«الشرق الأوسط» في إيران (10) : شيرين عبادي لـ«الشرق الأوسط»: قصف إيران سيعوق مسار الإصلاحات

قالت إنها مثل شخص خاض امتحانا لقيادة السيارة ونجح.. لكنهم يرفضون إعطاءه رخصة القيادة

TT

كان الصباح صباح الجمعة، والجو مشمسا والساعة تقترب من العاشرة صباحا، يوم للراحة والبقاء في المنزل، لكن مجموعة من النساء الإيرانيات قررن أن يلتقين معا في منزل إحداهن ليناقشن مستجدات حملتهن لتغيير القوانين الإيرانية التي تميز ضد النساء. داخل المنزل الأنيق ذو الذوق الغربي، كانت رائحة القهوة والشاي تملأ المكان، والفاكهة الكثيرة على الطاولة تشي بأن امامهن يوما طويلا. وصل في البداية نحو 7 أو 8 نساء، بعضهن يرتدين التشادور الأسود، وأخريات يلبسن بناطيل وقمصان أنيقة وأحذية عالية الرقبة، يضعن على رؤوسهن غطاء من الحرير الملون وقع على أكتافهن بمجرد أن دخلن المنزل، فظهرت شعور مصففة بعناية. كلما رن الجرس، توجهت احدى السيدات، لفتح الباب، وخلال ساعة، كان المنزل قد امتلأ بالنساء اللواتي يلبسن التشادور التقليدي، والنساء اللواتي تلبسن الملابس الغربية وتدخن السجائر. كلهن تعليمهن جيد جدا، وحاصلات على درجات علمية بين البكالوريوس والدكتوراه. وسط نقاشهن كان بعضهن يسجل ملاحظات، لتحديد ما هي الخطوة المقبلة في حملتهن. تذكرت عبارة غابرييل غارسيا ماركيز "لا أشعر بالأمان إلا وسط النساء.. فلا يمكن أن يصيبني سوء بينهن"، وتذكرت أن الكثير من الرجال والنساء الإيرانيات ردد العبارة ذاتها "النساء الايرانيات قويات جدا. أقوى من الرجال في البيت وخارجه". فبعد هذا الاجتماع بأيام تظاهر بعض هؤلاء النساء في إحدى ميادين طهران، فألقي القبض على بعضهن، ثم عندما افرج عنهن، تظاهرن مجددا، فألقي القبض عليهن مجددا.

وسط الحاضرات كانت تجلس شيرين عبادي المحامية والناشطة الإيرانية، التي أصبحت بشخصها "رصيدا ضخما" لصالح حركة النساء الإيرانيات، فهي تسافر كثيرا، وتحاضر في ورش عمل ومؤتمرات دولية. وكما قالت عبادي لـ"الشرق الأوسط": "أكون غالبا خارج ايران لمدة 10 أيام في الشهر، أما باقي الشهر فأكون في إيران. لكن عملي في الواقع لا يتوقف سواء كنت في الخارج أو في إيران. عندما أسافر يكون ذلك للمشاركة بمداخلات وكلمات في مؤتمرات دولية. وعندما أكون في إيران، فإن جدول أعمالي يكون مزدحما جدا، وتكون هناك الكثير من الضغوط. فالكثير من الأعمال تنتظر حتى حضوري من الخارج لاتخاذ قرارات بشأنها". تحدثت شيرين عبادي عن حملة الإيرانيات لجمع مليون توقيع من إيران وخارجها لتغيير القوانين التي تميز ضد الإيرانيات، كما تحدثت عن المشاكل التي تعترض عملها في مركزها القانوني، وقالت إن وضعهم في المركز مثل شخص خاض امتحانا لقيادة السيارة ونجح.. لكنهم يرفضون اعطاءه رخصة القيادة، كما تحدثت عن القضية الجديدة التي تأخذ الكثير من وقتها. وهنا نص الحوار:

* ما هو سبب حملة المليون توقيع؟ - أكثر من 65% من الطلبة في الجامعات الايرانية بنات. يعني في إيران النساء متعلمات أكثر من الرجال. لكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979 القوانين التي وضعت ميزت ضد المرأة. بعض هذه القوانين مثلا أن دية المرأة نصف دية الرجل، فإذا تعرضت المرأة لحادث في الطريق وجرحت أو ماتت فإن ديتها نصف ما يدفع للرجل. كذلك شهادة إمرأتين تعادل شهادة رجل واحد في المحكمة. النساء الايرانيات يرفضن هذه القوانين، ومن هنا بدأت حملة المليون توقيع، كي يمكن للنساء أن تعلن معارضتهن.

* ما هي الخطوة التالية بعد جمع التوقيعات؟ - بعد جمع مليون توقيع سنتخذ قرارا بشأن الخطوة التالية. لكن أهم شيء الآن هو أن نظهر للإيرانيين وللجميع حول العالم أن النساء الإيرانيات يعارضن القوانين التي تميز ضدهن.

