إيران تخطط لتوسيع نفوذها في العراق رغم التحذيرات الأميركية

سفيرها في بغداد: سنفتح مصارف.. ومستعدون لتدريب القوات العراقية والمساهمة في إعادة الإعمار

TT

طرح السفير الإيراني في بغداد اول من أمس الخطوط العريضة لخطة طموحة تهدف إلى توسيع كبير للروابط الاقتصادية والعسكرية التي تجمع بلده بالعراق بما فيها فتح فرع لمصرف إيراني في قلب العاصمة العراقية، وهذا يأتي في الوقت الذي راحت الإدارة الأميركية تحذر الإيرانيين وتطالبهم بالكف عن التدخل في الشؤون العراقية.

وتحمل هذه الخطة ضمن طياتها امكانيات جديدة لتوسيع النزاع مع الولايات المتحدة التي احتجزت عددا من الإيرانيين في العراق خلال الأسابيع الأخيرة، وقالت إنها تمتلك أدلة على تواطؤ إيراني في الهجمات ضد القوات الأميركية والعراقية.

وقال السفير الإيراني حسن كاظمي قمي، إن إيران مستعدة كي تقدم لقوات الحكومة العراقية التدريب والأجهزة والخبراء لما سماه بـ«القتال من أجل تحقيق الأمن». وفي المجال الاقتصادي قال قمي إن إيران مستعدة لتحمل مسؤولية كبيرة في جهود إعادة الاعمار في العراق. وأضاف قمي: «نحن لدينا خبرة في مجال إعادة الإعمار بعد الحرب»، مشيرا إلى الحرب العراقية ـ الإيرانية التي جرت خلال الثمانينات من القرن الماضي. وقال «نحن على استعداد لنقل هذه الخبرة بالنسبة لإعادة الإعمار إلى العراقيين».

كذلك اعترف قمي وللمرة الأولى بأن المسؤولين الإيرانيين اللذين تم اعتقالهما قبل أكثر من شهر من قبل الأميركيين في العراق وأطلقا لاحقا، هما مسؤولان أمنيان مثلما زعمت الولايات المتحدة، لكنه قال إنهما كانا يقومان بمناقشات شرعية مع الحكومة العراقية، ولم يكن هناك أي مبرر لاحتجازهما. وجاءت ملاحظات قمي باعتبارها أكثر الردود رسمية من الجانب الإيراني، وهي ستشارك في تعميق الاتهامات التي ظلت إدارة بوش توجهها ضد إيران باعتبار أنها تتحرك ضد المصالح الأميركية في العراق. وكان الرئيس بوش قد قال إن الجيش الأميركي مخول الآن لاتخاذ ما يلزم ضد الإيرانيين في العراق، والذين عثر عليهم وهم مضطلعون بنشاطات اعتبرت معادية.

وساهم وقوع مواجهة دبلوماسية وسياسية مع الولايات المتحدة، اعقبت المداهمة التي جرت يوم 21 ديسمبر(كانون الأول) الماضي للسفارة الإيرانية، لم تنته حتى إطلاق سراح المسؤولين الإيرانيين، في تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران. وخلال هذا الشهر احتجزت القوات الأميركية خمسة إيرانيين آخرين خلال مداهمة جرت لمكتب ارتباط في أربيل. وإذا كانت الولايات المتحدة لم تقدم سوى تفاصيل قليلة عن الحادث، فانها قالت إنها تمتلك أدلة تم الحصول عليها من مسكن أحد القادة العراقيين الشيعة وتثبت أن الإيرانيين كانوا طرفا في التخطيط لهجمات داخل العراق.

من جانبه، استهزأ السفير الإيراني بالأدلة الأميركية وقال إنها تتضمن خرائط لمناطق في بغداد تسكنها أغلبية سنية وأخرى مختلطة، لكنها خرائط مماثلة لتلك التي يستخدمها رجال الميليشيات، حسبما قال مسؤولون أميركيون، في عمليات التطهير الطائفي. وقال قمي إن الخرائط شائعة جدا ومسكها لا يثبت أي شيء.

لكن قمي تجنب القول ما إذا كان مقتنعا بأن الخرائط تحمل إشارات ذات طابع طائفي، كذلك تجنب الحديث عن أدلة أخرى قال الأميركيون إنهم عثروا عليها مثل الأسلحة والمواد ذات العلاقة بالتكنولوجيا المستخدمة في القنابل المتطورة والمخصصة كي تزرع على جوانب الطرق. لكنه قال إن ذلك لم يكن الدافع وراء وجود المسؤولين الأمنيين اللذين اعتقلا في بيت الزعيم الشيعي. وأضاف قمي: «إنهم كانوا يعملون في قطاع الأمن داخل الجمهورية الإسلامية، هذا واضح». لكنه استدراك قائلا إن الإيرانيين موجودان في العراق لأن «البلدين وافقا على حل المشاكل الأمنية»، والمسؤولان الأمنيان ذهبا «للقاء الجانب العراقي».

