تقرير فينوغراد يمهد لصعود اليمين المتطرف وقد يفتح الباب أمام ليفني

استقالة وزير إسرائيلي تحدث أول شرخ في الحكومة

TT

فيما يمثل اول شرخ حقيقي في حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود أولمرت، بعد اللوم القاسي الذي وجهه اليه التقرير المرحلي عن الاخفاقات في حرب لبنان الاخيرة، اعلن الوزير من دون حقيبة في الحكومة الاسرائيلية ايتان كابل استقالته من الحكومة في حين اخذت الدعوات الى استقالة اولمرت حجما ضخما الى حد انتفاء الاصوات المؤيدة لبقائه الى حدود الدائرة القريبة منه.

وفي مؤتمر صحافي عقده ايتان كابل في تل ابيب قال الوزير المستقيل انه لا يمكنه الجلوس في حكومة يرأسها اولمرت في اعقاب التقرير الخطير الذي صدر عن لجنة فينوغراد، وتعهد كابل على العمل على دفع اولمرت نحو الاستقالة. وقال كابل «لا يمكنني بعد نشر هذا التقرير البقاء في حكومة برئاسة ايهود اولمرت» معتبرا ان على رئيس الوزراء الذي «فقد ثقة الشعب ان يستقيل على الفور».

وقال كابل إنه سيحاول إقناع حزب العمل بالانسحاب من الائتلاف مع حزب «كاديما». ويجري حزب العمل انتخابات لاختيار زعيم الحزب في 28 مايو (ايار) الجاري من المتوقع على نطاق واسع أن يخسرها عمير بيرتس.

ويحتل حزب العمل 19 مقعدا بين 78 من المقاعد التي يسيطر عليها الائتلاف الحاكم بقيادة أولمرت في الكنيست المكون من 120 عضوا.

وقال تقرير تلفزيوني ان اغلب نواب حزب كاديما الذي يتزعمه اولمرت يعتزمون حثه على الاستقالة بعد ان وجه تقرير انتقادات شديدة لاسلوب معالجته للحرب في لبنان العام الماضي.

وقال تلفزيون القناة الثانية الاسرائيلي ان النواب سيطالبون أولمرت بالتنحي من زعامة الحزب في اجتماع من المتوقع ان يعقد غدا وهو اليوم نفسه الذي سيجتمع فيه البرلمان في جلسة خاصة لمناقشة نتائج التقرير الخاص بالحرب في لبنان.

وتوقعت مصادر اسرائيلية مطلعة أن يقتفي المزيد من الوزراء اثر كابل في تقديم استقالاتهم. ولم يستبعد التلفزيون الإسرائيلي أن تقدم وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيفي ليفني استقالتها من الحكومة احتجاجاً على ما جاء في التقرير. واشارت المصادر الى أن ليفني التي رفضت التضامن مع اولمرت في اعقاب صدور التقرير تراهن على أن يؤدي التقرير الى استقالة اولمرت، وبالتالي فتح الطريق أمامها لخلافته. ولكن ليس هناك شخصيات تذكر في الائتلاف الحاكم الذي يسيطر على ثلثي مقاعد الكنيست مستعدة لمواجهة انتخابات جديدة، كما أن أيا من منافسي أولمرت في حزب «كاديما» لم يسع علانية لتولي المنصب الذي يعتبره الكثيرون عسلا مرا.

ونقلت وكالة رويترز للانباء عن اسرائيل مايمون، العضو في مجلس الوزراء، قوله «علينا أن نطرح سؤالا: هل الوقت ملائم لخوض انتخابات أم لتنفيذ ما ورد بالتقرير؟».

وبدأت رياح عصيان تعصف حتى في صفوف «كاديما» حزب اولمرت ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن مسؤول في حزبه، طلب عدم كشف هويته، «انها مسألة ايام قبل ان يدعو احد ما في كاديما اولمرت علنا الى الاستقالة».

وكشف استطلاع للرأي بثت الاذاعة العامة امس نتائجه ان حوالي سبعين بالمائة من الاسرائيليين يريدون استقالة اولمرت مقابل 15% يرون انه ما زال قادرا على البقاء في السلطة، وخصوصا بعد ان جاءت نتائج تقرير لجنة التحقيق اشد قسوة من التوقعات حولها. وقد قدم امس طلب الى المحكمة الاسرائيلية العليا للمطالبة بإقالة رئيس الوزراء ايهود اولمرت من مهامه.

وبعد سلسلة من اتهامات بالفساد والكسب غير المشروع أصبح الكثير من الاسرائيليين مستائين من الطبقة الحاكمة، ورأى البعض في التقرير الذي صدر عن الحرب القشة التي قصمت ظهر رئيس الوزراء.

وكان اولمرت قد اعلن انه يرفض الاستقالة. وقال في خطاب تم بثه عبر الاذاعة والتلفزيون «لن يكون مناسبا ان استقيل ولا انوي ذلك».

وأقر بوجود «اخطاء عديدة ارتكبها الذين اتخذوا قرارات، وانا على رأسهم. يجب تصحيح هذه الاخطاء».

