عمال التنظيف في بغداد: نودع بعضنا بعضا صباح كل يوم خشية أن يفرقنا الموت

أمانة العاصمة: فقدنا أكثر من 325 منتسبا في أعمال إرهابية خلال الستة أشهر الماضية

TT

مع بزوغ الفجر ينساب المئات من الشبان الذين تتراوح أعمارهم ما بين 13ــ20 عاما من أفقر أحياء العاصمة بغداد، ليتجمعوا عند مديريات البلديات التي تأخذ على عاتقها ورغم كل ما تشهده المدينة من مخاطر مهمة تنظيف الشوارع العامة والأحياء السكنية. وترى الشبان يصطفون أمام البلديات كالوحدات العسكرية المنظمة ينتظرون مسؤولي القطاعات أو المراقبين الذين يحملون سجلات تتغير محتوياتها كل يوم؛ فالذي يحضر اليوم قد لا يحضر غدا، وهناك من يشطب اسمه بالأحمر ويكتب أمامه «استشهد». وأغرب ما في الأمر حسب قول علي شلال، 19 عاما، فان «بعض المناطق نعتبرها خطرة لدرجة أن الكثير يرفض العمل بها، رغم أن المراقبين يعطونا أجورا أعلى في حال قبولنا العمل هناك». وهنا تدخل الواسطة والتوصيات لتشغيل البعض في المناطق الأكثر آمنا.

وبعد الانتهاء من تسجيل الأسماء يتم توزيع أدوات التنظيف على الشبان؛ وهي عبارة عن مكنسة ومجرفة وصدرية بألوان فسفورية قد تقيهم حوادث السير، لكنها للأسف ليست مضادة للرصاص ولا تقيهم رشقات النيران التي تطلق عليهم من قبل الجماعات المسلحة، ولا من شظايا العبوات الناسفة والسيارات المفخخة التي تكون الأقرب لهم من غيرهم. وبعد تجهيزهم تنطلق بهم سيارات التنظيف إلى أماكن عملهم، وهنا ترى الشبان يرفعون أيديهم لتوديع بعضهم البعض وكأنهم يقولون «قد لا نعود اليوم لنرى بعضنا البعض».

على جسر محمد القاسم السريع تجد العشرات من المنظفين مهمتهم رفع ما تجمع عليه من أتربة ونفايات مصدرها الأساسي هو المواطن الذي لا يتمتع بالوعي الكامل، فيمكن مشاهدة الأكياس وعلب المشروبات الغازية ترمى من نوافذ السيارات، ورقيبهم الوحيد، بحسب قول علي شلال، هو ضمائرهم، مضيفا في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن بغداد بجانبيها الكرخ والرصافة تحتاج إلى أكثر من ألف عامل يوميا «وقد يرتفع هذا العدد للضعف في أيام الحملات وغيرها ومعظمهم يتحدرون من عوائل فقيرة جدا تعيش في مناطق تقع في أطراف بغداد، مثل مدينة الصدر والرشاد، كما تجد بيننا شبابا مشردين أي ليس لديهم عوائل ويعيشون في الشوارع أو المناطق الموبوءة مثل البتاوين والباب الشرقي».

وبين شلال أن المراقبين يراعون قرب مناطق العمل من منطقة السكن، لكن بعض المناطق قد لا تجد فيها شبانا يرغبون بهذا النوع من العمل «ولهذا تجدنا نعمل في مناطق بعيده وخطرة في بنفس الوقت مثل الاعظمية والكرادة، وكثيرا ما نفقد أصدقاء لنا في هذه المناطق».

محمد حسين حياوي، 15 عاما، أوضح انه لا يمر يوم إلا ويتعرض رفاقه لحوادث وتوقف عن الكلام برهة من الزمن وتابع «وجدتنا اليوم وتحدثنا معك، لكن غدا الله أعلم قد ندرج ضمن سجلات الوفيات». وقال «نحن لا نخشى من هذا الأمر، لكننا نخشى على مصير عوائلنا بعدنا؛ فتحملنا العمل الخطر وطوال ساعات اليوم وبأجر يومي قليل هو في سبيل مساعدة أهلنا وتأمين سبل العيش لهم بشرف. الناطق الإعلامي لأمانة بغداد بين وعن استمرار استهداف عمال التنظيف، أن أمانة العاصمة «قدمت وخلال أقل من الستة أشهر الماضية أكثر من 325 شهيدا وعددا كبيرا جدا من الجرحى، وكان آخر الضحايا حسين علي محسن وحسين محمد مهدي ويعملان بأجور يومية، استشهدا نتيجة انفجار عبوة ناسفة في منطقة الصليخ الجديد (شارع 48) ضمن قاطع بلدية الأعظمية».