وفي تصريح مفاجئ، قال قمي إن إيران ستفتح قريبا مصرفا في العراق، وهذا يعني تشكيل مؤسسة مالية إيرانية تحت أنوف الأميركيين. وأكد حسين الأزري المسؤول العراقي في مجال المصارف، أن إيران حصلت على إجازة لفتح مصرف في العراق، وقال إنه سيكون أول «مصرف تابع كليا» لبلد أجنبي في العراق. وقال الأزري: «ذلك سيعزز التجارة بين البلدين». وقال قمي ان المصرف هو الأول من بين مصارف عديدة ستفتح في العراق، حيث من المنتظر فتح فروع لمصرف زراعي وثلاثة مصارف خاصة. وقال ان عناصر اخرى لتعاون اقتصادي تشمل خططا لشحنات ايرانية من النفط الأبيض والكهرباء الى العراق وتعاون زراعي جديد بين البلدين.

ولم يقدم قمي تفاصيل عن عرض ايران لمساعدة العراق عسكريا، ولكنه قال ان ذلك يتضمن زيادة نقاط الحراسة على الحدود واقتراح تشكيل «لجنة أمنية مشتركة». ويمكن أن تواجه أية مساعدة عسكرية ايرانية الى العراق صعوبات محتملة. وبغض النظر عن إثارة اعتراضات أميركية، فان مثل هذه المساعدة يمكن أن تعمق ابتعاد السنة الذين يرتاب كثير منهم في الوقت الحالي بأن ايران، ذات الأغلبية الشيعية الساحقة، تشجع حكومة العراق التي يقودها الشيعة على اضطهادهم.

وقال عدد من المسؤولين الأميركيين والعراقيين، اول من أمس، انه من الصعب الرد على تصريحات قمي ما لم يجر الاتصال بشأنها عبر طرق رسمية. ورفض لوي فينتور، المتحدث باسم السفارة الأميركية ببغداد، التحدث عن التصريحات. وقال شين ماكورماك، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ان لدى الولايات المتحدة أدلة مهمة تربط ايران بالهجمات الطائفية داخل العراق. وأضاف «هناك درجة عالية من الثقة بالمعلومات التي لدينا الآن، ونحن نراكم المزيد منها باستمرار». ولم يتحدث عن أية أشياء محددة وردت في تعليقات قمي بشأن خطط لروابط اقتصادية وأمنية اقوى، ولكنه قال ان ايران تلعب في الوقت الحالي «دورا سلبيا في الكثير من النواحي» في البلاد.

كما قال مسؤولون عراقيون، انه لا يمكنهم التعليق على البرامج المحددة ما لم يطلعوا على التفاصيل، ولكنهم عبروا عن طائفة من وجهات النظر حول حكمة توسيع الصلات مع ايران. وقال قاسم داود، مستشار الأمن القومي السابق والعضو الشيعي العلماني في البرلمان حاليا «نرحب بكل المبادرات الرامية الى المشاركة في عملية إعادة الإعمار. واعتقادي ان تحالفنا الاستراتيجي هو مع الأميركيين، ولكننا نسعى، في الوقت نفسه، الى مشاركة أي بلد يرغب في المشاركة».

ورفض برهم صالح، نائب رئيس الوزراء، وهو كردي يتولى الشؤون الاقتصادية، رفضا حادا نقد قمي للوجود الأميركي. وقال صالح ان «المصالح الوطنية العراقية تتطلب السعي الى علاقات جيرة طيبة مع ايران ومع سائر الجيران، ولكن ذلك يتطلب احترام السيادة العراقية». وعلى الرغم من أنه لم تقدم لقمي اسئلة محددة قبل المقابلة، فقد تعرف على الموضوعات العامة التي ستجري تغطيتها وبدا مستعدا بإجابات تفصيلية في حالات كثيرة. وكان يبدو متحمسا لتقديم رأي حكومته في ما جرى صباح 21 ديسمبر(كانون الاول) عندما أغارت القوات الاميركية ببغداد على مجمع تابع لعبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، والذي زار واشنطن قبل ثلاثة أسابيع والتقى الرئيس بوش. وفي داخل المجمع اعتقل الايرانيون في بيت هادي العامري الذي يتولى منصبين قويين هما رئيس اللجنة الأمنية في البرلمان وزعيم منظمة بدر، الجناح المسلح للمجلس، الذي كان لسنوات طويلة في المنفى بإيران. وعلى الرغم من ان الأميركيين اشاروا الى ان الايرانيين كانوا يقدمون الدعم لميليشيات مثل منظمة بدر، قال قمي ان هؤلاء الأشخاص كانوا يتعاملون مع العامري في إطار نشاطه الحكومي.

وأكد أنه لم يكن للايرانيين أن يقضوا ليلتهم في المجمع لو أن عملهم لم يتجاوز ساعات حظر التجول المسائي، حيث اضطروا الى قضاء الليل هناك. كما حذر قمي الولايات المتحدة من إثارة توترات في إطار ما سماه «الملف النووي» في العراق. وقال «لا نريد للعراق ان يدفع ثمن عدائنا للأميركيين».

وفي نهاية المقابلة، وجه قمي طعنة أخيرة للأميركيين. وقال انه «اذا ما سمح لإيران بالقيام بنشاطات في مجال إعادة الإعمار في العراق، فان كل شركات الاعمار في العالم ستكون موضع ترحيب. وأضاف «بوسعكم ان تحثوا الشركات الأميركية على المجيء الى هنا».

* خدمة «نيويورك تايمز»