كينيا أطلقت الرجل الثاني في المحاكم الإسلامية الصومالية بعد حصوله على اللجوء في اليمن

مصادر صومالية ويمنية لـ«الشرق الأوسط»: الشيخ شريف أحمد توجه إلى صنعاء

TT

قالت مصادر يمنية وصومالية رفيعة المستوى لـ«الشرق الأوسط» أمس إن المخابرات الكينية والأميركية أطلقت سراح الشيخ شريف شيخ أحمد الرجل الثاني في تنظيم المحاكم الإسلامية بالصومال، وإنه توجه بالفعل إلى اليمن كلاجئ سياسي بعد ما حصل على حق اللجوء هناك، وفقا لاتفاق «ثلاثي» يمني أميركي صومالي يضمن حياة الشيخ شريف مقابل امتناعه عن توجيه أية انتقادات علنية للوضع السياسي الراهن في بلاده انطلاقا من الأراضي اليمنية، ذلك بعد فترة احتجاز ودية دامت نحو أسبوع في أحد أفخم فنادق العاصمة الكينية نيروبي.

وكانت «الشرق الأوسط» قد انفردت مؤخرا بخبر حصول الشيخ شريف على حق اللجوء السياسي في اليمن.

وأوضح مسؤول صومالي لـ«الشرق الأوسط» في اتصال هاتفي من معقل السلطة الصومالية في مدينة بيداوة الجنوبية، أن شريف ليس مطلوبا لأية جهة أمنية أو رسمية صومالية، مشيرا إلى أنه لم يتورط في أية عمليات إرهابية كما لم تعرف له أية صلة بتنظيم «القاعدة» أو غيرها من التنظيمات المتطرفة في منطقة القرن الأفريقي خلافا لقائده الروحي الشيخ حسن طاهر أويس المسؤول الأول عن تنظيم المحاكم الإسلامية.

ويعتبر هذا التطور صدمة للشيخ أويس المختفي حاليا عن الأنظار، والذي طالما راهن على أن الاتصالات التي أجراها دبلوماسيون أميركيون في العاصمة الكينية نيروبي بعلمه في شهر سبتمبر(أيلول) الماضي مع مساعده وأبرز المقربين إليه من قيادات المحاكم، لن تنجح في دفع الشيخ شريف إلى التخلي عن معلمه الروحي وقائده التنظيمي والسياسي.

وكان أويس يردد دائما أن شريف ليس بالرجل الذي يظنه الأميركيون، لكن يبدو، حسب مراقبين، أنه سيتعين على الرجل الذي اختفى عن الأنظار منذ اجتياح القوات الإثيوبية والصومالية لكافة معاقل المحاكم الإسلامية، أن يراجع كلماته جيدا بعدما بات شريف في قبضة المخابرات الأميركية والكينية في عملية تستهدف إدخاله مجددا إلى ساحة اللعبة السياسية في الصومال، لكن هذه المرة بوصفه رجلا إصلاحيا لم يتورط في العنف.

ولم يكن سقوط شريف في حقيقة الأمر، كما تقول مصادر صومالية، «نتيجة منفردة لعملية بحث مكثفة أجرتها القوات الأميركية والإثيوبية في جنوب الصومال بطول الحدود مع كينيا، وإنما كانت بالأساس نتاج تفاهم سياسي جديد جعل من الشيخ شريف ما يمكن اعتباره شاهد الملك في القضية الصومالية، وكما هو الحال في معظم أفلام هوليوود فانه بامكانك أن تنجو من الجريمة لو أنك وافقت على العمل لصالح السلطات وتعاونت معها في سبيل الإيقاع بمن هم أعلى منك».

وهكذا تحول شريف من مطارد ومشتبه به عبر الحدود الصومالية الكينية إلى نزيل أحسن الأميركيون والكينيون استضافته داخل غرفة رحبة ووثيرة للغاية في أحد أفخم فنادق العاصمة الكينية نيروبي يتمتع بشرب الشاي مع البسكويت قبل أن يصلي ويتفرغ لمحاوريه من وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذين سعوا عبر نحو 12 ساعة موثقة ومصورة بالصوت والصورة للحصول منه على كافة المعلومات الخاصة بما تعتقد المخابرات الأميركية وعملاؤها أنهم كانوا شبكات جهادية متطرفة على اتصال بتنظيم «القاعدة» قبل سقوط المحاكم الإسلامية.

وكما تروي مصادر صومالية وكينية وأميركية لـ«الشرق الأوسط» فقد تلقى شريف سيلا من الأسئلة الجارفة بيد أن مستجوبيه توقفوا عن استجوابه بعدما لاحظوا تدفق المعلومات التي تخرج على لسانه بسلاسة أدهشت بعضهم وأرابت البعض الآخر.

