«الشرق الأوسط» في إيران (11) : شهلا لاهجي: كل شيء يسمى كتابا في إيران يخضع للرقابة

سألتني الشرطة: لماذا لم تضعي أسوارا من الحديد حول «روشنغران» فقلت: هذه دار نشر وليست بنكا * بدأت بدار نشر في قبو كريه الرائحة.. وذات يوم هددني كاتب شاب بالقتل لأنني رفضت نشر روايته ثم تراجع قائلا: سأتركك تموتين من رائحة المكان * دائما كناشرة يكون بداخلي هذا الصراع : أيهما أفضل.. نشر كتاب خضع للرقاب

TT

قصة أول ناشرة إيرانية

 

* قصة حياة شهلا لاهجي، أول ناشرة إيرانية، مثل رواية من الروايات التي تنشرها في دار نشر «روشنغران»، التي أسستها، وتعني بالفارسية صناعة الضوء وسط الظلمة. فهي ولدت وعاشت طفولتها في زمن الشاه، وعندما أصبحت شابة كانت إيران في مزاجها الثوري، والشباب والشابات يتناقلون فيما بينهم كتب الدكتور علي شريعتي حول الإسلام الثوري والديمقراطية وهي الأفكار التي حولت الإسلام من دين يمارس في المسجد الى حركة تحرر وطني وسياسي. كان الشباب والشابات من كل التيارات السياسية، القومية والدينية والليبرالية واليسارية، يتناقلون الأغاني الثورية، ويغنون في الشوارع استعدادا لعودة آية الله الخميني. قامت الثورة وتغير الكثير، وعانت النساء أكثر من غيرهن، فردت شهلا لاهجي كما تقول بتأسيس دار لنشر الكتب، وانخرطت وما تزال في الحركة النسائية الإيرانية، ودخلت السجن، وخرجت. عندما تنظر لاهجي إلى الماضي والحاضر تقول بتفاؤل «تستطيع أن تمنع النهر من التقدم للأمام.. لكنك لا تستطيع أن تدفعه للوراء». وهنا ملامح من حياتها روتها لـ«الشرق الأوسط» التي التقتها في مكتبها بدار نشر «روشنغران» وسط طهران.

 

تربيت في مناخ منفتح، والدتي كانت ضمن خامس دفعة من البنات الإيرانيات اللاتي تخرجن من مدرسة على الطراز الحديث. وكانت من أوائل النساء اللواتي حصلن على وظائف عمومية، كانت تعمل موظفة في مكتب للبريد قبل نحو 75 عاما. والدي تعلم في أوروبا، وكان حظي أنني تربيت في هذا المناخ. لم يكن هناك فقط عدم تمييز بين الأولاد والبنات في عائلتي، لكن البنات كن يحصلن على مزايا أكثر كثيرا من الأولاد. الاولاد كانوا في خدمة البنات، وكبرت في منزلنا وأنا أعتقد أن العالم كله هكذا. البنت مدللة والدها، لكن عندما خرجت للمجتمع عرفت أن الوضع مختلف. أحببت الكتابة منذ صغري، وامتهنتها. وعندما بلغت 16 عاما كنت أصغر عضو في اتحاد الكاتبات الإيرانيات. عام 1979 جئت من شيراز إلى طهران مع أسرتي، زوجي وأولادي، ومع أحداث الثورة الإيرانية، بدأت أكون جزءا من الحياة الثقافية في العاصمة. الثورة بدأت بالأغاني، كان الجميع متفائل، الجميع في الشارع يغني ويتناقش. كنا نمتلئ بالأمل، كان الطلبة والنساء ناشطين جدا سياسيا، وكانت الثورة الإيرانية تدور في خضم الحركات الثورية في أميركا اللاتينية وفلسطين. المناخ كان ثوريا. بعد عام من الثورة اتخذت السلطات بعض القرارات، والشباب وطلاب الجامعة كانوا ناشطين، وكانوا يعبرون عن معارضتهم لهذه القرارات وينتقدون الحكومة. لكن السلطات منعت الأحزاب والنشاطات السياسية. بعد نحو عام من الثورة، تعرض المعارضون للاعتقال والمنع من العمل والملاحقة، كانت طهران تعيش أجواء مخيفة، وبدأ الناس يتساءلون: ما الذي يجري؟ النساء للأسف كن أول ضحايا الثورة ولم يقف المثقفون الليبراليون وغيرهم ضد الاجراءات والقوانين التي اتخذت بحق النساء، فكانوا لاحقا ضحية اجراءات مشابهة بالتضييق على الحريات والحقوق. كان بعض رجال الدين المحافظين ينظرون للنساء على أنهن إثم وخطيئة يجب تغطيتها وإخفاؤها من الحياة العامة. أول القوانين كانت ضد النساء ومن بينها منع النساء من دراسة بعض المواد مثل الهندسة الكيميائية والفروع التكنولوجية وعلم الآثار، وعدم تمكينهن من المشاركة في الوظائف الحكومية المهمة أو العمل في التلفزيون. وقد تم فصل الكثير من النساء من وظائفهن، وإغلاق حضانات الأطفال لإجبار النساء على ترك العمل، كما صدر قانون حضانة الأطفال الذي يعطي للرجل حق الحضانة للأطفال في سن مبكرة جدا، وتم تخفيض سن الزواج للنساء إلى 9 سنوات. باختصار مورست ضغوط ضد النساء في المجتمع. كنا نعلم نحن النساء أن ما تلاقيه المرأة من ضغوط سيعم على الجميع لاحقا. لكن تنظيمات المثقفين والطلبة ارتكبت خطأ فادحا بعدم الاهتمام بالظلم الذي تعرضت له النساء في بداية الثورة. وأتساءل: لماذا لم يفكر هؤلاء المثقفون في أن دورهم سيأتي بعد النساء؟ في هذه الأجواء فكرت في تأسيس دار للنشر، وبدأت في تأليف الكتب. كنت أول امرأة تمتلك وتؤسس دار نشر في إيران. بدأت برأسمال بسيط من مساعدات أصدقائي وقرض من البنك، لم أكن أحب أن أكون عبئا على زوجي أو أن اعتمد عليه ماديا. أصدقائي منحوني قروضا لأنشئ دار النشر. بدأت بـ 50 ألف تومان (حوالي 900 دولار)، وهو مبلغ كان يكفي لنشر كتاب واحد. كانت أحجام الكتب صغيرة لتقليل النفقات. وكان المقر الأول غرفة في بناية وسط طهران، لكن اشتكى أحد الأشخاص ضدنا فجاءت الشرطة ورمتنا في الشارع. أما المقر الثاني فكان قبواً تحت الأرض يقابله حمام رائحته كريهة جدا. حاولت أن أجعل المكان أفضل قليلا، فوضعت لوحات وزهورا وسجادا. وأتذكر أن أحد الشبان أراد أن ينشر كتابا لدي، ورفضت لأنه كان دون المستوى ونصحته بأن يقرأ أكثر، فجاء إلى المكتب وهددني بالقتل ما لم أنشر الكتاب، ثم تراجع وقال: سأتركك تموتين من رائحة المكان. كانت بداية صعبة، لكني كنت دائما أقول لنفسي: إنها فترة مؤقتة وستتحسن الأحوال. خلال الحرب مع العراق انصرفت الأنظار عن القضايا الداخلية إلى العدو الذي يهاجمنا، وكان هناك شح في الورق في تلك الفترة، فكان النشر صعبا جدا. لم يكن من الممكن أن اشتري الورق من السوق الحرة لأن ثمنه مرتفع جدا. وهذا الوضع ما زال مستمرا حتى الآن، فوزارة الإرشاد هي المصدر الرئيسي لتوزيع الورق على دور النشر، وأي كتاب يجب أن يمر أولا على وزارة الإرشاد لقراءته وتمريره، فلا يمكن طباعة أو توزيع أي كتاب من دون إذن من وزارة الإرشاد. وأتذكر أن أحد الكتب التي صدرت من «روشنغران» وهو بعنوان «المرأة في البحث عن الحرية» اضطررت لتغيير مقدمته 6 مرات حتى أحصل على الورق من وزارة الإرشاد التي كانت لها تحفظات عليه، فرهنت إعطائي الورق بتغيير النقاط التي لم ترض عنها الوزارة. خلال سنة كاملة نشرنا كتابا واحدا فقط. كانت بداية صعبة.  