الجيش اللبناني يسهل نزوح 15 ألف فلسطيني ومنظمة التحرير تستكمل بحث آلية الحل مع السنيورة

هدنة التموين وإجلاء الجرحى من نهر البارد تحرك المعالجة السياسية

TT

الهدنة غير المباشرة التي اوقفت القتال بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الاسلام» الاصولي في مخيم نهر البارد الفلسطيني بشمال لبنان منذ بعد ظهر اول من امس، صمدت امس مفسحة في المجال امام حوالي 15 الف فلسطيني لمغادرة المخيم الى مناطق آمنة بعد اربعة ايام من الحصار نتيجة المعارك. وفيما اكدت مصادر عسكرية لبنانية «الحرص على النازحين وأمنهم وسلامتهم» متمنية عليهم «تقدير ظروف المؤسسة العسكرية وما تعرضت له من غدر المسلحين» وان الجيش «لم يبادر الى اطلاق النار ملتزماً اجواء الهدنة الانسانية» تواصلت المساعي الهادفة الى معالجة الازمة سياسياً على خلفية «ازالة هذه الظاهرة (فتح الاسلام) كلياً» كما تطالب الفصائل الفلسطينية والقوى السياسية اللبنانية.

وقد كرر ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عباس زكي، اثر زيارته البطريرك الماروني نصر الله صفير امس تأييد الموقف اللبناني في معالجة الازمة، مشيراً الى الاتفاق مع البطريرك على ان «هذه المعركة تدور ضد عصابات لا هوية لها ولا انتماء... وليست ذات صلة بالقضية الفلسطينية، انما جاءت شبه وباء على مخيم نهر البارد». وتمنى «ان يفرق اللبنانيون بين الفلسطينيين وهذه العصابة»، مؤكداً «ان الموقف الفلسطيني هو مع الجيش».

هذا ولم تشر التقارير الميدانية الى اي عمليات عسكرية ذات شأن امس. بل ان الهدوء لف محاور نهر البارد ومحيطه. واستمر نزوح العائلات نحو الاماكن الآمنة. فيما واصل الجيش اللبناني تقديم التسهيلات لإجلاء الجرحى ومساعدة الذين قرروا البقاء في المخيم. وقد احكم الجيش سيطرته على مداخل مخيم نهر البارد ومحيطه كافة بتقدم ملحوظ باتجاه المخيم وتحديداً المدخل الشمالي. وأصبح عند ما يعرف بساحة القدس التي تعتبر تقريباً داخل المخيم. ويواصل الجيش عمليات الدهم والاعتقال لعدد من المشتبه بهم في المنطقة. وقالت وكالة رويترز أمس عن «مصدر مسؤول في وزارة الدفاع» قوله ان بين 50 و60 مقاتلا من جماعة فتح الاسلام قتلوا هذا الاسبوع في المعارك.

وفي معلومات اخرى ان الجيش تقدم لمسافة 500 متر داخل المخيم وسيطر على بعض الابنية التي كان المسلحون يتمركزون فيها. وهو يسير دوريات ويقيم حواجز ثابتة على طول الطريق الممتدة من منطقة العبدة وصولاً الى طرابلس.

وفي تقرير ميداني لمراسل «الشرق الأوسط» في شمال لبنان ان الهدوء الحذر الذي سيطر طوال يوم امس سمح بتكثيف الاتصالات من اجل معالجة حالة تنظيم «فتح الاسلام» الطارئة على مخيم نهر البارد. فيما انشغلت هيئات الاغاثة، ولاسيما منها التابعة للامم المتحدة، في تقديم المساعدة الى النازحين. وباستثناء خرق محدود حصل بين الخامسة والسادسة من صباح الاربعاء على محاور المخيم استخدمت فيه الاسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة، ساد الهدوء الحذر محاور المخيم الذي يضم نحو خمسة وثلاثين الف لاجىء.

وذكر نازحون من نهر البارد ان مسلحين تابعين لـ «فتح الاسلام» وضعوا يدهم على بعض المؤسسات الاجتماعية التابعة لأحد المساجد داخل المخيم، ربما من اجل التحكم بتوزيع المساعدات قبل ان تقدم الفصائل الفلسطينية الاخرى على حزم امرها ووضع حد لهذه الظاهرة التي رفضتها معظم القيادات الفلسطينية.