وبنجاح المفاوضات المبدئية، التقى شريف مع مايكل رانبرغر السفير الأميركي في نيروبي بمحبسه المخملي، لكن شريف برهن على أنه رجل أميركا المقبل في الصومال منتزعا اللقب من بعض المحسوبين على الإدارة الأميركية داخل السلطة الانتقالية التي يقودها الرئيس الصومالي عبد الله يوسف وأبرزهم محمد حسين عيديد نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الصومالي وأحد أربعة وزراء على الأقل في هذه السلطة يحملون جوازات سفر أميركية.

وبدلا من أن يتعامل الأميركيون مع شريف على أنه عدوهم والرجل الثاني في التنظيم الذي طالما هدد بدحر الغزاة الأجانب وإشعال الأرض من تحت أقدامهم ناعتا الإدارة الأميركية بالغباء والجهل السياسي، فان شريف تحول فجأة إلى رجل اصلاحي يمكن التفاهم معه. ونقل عن السفير الأميركي في كينيا قوله لإحدى الإذاعات المحلية الصومالية إن الإدارة الأميركية لن تتعامل مع المحاكم كتنظيم وإنما كأفراد وطالما أنهم تخلوا عن العنف فيجب منحهم دورا في العملية السياسية.

لكن القصة لا تبدأ مطلقا من حيث انتهى هو بل تبدأ أساسا بتعيين الدكتور إبراهيم عدو رئيسا لمكتب العلاقات الخارجية في تنظيم المحاكم الإسلامية وهو تعيين طالما أثار الاستغراب لكون الرجل معروفا بعلاقاته الثقافية بالحلم الأميركي.

فقد أقام عدو، كما تقول المصادر نفسها، لسنوات في الولايات المتحدة، قبل أن يتم تعيينه في منصبه بالتزامن مع استيلاء المحاكم الإسلامية على العاصمة الصومالية مقديشو خلال شهر يونيو(حزيران) الماضي.

وعقب هزيمة المحاكم، ظل عدو يتنقل بحرية في كينيا، قبل أن يتلقى إشارة رقيقة بالتوقف عن انتقاد ما يجري في بلاده مع السماح له بالمغادرة إلى اليمن مع مجموعة من قيادات الصفين الثاني والثالث في المحاكم من بينها عبد الرحمن مودي الناطق الرسمي السابق باسمها.

وكشف مسؤول صومالي رفيع المستوى أن من بدأ مخاطبة الأميركيين حول امكانية استسلام شريف هو عدو نفسه، بينما تم رفض طلبه معاملة الشيخ أويس بنفس الطريقة خشية أن تظهر الإدارة الأميركية وكأنها تتفاوض مع من كانت تعتبرهم حتى اللحظة الأخيرة لهم في السلطة بمثابة إرهابيين.

لكن نفس المسؤول، الذي طب عدم تعريفه، لا يعتقد أن شريف سيتفاوض من أجل زعيمه اويس المختفي عن الأنظار والذي باتت كل أرقام هواتفه النقالة خارج نطاق الخدمة والتغطية الفعلية منذ أكثر من شهر.

وفيما يقول دبلوماسيون أميركيون أنهم يرحبون بتوبة عناصر المحاكم شريطة إعلانهم التخلي عن العنف والإرهاب وقبولهم الاعتراف بسلطة الرئيس الصومالي، فان أويس لن يجد من يمنحه الموافقة على هذه الشروط لأن واشنطن تعتقد ببساطة كما يقول دبلوماسي عربي مخضرم إن معركتها مع أويس هي في الأساس معركة مع وكيل «القاعدة» في منطقة القرن الأفريقي.

ومع ذلك يعترف دبلوماسي أميركي بأن واشنطن لا تملك رؤية واضحة عما يمكن أن يمثله مستقبل شريف السياسي بعد اعتقاله، مشيرا إلى أنه يمكن الاستفادة به في توجيه نداء رسمي إلى مختلف بقايا عناصر ميليشيات المحاكم الهاربة بأن تتوقف عن القتال وتسلم أسلحتها فورا إيذانا ببدء مرحلة جديدة في تاريخ الصومال.

لكن الحلم الأميركي لا يبدو مناسبا للرئيس الصومالي عبد الله يوسف الذي نقل عنه أحد مساعديه لـ«الشرق الأوسط»: «هم (الأميركيون) أحرار في أن يفكروا في مستقبل الرجل، لكن الكلمة الأخيرة للشعب الصومالي، وإذا لم يكن مدانا أو مطلوبا لأية جهة فلا بأس».