أرملة عراقية تنقذ منزلها في حي ببغداد.. لكنها تدفع حياتها ثمنا

سعدة استنجدت بجنود أميركيين وأكراد لاعتقال رجلين هدداها لتموت برصاص آخرين في اليوم التالي

TT

ظهر رجلان بعد ظهر الثلاثاء الماضي لإخراج أسرة سعدة سعدون من المنزل الذي تقطنه، وكان أحدهما يحمل مسدسا لامعا اسود اللون. تقطن سعدة، وهي عربية سنيّة، في حي غالبيته من الشيعة في غرب بغداد، وهي أرمله وأم لسبعة أطفال. وكانت هذه هي المرة الثانية التي تلاحق فيها الاسرة بهدف إخراج أفرادها من منزله. لكنها اضطرت هذه المرة لاستدعاء جنود اميركيين وأكراد من قاعدة تبعد أقل من نصف ميل من المنزل. حاول الرجلان الفرار من المكان على متن السيارة التي كانا يستقلانها، إلا ان الجنود أغلقوا الشارع وأوقفوا السيارة وأخرجوهما من داخلها. قالت سعدة ان الاسرة اذا تعرضت لأي شيء فإن هذين الرجلين سيكونان مسؤولين. اقتاد الجنود الرجلين الى مركبة هامفي، فيما صفق الجيران فرحا لما حدث. لقيت سعدة حتفها في صباح اليوم التالي بالرصاص وهي تسير أمام مخبز في السوق المحلي. وبعد ان حمل أفراد الشرطة جثتها لم يعد الشارع الضيق الذي قتلت فيه سوى بركة من الدماء وظرف لطلقة نارية فارغ والنصف العلوي من طقم أسنانها. قابلت سعدة عندما كنت برفقة الجنود الأكراد الذين ساعدوا في إلقاء القبض على الرجلين اللذين حضرا الى منزلها يوم الثلاثاء. وتعكس الساعات الأخيرة قبل مقتلها مدى عنف وإصرار أفراد الميليشيات الشيعية على إخراج العرب السنّة من العاصمة بغداد وتعقبهم لهم من منزل الى آخر ومن بناية الى أخرى بغرض إفراغ العاصمة من السنّة. يحدث ذلك على الرغم من إرسال آلاف من الجنود الاميركيين والعراقيين الى العاصمة بغداد كجزء من خطة الرئيس جورج بوش بزيادة عدد القوات العسكرية هناك لبسط الأمن. يقول الكابتن بنجامين موريل، الذي يقود سرية تابعة للفرقة 82 المحمولة جوا، وهي الفرقة المسؤولة عن الإشراف على مناطق من غرب العاصمة بغداد سيطرت عليها ميليشيات شيعية العام الماضي، ان عمليات الإبعاد من المنازل بدأت مجددا هذا الشهر. وأضاف الكابتن موريل ان ثمانية من الأسر السنيّة المتبقية في المنطقة، والتي تسكن على مقربة من قاعدة اميركية وعراقية، بدأت مجددا تتلقي تهديدات. وهناك أربع أسر تسكن الى الشمال من القاعدة المذكورة في منازل وضعت عليها ميليشيات شيعية علامةْ X ورشت أبوابها بطلاء أحمر كما أطلقت النار على المباني نفسها. اضطرت أسرتان لمغادرة المنطقة، واستيقظ أفراد الاسرتين الاخريين ليجدوا أفراد الميليشيات قد ربطوا الباب الخارجي لكل منزل بجنازير.