* هل حصلتن على توقيعات من خارج إيران تساند حملتكن؟ - لدينا استراتيجيتان لجمع التوقيعات، الأولى اللقاءات المباشرة أو وجها لوجه. فالكثير من العاملين معنا يذهبون للإيرانيين في بيوتهم ويتناقشون وجها لوجه حول القوانين ويحصلون على توقيعات الناس. الاستراتيجية الثانية للحصول على التوقيعات هي موقعنا على الإنترنت. وللأسف حتى الآن حجبت السلطات موقعنا الإنترنتي مرتين، لكن هذا لم يوقف عملنا. بدأنا في موقع آخر، نعمل من خلاله. وقد ساندت شخصيات عالمية حملتنا منها الزعيم الروحي للتيبت الدالاى لاما، وداعية الحقوق المدنية في جنوب إفريقيا القس ديزموند توتو، ورئيس كوستاريكا، ورئيس وزراء تيمور الشرقية، وكل النساء اللواتي حصلن على نوبل، وناشطون دوليون ومنظمات عالمية. ويمكن التوقيع عبر موقعنا الانترنتي.

* أنت شخصية عالمية بعد حصولك على نوبل للسلام، هل يساعدك هذا في عملك أم أنك تواجهين صعوبات؟ - منذ نحو 5 سنوات وأنا وعدد من المحامين بدأنا منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان. طبقا للدستور الإيرانى لم يكن لازما علينا أن نأخذ موافقة أو تصريحا من الحكومة للتسجيل. لكن ولأننا لم نرد أن نظهر كمنظمة تحت الأرض، ذهبنا إلى السلطات وطلبنا ترخيصا لممارسة نشاطنا واستوفينا كل المعايير وشروط التسجيل، لكن مع هذا لم يعطونا ترخيصا. هذا حدث خلال ولاية الرئيس السابق محمد خاتمي، لم تعطنا السلطات ترخيصا بالعمل بشكل قانوني لكنها لم تمنعنا من العمل كذلك. الآن خلال ولاية الرئيس محمود أحمدي نجاد، قالت لنا السلطات لأنه ليس مرخص لنا بالعمل قانونيا، فإنه ليس مسموحا لنا بالعمل. فكان جوابنا أننا تقدمنا بطلب للترخيص، واستوفينا كل الشروط المطلوبة، وبالتالي عملنا قانوني، فيما منع السلطات لنا غير قانوني. ولحسن الحظ بسبب الدعم الكبير لنا على المستوى الداخلي والعالمي، قالت السلطات الإيرانية إنها ستنظر مجددا في ملفنا، لكن برغم هذا لم يتم تسجيلنا حتى الآن. لكننا نواصل عملنا. النقطة المثيرة للانتباه هي أنه منذ قدمنا طلب للحصول على ترخيص للمرة الأولى، حصلت الكثير من المنظمات الأهلية والأحزاب السياسية في إيران على ترخيص بالعمل، إلا نحن. حالنا أشبه بشخص خاض امتحانا لقيادة السيارة، ونجح فيه لكنهم يرفضون اعطاءه رخصة القيادة.

* هل تعتقدين أن احمدي نجاد يعتمد على الضغوط الخارجية من أجل أن يضمن تأييد الداخل له، مستخدما الحاجة إلى الوحدة الداخلية لمواجهة الضغوط الخارجية؟ - يجب أن ننظر إلى هذه القضايا ككل مترابط، الديمقراطية وحقوق الانسان يمكن أن تنمو في مناخ سلمي. الحكومات دائما تقوم باستغلال مسألة الأمن القومي لتقييد حريات الناس. ولهذا نحن نعارض أي هجوم على إيران. قصف إيران سيعوق مسار الاصلاحات، لأن هذا سيعطي العذر للحكومة لتقييد حريات الناس. أما حقوق الإنسان فهي عبارة عن حزمة مترابطة، لا يمكن اختيار جزء منها والقول إنه أهم من باقي الأجزاء. الإيرانيون يحتاجون رعاية صحية، ويحتاجون إلى تعليم، كما يحتاجون إلى الأمن والسلام في الوقت ذاته. لا يمكن أن نضع هذه الحقوق أمام بعضها البعض ونسأل ما الذي له الأولوية. أهم شيء لمنع الحرب هو وحدة الإيرانيين. وهذا هو الوقت الذي ينبغي فيه على الحكومة أن تحترم مطالب الناس، وتعزز الديمقراطية في إيران. بعد 28 عاما من الثورة الايرانية لا نستطيع ان ننتخب ممثلينا في المؤسسات السياسية، فمجلس الأوصياء يجب أن يوافق أولا على المرشحين لكل أشكال الانتخابات في إيران.

* لكن هل الاختلافات داخل الحركة الاصلاحية يؤثر على قدرتها على العمل؟ - من الطبيعي جدا أن لا يفكر الكل بنفس الطريقة، اختلافات وجهات النظر موجودة في كل مكان. اختلاف الاصلاحيين شئ طبيعي. ولهذا السبب بدأنا حملتنا لجمع المليون توقيع من الحد الأدنى، الأمر الذي يجعل غير الموافقين على القوانين التي تميز ضد النساء يأتون ويوقعون. فحملتنا تتوجه الى الكثير من الفئات.