ولوحظ ان اي مجموعة من النازحين لم تتوجه الى مدينة طرابلس التي كانت تستعد لفتح المؤسسات التربوية والعامة لاستقبالهم، او الى مناطق اخرى كالمنية وجوارها، وذلك على خلفية التحركات التي نظمت في المخيمات اول من امس حيث عمد المشاركون في التظاهرات الى توجيه اتهامات الى رئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة وقائد الجيش العماد ميشال سليمان وبعض الوزراء. الامر الذي لقي استهجاناً في مختلف الهيئات الشعبية في هذه المناطق.

على صعيد المعالجة السياسية، التقى رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ممثل منظمة التحرير الفلسطينية عباس زكي. وخصص الاجتماع لاستكمال البحث في موضوع نهر البارد من النقطة التي انتهى اليها خلال اجتماع السنيورة بالوفد الفلسطيني الموحد اول من امس. وعقب الاجتماع اكتفى زكي بالقول: «نحن مستمرون بالعمل بآلية المعالجة التي توافقنا عليها مع الحكومة ومع قيادة الجيش. وسنتابع لقاءاتنا بعيداً عن الاعلام».

وتلقى السنيورة اتصالاً هاتفياً من وزير خارجية ايطاليا ماسيمو داليما الذي ابلغه دعم حكومة بلاده «بشكل كامل وحازم للحكومة اللبنانية في إجراءاتها ضد المنظمة الإرهابية التي اعتدت على الجيش اللبناني». كما اتصل السنيورة برئيس الوزراء المغربي إدريس جطو ورئيس وزراء تونس محمد الغنوشي ووضعهما في الأجواء الراهنة في لبنان.

واستقبل زكي في مقر ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت، المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان غير بيدرسن. وذكر بيان للممثلية الفلسطينية انه تم الاتفاق على التعاون المشترك والتواصل «لمعالجة الاوضاع الانسانية الصعبة التي يعانيها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان».

وزار زكي الرئيس السابق للحكومة اللبنانية سليم الحص. وعرضا التطورات والموقف الفلسطيني «الذي رفض ظاهرة فتح الاسلام وشدد على ضرورة معالجتها وانهائها». وكان زكي زار البطريرك الماروني نصر الله صفير واكد له «وقوف جميع الفصائل الفلسطينية الى جانب الجيش اللبناني». ورداً على سؤال اذا كان يؤيد دخول الجيش الى المخيم بعد اخلائه من المدنيين، اجاب زكي: «هذا قرار لبناني». وعن التصعيد في كلام العميد سلطان ابو العينين في الايام الماضية، افاد زكي: «لقد نفى ابو العينين ما قيل عن لسانه». واكد ان «جميع الفصائل لها رأي واحد في موضوع فتح الاسلام. وهم براء منها لانها لا هوية لها ولا انتماء ولا تمت الى فلسطين بأي صلة».

الى ذلك، شارك زكي في اجتماع طارئ عقده «اللقاء التشاوري الصيداوي» امس في دارة آل الحريري في مجدليون بدعوة من النائبة بهية الحريري، وحضره ممثلون عن الفصائل الفلسطينية وتحالف القوى الفلسطينية والقوى الاسلامية واللجان الشعبية، الى جانب ممثلي هيئات دينية وسياسية واقتصادية وثقافية في صيدا والجنوب. وصدر عن المجتمعين بيان نددوا فيه بـ«التعرض للجيش اللبناني رمز وحدة اللبنانيين وسيادتهم». وكشف مسؤول حركة «فتح» العقيد منير المقدح لـ«الشرق الاوسط» عن وساطة تقوم بها «عصبة الانصار» الفلسطينية ورجال دين لبنانيون وفلسطينيون من صيدا وطرابلس ومخيم عين الحلوة في محاولة لحل الازمة في مخيم نهر البارد بالطرق السلمية واكد ان الامور «تسير بطريقة ايجابية».

وعقد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى اجتماعا طارئا لهيئتيه الشرعية والتنفيذية برئاسة نائب رئيسه الشيخ عبد الامير قبلان. ورأى المجتمعون في الاعتداءات على الجيش والقوى الامنية في الشمال والتفجيرات التي طاولت الآمنين وهددت استقرارهم في بيروت «بداية لمرحلة خطيرة وموضعا لسؤال كبير عن الاهداف والخلفيات التي ادت الى توريط البلاد في هذه الازمة والمسؤوليات المترتبة على الفريق الحاكم