الأسر الاربع المتبقية في المنطقة القريبة من القاعدة العسكرية الاميركية والعراقية، بمن في ذلك أسرة سعدة، تسكن منازل تقع الى الغرب من القاعدة. ويقول الكابتن موريل إن سعدة كانت تبلغ أفراد القوات الاميركية والكردية بالتهديدات التي تتلقاها، وتلقت آخر تهديد بعد ظهر يوم الثلاثاء اثر حضور رجلين احدهما يدعى زهير نعمة، وهو الذي كان يحمل مسدسا. ادعى الرجلان لسعدة انهما يعملان ضمن الحراس التابعين لوزارة المالية وانهما تلقيا تعليمات بإخلاء المنزل من ساكنيه طبقا لتعليمات الوزارة التي اتخذت قرارا بإعادة امتلاك المنزل نيابة عن الحكومة العراقية. المنزل الذي كانت تقطنه سعدة وأسرتها واحد من 80 منزلا في المنطقة كانت تتبع للحكومة قبل الغزو الاميركي في مارس (آذار) 2003. ودفعت سعدة صيف ذلك العام مبلغ 10000 دولار لشراء المنزل من أشخاص كانوا يسكنونه بوضع اليد، وفي وقت لاحق باعت غرفتين من المنزل لشخص يدعى ابو بارق، وهو جندي سنّي انتقل للسكن في الغرفتين مع زوجته وأطفاله الثلاثة. وفي ذلك الوقت كان يقطن المنزل حوالي 15 شخصا من ثلاث أسر. قالت سعدة انها كانت تدرك ان الأوراق التي قدمها لها الرجلان بغرض إثبات الجهة التي ادعيا العمل بها كانت مزورة، كما اكدت ايضا انهما حاولا عمل نفس الشيء قبل حوالي اسبوع. دعت سعدة الرجلين للدخول الى المنزل وأجرت بهدوء اتصالا من هاتفها الجوال بالقاعدة بالكابتن موريل وضابط كردي برتبة رائد يدعى زيرك نوري صلاح في الساعة الثانية و46 دقيقة لتبلغهم بأن الرجلين حضرا للمنزل مرة ثانية. توجهت مجموعة من أفراد القوات الاميركية والكردية الى منزل سعدة، وفي نفس الوقت تلقى واحد من الرجلين اتصالا هاتفيا من شخص أبلغهما بأن هناك قوات اميركية وعراقية في طريقها الى المنزل، وحاولا الفرار إلا انهما أوقفا في نقطة تفتيش تديرها قوات كردية في مدخل الشارع خارج منزل سعدة. وتجمع سكان المنزل حول البوابة الأمامية بعد إلقاء القبض على الرجلين. كانت سعدة تتحدث بصوت عال عندما كان الرجلان يخضعان للتفتيش بواسطة أفراد القوات الكردية، وقالت انهما يتبعان لميليشيات جيش المهدي وانهما ظلا يحاولان إخراجها وأسرتها من منزلها لأنها من السنّة. وقالت ايضا انهم ظلوا يتلقون تهديدات على مدى عام كامل، وأضافت موجهة حديثها الى أفراد القوات الاميركية والكردية التي حضرت الى المنزل، انهم اذا لم يتمكنوا من حل مشاكلها فإنها ستذهب بالأمر الى المنطقة الخضراء. قال أحد الرجلين وهو جاث على الأرض بعد إلقاء القبض عليهما، انه لم يفعل شيئا مخالفا للقانون وانه جاء الى هذا المكان تنفيذا لأمر حكومي بإخلاء هذه المنازل. إلا ان مترجما عراقيا يعمل مع الوحدة العسكرية الاميركية أبلغ الكابتن موريل أن المنازل الوارد ذكرها في الأوراق التي قدمها الرجلان لسعدة تشير الى منازل في حي سكني آخر ولا علاقة لها بمنازل هذه المنطقة. وتوجه الجنود الاميركيون والأكراد الى المركبات العسكرية التي كانوا يستقلونها، واقتيد الرجلان الى القاعدة العسكرية القريبة. بدا ارتياح واضح على جيران سنة قال بعضهم انه تعرض لتهديدات بالمغادرة خلال يومين أو مواجهة القتل. أصدر الكابتن موريل تعليمات مساء ذلك اليوم بنقل الرجلين الى مركز اعتقال بالقرب من مطار بغداد وتسيير دوريات لجنود اميركيين وأكراد في الحي بحثا عن شخص يدعى ابو حازم قالت سعدة ان الرجلين يعملان معه. إلا ان القوات لم تنجح في تحديد مكانه لإلقاء القبض عليه والتحقيق معه. سمع الكابتن موريل بمقتل سعدة ظهر نفس اليوم على مقربة من نقطة التفتيش التي ألقي القبض فيها على الرجلين اللذين حاولا إخراجها وأسرتها من المنزل. بدا وجه موريل شاحبا بعد ان تلقى خبر مقتل سعدة في السوق المحلي. كان صوت النحيب واضحا من منزل سعدة، حيث تجمع عدد من النساء مع بناتها في انتظار وصول جثمانها من المستشفى. وفي صباح اليوم التالي لم يكن هناك أثر لأي شخص في المنزل.

*خدمة «نيويورك تايمز»