من ناحية ثانية، تعقد الحكومة الاسرائيلية اليوم اجتماعا خاصا لمناقشة التقرير. وسيعقد هذا الاجتماع في ظل تظاهرة كبيرة للدعوة الى استقالة اولمرت ووزير دفاعه عمير بيرتس في تل بيب بدعوة من منظمات يمينية ويسارية وجمعيات الدفاع عن جنود الاحتياط واسر حوالي 160 جنديا او مدنيا قتلوا في الحرب الاخيرة.

من ناحية أخرى، اجمعت وسائل الاعلام الاسرائيلية على أنه على الرغم من موقف اولمرت الرافض للاستقالة، إلا انه سيجد نفسه مضطراً لترك منصبه في اعقاب التقرير. وقال رفيف دروكير المعلق السياسي في القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي الليلة قبل الماضية في تعليقه على تداعيات التقرير إنه على الرغم من أن أولمرت أعلن أنه ليس في نيته تقديم الاستقالة في اعقاب صدور التقرير، فإن كل الدلائل تشير الى أن مستقبله السياسي انتهى، بسبب تعالي الأصوات داخل حزبه المطالبة باستقالته، والتي تتزعمها وزيرة الخارجية تسيفي ليفني، وبسبب التحرك الجماهيري الواسع المطالب بتقديمه الاستقالة. واشار جابي بيري، مراسل الشؤون الحزبية في القناة، الى أنه يمكن لحزب «كاديما» أن ينصب ليفني محل اولمرت، لضمان بقاء الحزب في الحكم، ولتلافي اجراء انتخابات جديدة. واستدرك بيري قائلاً إنه حتى لو تسنى ذلك، فان من المشكوك فيه أن يكون بوسع ليفني ادارة دفة الأمور بشكل مقنع، ناهيك من أن تقرير فينوغراد أشار ايضا الى عدد من مظاهر التقصير في أداء ليفني كوزيرة للخارجية في زمن الحرب. واشار بن كاسبيت، كبير المعلقين في صحيفة «معاريف» الإسرائيلية الى أن الذي يؤكد أن حكومة اولمرت في طريقها للتفكك، هو أن حزب العمل لا يمكنه أن يبقى شريكاً في حكومة بعد اجراء الانتخابات التمهيدية في نهاية الشهر الجاري لاختيار زعيم جديد للحزب. واضاف أن أي زعيم جديد للحزب لن يغامر بالموافقة على البقاء في حكومة يرأسها أولمرت، وبالتالي فإن كل الدلائل تؤكد أن حكومة اولمرت ستسقط وستجرى انتخابات جديدة. ولا خلاف بين المراقبين في الدولة العبرية على أن اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتنياهو سيفوز بشكل كاسح في هذه الانتخابات. واعتبر روني دانئيل، المراسل العسكري للقناة الثانية في التلفزيون، الى أن التقرير وبّخ الحكومة الإسرائيلية الحالية والحكومات السابقة لأنها لم تحرك ساكناً من أجل منع حزب الله من مراكمة أسباب القوة في لبنان وخصوصاً في جنوبه، وتحديداً بالقرب من الحدود مع اسرائيل. وقد شدد جميع الجنرالات والمعلقين الإسرائيليين على أن أول استنتاج من التقرير يتوجب على الحكومة الإسرائيلية الحالية والحكومات القادمة أن تعيه هو أن عليها أن تبادر الى القيام بأعمال عسكرية لمنع الأطراف التي تناصب إسرائيل العداء من مراكمة عناصر قوة يمكن أن تهدد الأمن الإسرائيلي. وقال الجنرال عوزي ديان، الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة بـ«أمان» أن التقرير يفرض على الحكومة الحالية في حال لم تسقط أن تبادر الى شن حملة عسكرية على قطاع غزة، لمنع حركة حماس من مواصلة بناء قوتها العسكرية، ومنع حركات المقاومة الفلسطينية من مواصلة إطلاق الصواريخ على التجمعات الاستيطانية اليهودية في النقب. واشار المراقبون الى أن ما ينطبق على قطاع غزة ينطبق على لبنان، حيث أنه لا خلاف بين المستويات العسكرية والسياسية والنخب الإعلامية العبرية التي علقت على التقرير على أنه يتوجب مراقبة حزب الله والمبادرة الى العمل عسكرياً ضده في حال أظهر أي توجه لإعادة بناء قوته في الجنوب. وينعكس تقرير فينوغراد على الموقف من البرنامج النووي الإيراني. وقد قال نائب وزير الحرب الإسرائيلي افرايم سنيه إن عدم التحرك بجدية كبيرة ضد المشروع النووي الإيراني سيمثل تقصيرا هائلا وغير مسموح به. واشار العديد من المراقبين في اسرائيل الى أن التقرير عمل على «عسكرة» أجندة إسرائيل ومجتمعها، وأصبح على رأس أولويات الحكومة تعزيز قوة الجيش ومراكمة أسباب القوة لديه، عبر زيادة الموازنات له من أجل تمكينه من إجراء التدريبات الضخمة، سيما تدريب قوات الاحتياط التي تشكل 70% من القوة البشرية في الجيش الإسرائيلي. وأشار المراقبون الى أن التقرير سيزيد من مظاهر العسكرة في السياسة الإسرائيلية، لأنه ربط بشكل واضح بين انعدام الخلفية العسكرية لكل من اولمرت وبيرتس وبين فشلهما في أداء مهامهما.