ما كان يدفعني للمواصلة هو اعتقادي أن أحد المهام الأساسية للناشر هي اكتشاف أصوات شابة تعبر عن الجديد في المجتمع. وأتذكر أنه يوما ما جاء أحد زملائي وأعطاني مسودة كتاب عبارة عن قصص قصيرة، وقال لي: أرجوك إقرأي أقرإقرأي ي الكتاب فمؤلفته تنتظر ردك. قرأت القصة الأولى من الكتاب، ودعوت مؤلفته للقائي في «روشنغران» لأن العمل أعجبني. المثير أن القصة الأولى التي أعجبتني منعتها وزارة الإرشاد، إلا أن الكاتبة اليوم هي واحدة من أفضل الكاتبات في إيران وهي محبوبة ميرقادري. قلت يوما لمحبوبة: لا بد أن تكتبي رواية. فقالت لي: لا أستطيع. أجبتها: حاولي. فكتبت رواية وأعطتها لي. قرأتها وكانت لدي ملاحظات وانتقادات، أرسلتها لها مجددا. فعدلت بعض الأجزاء وأرسلتها لي مجددا. نشرت روايتها الأولى وهي بعنوان «و..الآخرون»، وفازت بأحسن كتاب في إيران، وهذه أول رواية تكتبها.  ما أريد أن أقوله هو انني لا أتبع مسار السوق، أو الذوق السائد. أعتقد أن أحد مهام الناشر هو تحسين ذوق الناس، وليس السير وراء السوق، والتضحية بالمواهب لمصلحة السوق. لدينا هذه المشكلة فيما يتعلق بقضايا النساء لأننا نعرف أن قراءة هذا النوع من الأدب أو الكتب ليست شعبية، لكن هذا واجبنا الاجتماعي والثقافي، يجب أن نعثر على الموهوبين الذين ليست لديهم فرصة لنشر كتبهم، ونعطيهم الفرصة، فليس كل شخص على استعداد لدفع أموال على شيء ليس من المؤكد بيعه والكسب منه. لكننا حريصون على المواهب، وتجربتنا تقول إنه دائما يأتي اليوم الذي يتحقق فيه النجاح للكتب التي ننشرها، وهذا العام حصلنا على مكافأتنا وحصل كتاب محبوبة ميرقادري على جائزة أحسن كتاب.  في نشاطنا للترجمة نسير على نفس النهج «الفكرة وليس السوق». على سبيل المثال عندما فكرت في المرة الأولى في ترجمة الكاتب التشيكي ميلان كونديرا إلى الفارسية كنت أعرف تماما ما أنا مقدمة عليه والأرضية التي أقف عليها، فعندما نقوم بترجمة عمل ما نقوم بتغييره نوعا ما، نغير في الجمل والعبارات. ونقوم بحذف الأجزاء التي نعرف أن الرقابة لن توافق عليها. في كتاب كونديرا مثلا كنت أعرف أن الأجزاء التي سيتم حذفها ستكون كثيرة جدا، وكان سؤالي: هل أنشر الكتاب بالرغم من كل الحذف، وأقول للقارئ إن الكتاب خضع للرقابة وإن هناك أجزاء مقتطعة، وأضع نقاطا بين العبارات ليعرف أن هناك فقرة أو جملة ملغية من الترجمة وموجودة في النص الأصلي لأني أعتقد أن هذا حق القارئ، أم أقرر عدم النشر. دائما كناشرة يكون بداخلي هذا الصراع: أيهما أفضل.. نشر كتاب خضع للرقابة وحذفت منه أجزاء، أم عدم محاولة نشر كتاب أعرف سلفا أنه سيخضع للرقابة؟ وأحيانا يكون جوابي: القليل خير من لا شيء.  