مخيم نهر البارد: جثث في الشوارع وقوافل الإغاثة تتعرض للقصف

مشاهد الدمار تعيد ذكريات القتال الدموي في لبنان

TT

بعد ثلاثة أيام من القتال، أصبحت حقيقة المعركة في مخيم نهر البارد الواقع قبالة البحر، جلية عبر جولة بالسيارة قمنا بها أول من أمس في المنطقة أثناء توقف قصير للمعارك. فالجثث تنتشر في الشوارع، بعضها لم يجر سحبها منذ ثلاثة أيام من القتال.

ومع اقتراب سيارتنا، خرج سكان فلسطينيون خائفين من مخابئهم، ثم اندفعوا للاختباء مرة أخرى عندما فتح القناصة النار عليهم من اتجاهات مختلفة. وفي الوقت نفسه، انتهت مظاهرة عفوية ضد المعارك بسرعة عندما تعرض المتظاهرون لإطلاق النار، مما أدى إلى مقتل اثنين منهم وإصابة العديد بجروح.

وسرعان ما دوت أصوات المدافع على بعد إيذانا بوقوع هجوم، وبعدها بدقائق سقطت مدافع الهاون على قافلة تابعة للأمم المتحدة كانت تنقل مواد غذائية وإمدادات طبية ينتظرها الأهالي بفارغ الصبر.

في المخيم، لم يعد أي شخص آمنا من مخاطر العنف. فبعد ثلاثة أيام من اندلاع القتال بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الإسلام الفلسطينية المتطرفة، أعادت المشاهد داخل المخيم صورة الماضي الدموي في لبنان.

وقد أثارت تحذيرات صادرة عن جماعات فلسطينية في مخيمات أخرى بالإضافة إلى عملية انتحارية في شقة في طرابلس، المخاوف من احتمال تفشي النزاع إلى مناطق أخرى من البلاد مما يؤدي إلى تعميق حالة انعدام الاستقرار التي تعاني منها حكومة فؤاد السنيورة.

ويوجد أكثر من 40 ألف فلسطيني محاصر داخل مخيم نهر البارد بلا مياه أو كهرباء في الوقت الذي تنخفض فيه إمدادات الطعام مع استمرار القصف الذي بدأ يوم الأحد، وهو ما يمنع فرق الإغاثة من دخول المخيم.

وحتى بعد وصول المساعدات، تعرضت قافلة الإغاثة إلى قذائف الهاون. ولم يصب احد في الهجوم، كما ذكر مسؤول في الأمم المتحدة، إلا أن الشاحنات تركت في مكانها بعدما أخلى عمال الإغاثة المنطقة بسرعة.

ومع وصول عمال الإغاثة، استغل البعض فرصة الهدوء للخروج من المخيم، على متن سيارات خاصة حمل العديد منها نساء وأطفالا يلوحون بإعلام بيضاء من سيارتهم. وكان القناصة يتمركزون على تلة مطلة على آخر جزء من الطريق المؤدي إلى المخيم ـ البعض منهم ينتمي إلى فتح الإسلام والبعض الآخر للجيش ـ وراحوا يفتحون النار على السيارات وهي هاربة من المخيم، كما قال لاجئون.

وخلال هدنة جديدة، ركب الآلاف من الفلسطينيين سياراتهم هاربين من المخيم. وقد هرب معظمهم إلى مخيم البداوي القريب الواقع على بعد 10 أميال.

وقالت ياسمين عبد العين التي تركت المخيم «كان الأمر أسوأ من جهنم. كان الجيش ومقاتلو فتح الإسلام يطلقون النار على بعضهم البعض، إلا ان القنابل والرصاص كانت تسقط علينا. كنا ننتظر الموت».

وكان القتال، وهو اخطر معارك من نوعها منذ نهاية الحرب الأهلية في التسعينات، قد بدأ يوم الأحد الماضي عندما نفذت قوات الأمن اللبنانية عملية مداهمة لأحد المباني بحثا عن لصوص سطوا على مصارف على علاقة بجماعة فتح الإسلام. وتحولت العملية بسرعة إلى مواجهة شاملة عندما بدأت مجموعات تنتمي للجماعة بمهاجمة مواقع الجيش على أطراف المخيم.

وفي فترة مبكرة من يوم أول من أمس، حاصرت قوات الأمن المبنى نفسه في وسط طرابلس، بحثا عن متطرف يشتبه باختبائه في المبنى، ولكن مع اقتراب قوات الأمن منه، قام بتفجير نفسه، طبقا لما ذكره مسؤول امني.

وقال المسؤول الأمني «هذا عمل إرهابي، لا يمكن لأي جماعة أخرى أن تفعل ما فعله هذا الرجل». وأوضح أن قوات الأمن الداخلي حاصرت المبنى بعد معارك يوم الأحد، إلا أن المتطرف كان يختبئ في شقة في طابق آخر.

وفي تطور آخر يذكر بالماضي الدموي، توجهت مجموعة من الشباب بلباس مدني ويحملون بنادق «إم ـ 16» جديدة في كامل استعدادهم للقتال إلى احد مداخل المخيم ظهر أول من أمس وطلبت من الجيش السماح لهم بالدخول. وبعد نزاع قصير، سمح لهم الجيش بحراسة منطقة قريبة، إلا انه منعهم من دخول المخيم.

ويقول الفلسطينيون إن القصف كان يستهدفهم هم أيضا وليس المتطرفين فقط. وقد احرق المتظاهرون في مخيمات لاجئين اخرى بما فيها مخيم عين الحلوة اكبر مخيمات الفلسطينيين في لبنان ومخيم الرشيدية، إطارات السيارات ورددوا هتافات تندد بالمعارك، هاتفين «لن نسمح بذبح إخواننا الفلسطينيين» طبقا لما ذكرته وكالة «اسوشييتد برس» للأنباء.

وحذر سلطان أبو العينين أمين سر حركة فتح الفلسطينية في لبنان، في تصريحات للصحافيين بعد انتهاء لقائه مع رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، من حدوث «انتفاضة في المخيمات في لبنان إذا لم يتوقف القصف العشوائي».

وقال علي العربي الذي فر مع أسرته من المخيم مساء الاثنين، إن القتال لم يحقق أي نتيجة سوى قتل الأبرياء. وأضاف «لا يوجد إلا حل سياسي للنزاع. كل قذيفة تسقط على المخيم تؤدي إلى مقتل شخصين إلى ثلاثة. إذا ما رغبوا في حل عسكري، عليهم تدمير المخيم بأكمله».

*خدمة «نيويورك تايمز»