينت هذه التظاهرة العالمية التي جرت وسط تدابير أمنية مشددة في مقر المؤتمرات الدولي القريب من قوس النصر في أعلى جادة الشانزليزيه أن رهان الرئيس شيراك القائم على حشد أكبر دعم دولي للبنان قد نجح إذ أن المؤتمر ضم المنظمة الدولية ومنظمات إقليمية ودول الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية الثمانية والصين والدول الخليجية الست والمؤسسات الدولية العالمية والعربية وكل من اعتبرته فرنسا قادرا على تقديم دعم مالي أو سياسي للبنان. ومن خلال كلمات رؤساء الوفود أمس والمناقشات التي سبقت والتي لحقت، يمكن استخلاص أمرين اثنين يشكلان رسالتين متلازمتين للبنان ولمحيطه: الأول أن كل الذين حضروا أمس مؤتمر باريس ـ 3 عبروا وبقوة عن دعمهم لخطة الحكومة اللبنانية الإصلاحية التي وصفت بشكل عام بأنها «شجاعة ومتوازنة» لكنهم شددوا في الوقت نفسه على ضرورة الإلتزام بتنفيذها باعتبار أن منح الهبات والقروض للبنان مشروط بتطبيق ما ورد فيها ما يبرره عجز الحكومات اللبنانية عن تطبيق ما التزمت به في مؤتمر باريس ـ2. والأمر الثاني، وجود شبه إجماع على أهمية أن يعاود اللبنانيون الحوار في ما بينهم للوصول الى تفاهم يعيد الاستقرار الى لبنان لأن الأسرة الدولية ترى أنه من غير المفهوم أن تتعبأ هي لمساعدة لبنان بينما اللبنانيون يتقاتلون في ما بينهم. ويتلازم هذا الأمر مع دعم أعيد تأكيده لجهود الأمين العام للجامعة العربية لإيجاد مخرج للمأزق السياسي اللبناني الراهن. وفي الكلمة التي ألقاها الرئيس شيراك ، حث الأطراف المشاركة على «التضامن الدولي من خلال مساعدة لبنان على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية». ونوه بـ«الدعم الحاسم» الذي وفرته المملكة السعودية والولايات المتحدة الأميركية لإنجاح المؤتمر. وعقب كلمة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل وفيها أعلن قرار السعودية إعطاء مساعدة للبنان قيمتها مليار دولار وتقديم منحة من 100 مليون دولار لدعم الميزانية العامة، طلب شيراك من الفيصل نقل شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين لما أعلنته السعودية من مساعدات و»للجهود الذكية والفعالة» التي تبذلها من أجل ترميم الوفاق اللبناني. واستفاد شيراك من المناسبة لتوجيه رسائل سياسية الى اللبنانيين وغير اللبنانيين عبر تشديده على «الحاجة الملحة لأن تؤكد الدولة سلطتها المطلقة على كل أراضيها كما يليق بكل دولة مستقلة وذات سيادة». ودعا الرئيس الفرنسي الأمين العام للأمم المتحدة الى «الشروع في تنفيذ كافة جوانب القرار 1701 » مشيرا بالتحديد الى مزارع شبعا والى مسألة الأسرى وهما البندان اللذان ينص عليهما القرار 1701. وشدد الرئيس الفرنسي على تطبيق «كل» قرارات مجلس الأمن الخاصة بلبنان لأن غرضها «مساعدته على استعادة سيادته الكاملة والمطلقة».

ودعا شيراك في المؤتمر الصحافي عقب انتهاء أعمال المؤتمر اللبنانيين الى «توفير الإجماع» حول الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية» محذرا من منح المساعدات مربوط بتحقيق الإجماع حولها.

وكان المتحدث الأول رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة الذي رأى في الدعم الدولي للبنان حافزا «لحماية حريتنا وتعزيز ديموقراطيتنا وإصلاح اقتصادنا» وتشجيعا للبنان من أجل «استعادة دوره الفريد كجسر وليس كساحة حرب». وأشار السنيورة الى ما يحصل في لبنان منذ شهرين والى أحداث الثلاثاء الماضي التي وصفها بأنها «محاولة دراماتيكية لتحقيق أهداف سياسية عبر وسائل غير مشروعة من التخويف والإخلال بالنظام العام».

جاءت كلمات المتدخلين الأربعين أساسا لإعلان مبالغ المساعدات الممنوحة للبنان والتذكير بالمساعدات السابقة. غير أن غالبية المتكلمين استفادت من الفرصة لتوجيه مجموعة رسائل للبنانيين تحثهم على الالتزام بالبرنامج الإصلاحي شرطا لصرف المساعدات وتدعوهم لتغليب الحوار والتوافق وأيضا لتكون فوائد المساعدات لجميع اللبنانيين وليس لفئة دون أخرى. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية إن الحضور الأميركي في المؤتمر يظهر «التزام واشنطن بوجود لبنان مزدهر وسيد». وجددت رايس تأكيد حرص واشنطن على «دعم الديمقراطية في لبنان» مشيرة الى أن الإدارة الأميركية «تتطلع لمعرفة مضمون التقرير» الذي سيرفعه بان كي مون عن تطبيق القرار 1701 والذي أكدت على أهمية تطبيقه.

وفي الكلمة التي ألقاها الأمير سعود الفيصل قال إن لبنان «يمر بفترة عصيبة من تاريخه» معربا عن تخوفه من «انزلاق الأمور» في لبنان والعراق وفلسطين ومنطقة الشرق الأوسط «الى ما لا يحمد عقباه». وربط بين هذه الحالة وبين «التدخلات الخارجية التي تعبث بأمنها واستقرارها وتعطل مسيرة التنمية فيها». وعرض الامير سعود الفيصل للدعم الذي وفرته السعودية للبنان وأعلن أن الحكومة السعودية قررت تقديم مساعدات جديدة قيمتها ألف مليون دولار من خلال الصندوق السعودي للتنمية وبالتنسيق مع الحكومة اللبنانية بالإضافة الى منحة بمبلغ 100 مليون دولار لدعم ميزانية الدولة اللبنانية.