الرقابة مشكلة في صناعة النشر في إيران، فلنشر أي كتاب يجب أن تعطينا وزارة الإرشاد تصريحا، نأخذ التصريح ونعطيه للمطبعة للطبع، بدون التصريح لا يمكننا الطبع، إذا طبع أي كتاب بدون تصريح من الوزارة، تعاقب المطبعة ودار النشر وتتم مصادرة الكتاب. وهذه الممارسات مخالفة للدستور الإيراني ولمبادئ قوانين حرية النشر. على سبيل المثال الكتاب الجديد الذي نريد نشره أرسلت لنا وزارة الإرشاد قائمة بالجمل والفقرات التي ينبغي أن تلغى منه لاعطائه تصريحا بالنشر. الصفحة 10، السطر 16، الغاء. الصفحة 11، السطران 15 و16، الغاء، الصفحة 12، السطران الأول والثاني إلغاء، الصفحة 20 وهكذا. أحيانا يكون الإلغاء فقرات من الكتاب، أو صفحات كاملة. وهذه هي قصة كتاب واحد. وزارة الإرشاد ترسل قائمة بالفقرات والجمل التي تريد إلغاءها، من دون أي علامة على القائمة أو إمضاء من وزارة الإرشاد لأنهم يعرفون أن هذا غير قانوني، ولا يعطوننا أي دليل مادي للذهاب للمحكمة بتهمة انتهاك القانون، لكنني بدأت أجمع ادلة وأخذت القضية للمحكمة، ليس فيما يتعلق بكتاب واحد، بل عدة كتب. أخذت أمثلة من الفقرات والصفحات المطلوب حذفها، وحجتي أن كل هذه المراسلات غير قانونية. فطبقا للدستور الايراني المؤسسة القضائية وحدها لها الحق في منع نشر الكتب، وهي يجب أن تعطي أسبابا لرفض نشر أي كتاب، وزارة الإرشاد ترفض النشر بدون إعطاء أسباب، وهذا ليس اختصاص وزارة الإرشاد، لأنها هيئة تنفيذية وليست مؤسسة قضائية محايدة. كل شيء يسمى كتابا يخضع للرقابة في إيران، 40 صفحة أو 400 صفحة أو 4000 صفحة.. لا يهم. إذا سمي «كتابا» فيجب أن يذهب لوزارة الإرشاد.  التناقض أن وزارة الإرشاد تمارس الرقابة ليس وفقا للقانون لأنه ليس هناك قانون يسمح لها بالرقابة، ولكن وفقا للأشخاص. فإذا كان لدينا وزير إصلاحي مثلما كان الأمر خلال ولاية الرئيس السابق محمد خاتمي، تكون الأوضاع أفضل كثيرا، أما إذا كانت لدينا حكومة محافظة فان الوزارة تتشدد في الرقابة. فمثلا لا يمكننا في إيران نشر كتاب يدافع عن الشيوعية، لكن يمكننا نشر كتاب يوضح ما هي الشيوعية، وما هي أهم افكارها. إذا كان هناك وزير اصلاحي سيسمح بنشر الكتاب، فيما سيرفض وزير محافظ الكتاب ذاته. كذلك فيما يتعلق بنشر النصوص حول العلاقات الجنسية. المنصوص عليه دستوريا هو أنه يمكن السماح بنشر هذه الكتب إذا كانت تساعد على فهم معنى الكتاب، بمعنى أن لا تكون مثيرة للغرائز، وهامة لفهم المعنى العام للكتاب، لكن مجددا يمنعون هذه الأجزاء، فمثلا إذا كانت هناك قبلة بين شخصين فيجب أن تلغى من أي كتاب هذه الأيام. هناك ناشرون آخرون يقومون بترجمة بعض الأعمال العربية مثل نجيب محفوظ، لكنها بدورها تخضع للرقابة في إيران.   وبالتالي ترجمتنا ونشرنا للكتب الاجنبية يعانيان من مشكلة، ومن الواضح أن القصص والروايات هي الأكثر تضررا، ولا حل أمامنا سوى اختيار نصوص الروايات التي بها أقل درجة ممكنة من المشاكل. على سبيل المثال الكاتبة التشيلية ايزابيل الليندي، وكذلك ميلان كونديرا، لديهما الكثير من التفسيرات حول العلاقات العاطفية، ونشرهما صعب في إيران، لكنهما أحسن حالا من الكتاب الإيرانيين الذين لا يستطيعون ذكر العلاقات بين الرجال والنساء في رواياتهم بسبب الرقابة. عندما اختارتني مؤسسة غوتنبرج السويدية لجائزة «ناشرة عام 2006» سألوني: كيف توضحين العلاقة بين النساء والرجال في كتبك ؟ قلت: نحن ملائكة، ليس لدينا علاقات. ماذا يعني هذا؟ يعني أننا في إيران لدينا رقابة ذاتية متعددة المستويات على كل أشكال الكتابة الأدبية، أولا من الكتاب والكاتبات أنفسهم، ثانيا من الناشرين لأنهم لا يريدون أن تمنع كتبهم. ثم ثالثا على حسب الذوق الشخصي لموظفي وزارة الإرشاد.  حتى الآن قمنا بترجمة 3 كتب فقط في «روشنغران» لأن إيران ليست عضوا في اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية، وبالتالي أنا كدار نشر ليست لدي حقوق الملكية الفكرية، ولا يستطيع أحد أن يشتري مني حقوقي الفكرية. فحتى إذا اشترينا نحن كدار نشر حقوق نشر كتاب معين لترجمته ونشره، ثم قامت دار نشر إيرانية أخرى بترجمته ونشره من دون أن تشتريه، لا نستطيع نحن في «روشنغران» وقف الكتاب، لأنه ليست هناك قوانين في إيران ضد هذا، إذاً الأمر عبثي، يجب أن نكون عضوا في اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية إذا أردنا أن نكون جزءا من صناعة النشر العالمية. قابلت هذا العام الكاتب الإيطالي امبرتو ايكو، وقال لي إن أحد كتبه نشر في إيران من دون إذن منه ولا من دار النشر التي يتعامل معها، وقال ضاحكا إنه حتى لم يتم إرسال نسخة واحدة له من كتابه بالفارسي. وأنا أسمي هذا «سطوا ثقافيا». هذه واحدة من مشاكل صناعة النشر في إيران، فإيران ليست مستعدة بعد للانضمام لمعاهدة حماية الحقوق الفكرية، لأننا لو وقعنا الاتفاقية فلن تستطيع وزارة الإرشاد مواصلة الرقابة بالشكل الذي تفعله الآن، لأنه عندما توقع حكومة ما اتفاقية حماية حقوق الملكية الفكرية، لا تستطيع أن تمارس الرقابة أو تقتطع جزءا من عمل كاتب أو مؤلف أجنبي، لأن هذا جزء من حقوق الملكية الفكرية. الحكومة تتعلل حاليا بأنها غير مستعدة لدفع حقوق الملكية الفكرية للكاتب ودار النشر لأن الكثير من الأعمال الأجنبية لا تتناسب مع المجتمع الإيراني، لكننا نعرف أن هذا ليس هو السبب وإنما مجرد عذر، وذلك لمواصلة الرقابة على الأعمال التي تنشر. فسوق الكتب الأجنبية في إيران جيدة، وهناك نهم للقراءة. وتتم إعادة طبع العديد من الكتب، ربما ما بين ثمان إلى عشر مرات وأحيانا أكثر.  صناعة النشر تأخذ غالبية وقتي، لكنها لا تأخذ وقتي كله، فأنا ناشطة في الحملة من أجل تغيير القوانين التي تميز ضد النساء في إيران، والمتحدثة الرسمية باسمها. نريد من خلال الحملة أن نستكشف إمكانيات التغيير في المجتمع الإيراني، هذا هو الهدف الأساسي، فإذا قلنا إن مليون شخص وضعوا أسماءهم وعناوينهم وتواقيعهم في إطار الحملة، فإن هذا يعني فعليا أن لدينا نحو 5 ملايين آخرين لا يريدون وضع أسمائهم ربما خوفا أو تحسبا. نحن النساء لا نواجه فقط المحافظين الرجال، بل المحافظات النساء، فأعضاء نساء بالبرلمان الإيراني هن اللواتي قدمن مسودة قانون تحديد حصة (كوتا) للنساء في الجامعات لا تتجاوز 50%. إحداهن قالت منذ فترة إن الحكومة يجب أن تدفع مقابلا ماديا للنساء اللواتي يحملن ويلدن أطفالا. هذا ليس جديدا، فهتلر طبقه في المانيا عندما كان في السلطة. كلما كان لديك أطفال أكثر تعتبرين مواطنة أفضل في المجتمع، لكن لا تقتربي من السياسة أو العمل أو الانخراط في أحزاب سياسية، فقط أبقي في المنزل، وأنجبي أطفالا.