* بعد نوبل توسعت مجالات اهتمامك من حقوق الإنسان إلى قضايا أخرى، ما هو الجديد في أنشطتك؟ - أنا محامية بالأساس، وخلال العشر سنوات الماضية أدافع فقط عن المعتقلين السياسيين، وكل أعمال المحاماة التي أتولاها بها أقوم بها مجانا، ولا أتقاضى أي أجر من المتهمين الذين أدافع عنهم. ساهمت خلال سنوات عملي في تأسيس 3 منظمات أهلية في إيران، الأولى أسستها من 12 عاما وهي باسم "منظمة الدفاع عن حقوق الأطفال"، ولعدة سنوات كنت رئيسة هذه المنظمة. وبعد عدة سنوات وصلت هذه المنظمة إلى مستوى كبير من النضج، مما دفعني لإنشاء جمعية أخرى، وما زلت أعمل كمستشارة لهذه الجمعية. كذلك أسست بمساعدة عدد من المحامين منذ 5 سنوات منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان، وأنا رئيسة لهذه المنظمة الآن. لدي منظمة أخرى وهي بدأت بمساعدة عدد من الأصدقاء وهي "منظمة المشاركة ضد الألغام". فبعد نحو 18 عاما من انتهاء الحرب العراقية - الإيرانية ما زال في إيران 4 ملايين هكتار من الأراضي المزروعة بالألغام الارضية. هذه الألغام ليست فقط على الحدود، بل داخل مدن إيرانية. وفي المتوسط من 2 إلى 3 أشخاص يجرحون أو يقتلون في إيران بسبب الألغام كل يوم. هذا الموضوع لم يكن أحد يتحدث حوله في إيران، ولم تكن هناك أي منظمة أهلية تعمل من أجله، لكن ومنذ 3 سنوات أنشأنا مع عدد من الأصدقاء منظمتنا وهي أول منظمة أهلية في إيران تعمل على موضوع الالغام، فوسط الانشغال بالسياسة ينسى الناس المشاكل الاجتماعية.

أهم النشاطات التي نقوم بها في المركز هي تبادل المعلومات، ودائما نعلن للإيرانيين والعالم عدد الألغام التي ما زالت موجودة. وأنا سعيدة جدا لأنه بسبب انشطتنا، قررت الحكومة زيادة الميزانية الممنوحة للتخلص من الألغام، وأخذت هذا الموضوع بشكل جدي. لكن هذا لا يكفي. يجب أن تنضم إيران إلى معاهدة أوتاوا الخاصة بمنع الألغام الأرضية، سواء استخدامها أو صنعها. الحكومة الإيرانية لا تقوم فقط بإنتاج الألغام، بل باستخدامها كذلك. فما هي فائدة تنظيف الأرض من الألغام، إذا كان من المحتمل استخدامها مستقبلا؟ السبب الذي دعا المجتمع الدولي إلى إعلان استخدام الألغام الأرضية غير القانوني، هو انه خلال الحرب أنت تعرف إنك تقتل الأعداء بالألغام، لكن بعد حلول السلام الألغام تقتل مواطنين أبرياء. انتاج الألغام يكلف دولارين للغم الواحد، لكن التخلص من الألغام يكلف 1000 دولار للغم الواحد، ولهذا السبب جعلت اتفاقية اوتاوا استخدام أو تصنيع الألغام غير قانوني. وبالتالي يجب على الحكومة الإيرانية الانضمام إلى هذه الاتفاقية والتصديق عليها.

* في إيران اليوم يبدو أن المحافظين لهم اليد الطولى. هل أنت متفائلة بمستقبل الاصلاحات؟ - عندما أنظر للماضي أتفاءل بمستقبل إيران. فبعد الثورة الإيرانية عام 1979 كنت إذا استخدمت وصف "حركة نسوية" فكأنك تلعن أو تهين شخصا. بعد الثورة كان هناك محافظون عندما يريدون أن يوجهوا لي الاتهامات ينعتوني بـ"ليبرالية" و "مدافعة عن حقوق الإنسان"، و"مدافعة عن حقوق النساء" (تضحك) الآن أنا سعيدة أن أصواتنا بات لها صدى في المجتمع الإيراني. بالطبع ليس كل النساء الايرانيات يدعمننا، هناك نساء محافظات في أفكارهن مثل الرجال، ونرى هذا مثلا في قانون قدمته عضوات في البرلمان الحالي، ينص على تقليص عدد البنات اللواتي لهن حق دخول الجامعات، لأن 50 % من طلبة الجامعات يمكن أن يكن من النساء. أفهم الوضع الحالي، لكن عندما أنظر للماضي أرى كم أن الفكر الاصلاحي قويت دعائمه في إيران فأشعر بالتفاؤل حيال المستقبل.