المشكلة أن الضغط الذي تولده الكلمات لا يستطيع وحده أن يحل المشاكل، لا بد من قدرات مادية. عندما كنت أصغر سنا كنت أقول إنه لا بد من تغيير قوانين الزواج في إيران وحضانة الأطفال وحق الطلاق، لكن الآن بعد 40 عاما من الخبرة، عمري الآن 64 عاما، أقول إن الحرية الاقتصادية هي الأكثر أهمية، ويرتبط بهذا حق العمل للنساء، لأنه من دون هذا، فان كل الحقوق الأخرى، إذا توافرت، تصبح عديمة الجدوى. على سبيل المثال لا تتمتع كل النساء باستقلال اقتصادي، ما هي إذاً فائدة حصولهن على حق الطلاق، إذا لم يكن بإمكانهن العمل مثل الرجال وإعالة أنفسهن. حق الطلاق سيكون ميزة للأغنياء فقط، وليس للجميع، ولن يكون بمقدورهن الاحتفاظ بحضانة الاطفال.  لدينا في إيران منظمات أهلية غير حكومية، لكن لدينا أيضا منظمات تدعي أنها أهلية، وأنا أسميها «منظمات حكومية بالدبل» أحيانا أداعب أعضاءها من النسوة وأقول لهن: انتن أعضاء «جي جي أوز» لأن الحكومة شكلتهن كمنظمات أهلية، بعضهن حر، لكن الكثير منهن لم تتح لهن الفرصة للعمل بشكل حر ومستقل. فالحكومة تؤسسها وتخصص لها ميزانيات من عندها. وعندما تسأل الحكومة عن عدد المنظمات الأهلية في إيران، تقول: لدينا 1000 منظمة غير حكومية، لكن الحقيقي أن الكثير منها شكلته الحكومة. خلال مؤتمر بكين للمنظمات غير الأهلية عام 1995 ذهبت بعض هذه المنظمات الإيرانية التي تسمى أهلية، وهي ليست كذلك، وسأل أحد المسؤولين الصينيين: هل لديكم مشاكل في إيران؟ فردوا: لا.. ليست لدينا مشاكل. فرد: لماذا أنتم هنا اذاً؟  فعندما يأتي أحد المحسوبين على السلطات أو شخص يستطيعون الثقة به لإنشاء منظمة تسمى مثلا «حرية المرأة المسلمة»، أو أخرى باسم جمعية «قارئة القرآن النسائية»، هذه المنظمات يتم السماح لها. فإذا أردت أن تنشئي منظمة غير حكومية لمرضى السرطان أو حماية الأطفال أو لمرضى الكبد، أو منظمة تعاونية في قرية لحياكة السجاد، سيعطونك تصريحا. أيضا الأقليات الدينية في إيران مسموح لها بتشكيل منظمات غير حكومية، لكن بشرط عدم ممارسة أي نشاطات سياسية، لدينا منظمات يهودية وأرمنية وزرادشتية ومسيحية. أما المنظمات المستقلة المصرح بها فهي تلك التي تعمل في مجال البيئة مثلا، أو أحزاب الخضر. لدينا منظمة واحدة نسائية مستقلة وهي «النشاط الثقافي للمرأة»، وهي سببت مشاكل كثيرة للسلطات حتى الآن، فهي مثلا وراء حملة تغيير القوانين الإيرانية.  العمل في النشر له متعته والعمل في السياسة له عواقبه، فقد سجنت لمدة شهرين في سجن إيفين، شهر منهما في زنزانة منفردة، بسبب مشاركتي في مؤتمر برلين عام 2005. لكن في اليوم التالي تعودت على السجن. وقلت هذا هو روبي (معطفي) وهذه هي ملعقتي. كنا في مايو (أيار) وكانت هناك زهرة مرجريتا صغيرة تنمو على جانب من النافذة، وكنت اتتبع الضوء الذي يأتي من النافذة إلى الزنزانة، وأتحرك بحسب حركته، وأجلس تحته. كانت هذه حياتي في السجن. بعد الشهر الأول نقلت إلى زنزانة مع ناشطة ومثقفة إيرانية كانت أيضا في مؤتمر برلين.

 أعمل يوميا نحو 20 ساعة بين المكتب والمنزل، فزوجي توفي منذ سنوات، وأولادي يعيشون في أميركا. استيقظ بين الخامسة والنصف والسادسة صباحا، وأعمل حتى الواحدة أو الثانية صباح اليوم التالي. أنام نحو 3 ساعات في اليوم، وهذا يكفيني، فأنا لا أحب النوم إطلاقا، ولا أحب الأكل، وللحقيقة أحب الشاي أكثر من أي شيء. أذهب إلى «روشنغران» الساعة الثامنة صباحا، وعادة أتوجه إلى وزارة الارشاد والثقافة صباح كل يوم لسؤالهم عن كتبي وما إذا كانوا وافقوا عليها أم أن هناك اعتراضات، أو لتقديم نص جديد أريد نشره، أو لتحدي قرار اتخذوه. يجب أن أذهب كل يوم لأن لدي الكثير من الكتب هناك. أتشاجر معهم، أمازحهم. ويقول موظفو وزارة الإرشاد إنه عندما آتي، فإن المسؤولين يشعرون بالانزعاج، وعندما أخرج يتنفسون ارتياحا. يخافون مني في وزارة الإرشاد لأن لدي تجربة طويلة في النشر، ولأنني طويلة القامة ولساني حاد.

أسافر كثيرا، لكن عندما أسافر، لا أسافر أكثر من أسبوع لأن لدي الكثير من العمل في دار النشر، وما أقوم به لا أستطيع تركه للعاملين معي للقيام به، لابد أن أقوم أنا به، خصوصا المشاجرات مع وزارة الإرشاد. في وقت فراغي أحب قراءة الأدب، أنا أيضا أكتب الشعر. لكن الأدب يروقني، والروايات عالية المستوى تروقني. وحتى إذا توجهت إلى سريري الساعة الواحدة أو الثانية صباحا لا أستطيع النوم بدون القراءة. أنه تعود، إنه شيء في الذهن. أنفقت كل مالي على الكتب. أحب السينما، لكني لا أذهب إلى دور العرض العامة، أشاهد الأفلام في منزلي لأنه ليس لدي وقت، أحب الافلام الذكية، وأحب كل أنواع الموسيقى، ويوم إجازتي (الجمعة)، أبدأ بسماع الموسيقى ولا أتوقف عن سماعها إلا للذهاب للنوم. لدى ولدان يعيشان في أميركا، دائما يقولان لي: ماما لماذا لا تأتين لتعيشي معنا ؟ فأجيب: هل تقرآن في وجهي أنني يمكن أن أجهز الطعام وأقف بجانب النافذة بانتظار عودتكم من عملكم؟ أنا لدي حياتي، وأنتم لديكم حياتكم. طالما أستطيع القيام بعملي، لن اغادر بلدي. أنا سعيدة ومتفائلة، فأنا معروفة هنا، ليس لانني فزت بجوائز دولية، أعتقد أن أهم ميزة أتمتع بها هي أن الناس يثقون بي وبدار نشر «روشنغران»، وهذه ليست ميزة بإمكان كل دور النشر تحقيقها. الناس تأتي لتسألني: كم كتابا نشرت هذا الشهر؟ أرسليهم لنا.  لكن هناك من لا يريد لهذه الأفكار النمو، فقد أحرقت «روشنغران» بأكملها بقنبلة مولوتوف قبل سنوات. جاء مجموعة من الشباب وألقوا القنبلة، والحمد الله كان الوقت متأخرا ولم يكن هناك موظفون، ولم يصب أحد. سألت الجيران ما إذا كانوا شاهدوا أحدا أو أي شيء مشبوه. قالوا لا. جاءت الشرطة وقالت لي: هل تشكين في أحد بعينه قلت لا. فرد علي أحد رجال الشرطة: لماذا لم تضعي أسوارا من الحديد حول «روشنغران» فقلت: هذه دار نشر وليست بنكا. لم يقبض على أحد، أو يحاسب أحد. لكننا أعدنا بناء كل شيء من البداية، وواصلنا العمل. لدينا اليوم 14 موظفا، ولدينا فرع أمام جامعة طهران وهي أحد الأسواق الرئيسية للكتب. نستطيع المواصلة، ربما لا نحقق أرباحا كبيرة، لكن الوضع جيد. فعندما بدأت صناعة النشر في إيران كنت السيدة الوحيدة، الآن هناك نحو 400 دار نشر تملكها وتديرها نساء، وهذا رقم كبير. عندما أصبح هناك 10 دور نشر تمتلكها نساء، جمعتهن معا وقلت: حسنا لدينا في إيران اليوم عدد من الناشرات وآن الأوان ليكون لدينا اتحاد خاص بالناشرات، فأسسنا «اتحاد الناشرات الإيرانيات»، اليوم الاتحاد يضم 60 ناشرة، وهو أحد أقوى المؤسسات المدنية في إيران. بعد كل هذه السنوات في المهنة، دائما أقول: أنا ناشرة وهذه مهنة جيدة للنساء، إنها مهنة مستقلة، وشرف أن يكون المرء ناشرا. أنا متفائلة بالمستقبل، لأن ضغط التطور من الصعب وقفه. تستطيع أن تمنع النهر من التقدم للأمام، لكنك لا تستطيع أن تدفعه للوراء.