تقارير عن تفتت مجلس إنقاذ الأنبار وسط اتهامات لأحد قيادييه بـ«الخيانة»

عشائر صلاح الدين تقرر محاربة «القاعدة»

TT

بدأ تحالف عشائري تشكل لمواجهة جماعة «القاعدة» في العراق، وهو تطور يقول عنه مسؤولون أميركيون انه قلص العنف في محافظة الأنبار، بدأ بالتفتت وفقا لما قاله زعيم عشائري في الأنبار ومسؤول عسكري اميركي مطلع على اوضاع ومواقف العشائر. وفي مقابلة معه في مكتبه ببغداد قال علي حاتم علي سليمان، 35 عاما، وهو زعيم تنظيم عشائر الدليم، الأكبر في الأنبار، ان مجلس انقاذ الأنبار سينحل بسبب عدم القناعة الداخلية المتزايدة بشأن التعاون مع الجنود الأميركيين وسلوك العضو الأبرز في المجلس، وهو عبد الستار ابو ريشة. ووصف سليمان أبو ريشة بكونه «خائنا» و«يبيع معتقداته ودينه وأهله من أجل المال».

ونفى ابو ريشة، الذي يتمتع بدعم القادة العسكريين الأميركيين، المزاعم وقال ان المجلس لا يواجه خطر التفكك. وقال انه «ليس هناك شيء من هذا القبيل» في مقابلة هاتفية من الأردن. وقال الكولونيل ريتشارد ويلتش، المسؤول العسكري الذي يعمل بصور وثيقة مع زعماء العشائر في العراق، ان العلاقات داخل الجماعة متوترة بحيث انه يتوقع المراجعة الدقيقة للتحالف في الأيام المقبلة.

واثنى القادة العسكريون الأميركيون على تشكيل مجلس انقاذ الأنبار قبل ما يقرب من تسعة أشهر، الذي عرف في البداية باسم الصحوة، باعتباره واحدا من أهم التطورات في الحرب التي اندلعت قبل اربع سنوات، ما يشير الى أن المتمردين والسكان المحليين في الأنبار، وهم في الغالب من السنة، بدأوا يرون «القاعدة» في العراق باعتبارها أسوأ عدو لهم، وليس الولايات المتحدة وحلفاءها. ومنذ أن بدأت العشائر تعمل مع القوات الأميركية لمقاومة «القاعدة» في العراق، ومنذ أن بدأوا بتسلم كميات كبيرة من الأسلحة والعربات، فان العنف في المحافظة وحالات قتل الجنود الأميركيين قد انخفضت الى حد كبير. ولكن الانقسامات داخل التحالف تؤكد ما يراه كثيرون باعتباره مأزقا أساسيا: هل يتعين على الولايات المتحدة أن ترعى الجماعات العشائرية التي تجتذبها الأموال والتي تضع نفسها احيانا في تحالفات هشة يمكن أن تتحول ضد القوات الأميركية ؟

وقال انتوني كوردسمان، المحلل العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، ان «السؤال مع جماعة مثل هذه هو دائما: هل ستبقى موالية ؟»، مشيرا الى ان الولايات المتحدة تدفع الأموال لشراء ولاء العشائر. وفند الجنرال ديفيد بترايوس، القائد العسكري الأميركي الأعلى في العراق، فكرة ان القوات الأميركية تشتري ولاء العشائر، مشيرا الى انهم يعارضون «القاعدة» في العراق على أسس آيديولوجية، ملاحظا ان الكثير من زعماء العشائر كانوا قد قتلوا على ايدي الجماعة المتطرفة. وقال بترايوس خلال ايجاز جرى أخيرا في الأنبار «أعتقد انهم قاموا بهذا من اجل حياتهم. هذا ليس مجرد صفقة تجارية يعقدونها. فعندما تعارض القاعدة فانك تضع كل شيء على الحد الفاصل. وهذه ليست قضية اقتصادية».

والعلاقات العشائرية متقلبة وغير مستقرة، والتوترات الأخيرة داخل مجلس انقاذ الأنبار تحمل بعض سمات صراع السلطة الذي يمكن ان يشير الى تطوره او انهياره. وقال ويلتش، ضابط الجيش الاحتياطي الأميركي في بغداد المتخصص في القضايا العشائرية والدينية «أعتقد انكم سترون في الأيام القليلة المقبلة انقطاعا كاملا» للعلاقات بين ابو ريشة واعضاء المجلس الآخرين وستشكل مجموعة جديدة.

وقال سليمان ان 12 من زعماء العشائر وقعوا اتفاقا على تشكيل تحالف جديد يمكن ان يؤدي الى حل مجلس إنقاذ الأنبار وإبعاد أبو ريشة. وقال ان «أولئك الأشخاص رموا انفسهم في أحضان القوات الأميركية لمصلحتهم الخاصة». وزعم سليمان وويلتش أن ابو ريشة يدير حلقة لتهريب النفط وان أتباعه يعملون كقطاع طرق في الأنبار، وهي نشاطات تمارسها جماعات عشائرية كثيرة. وقال ويلش ان أبو ريشة «كسب عيشه من خلال قيادة عصابة من اللصوص الذين يختطفون ويوقفون ويسرقون الناس على الطريق الرابط ما بين بغداد والأردن. وهذا هو الطريق الذي اتبعه ليصنع ثروته». واتهم بعض رجال القبائل أبو ريشة في إيصال معلومات زائفة للقوات الأميركية حول زعماء العشائر من أجل التخلص من منافسين له، كما قال ويلتش. لكن أبو ريشة أنكر المزاعم وقال إن عمل سليمان في بغداد جعله جاهلا بما يخص الأمور اليومية للمحافظة. وقال: «أنا في الانبار وأنا المقاتل الأول في الأنبار. وما يقولون حول ذلك هو ليس إلا نتيجة للغيرة ولا أكثر من الغيرة. إنهم أعداء النجاح».

وقال عضو آخر في مجلس المحافظة هو رعد صالح العلواني إنه لم يسمع بشكاوى سليمان حول المجلس أو وجود خطط لحله. وقال: «مستحيل. أنا رئيس المجلس في الرمادي» في إشارة إلى عاصمة المحافظة. وأضاف: «مجلس الانقاذ هو مثل عائلة واحدة. ليست هناك أي مشاكل بيننا وبين الأعضاء».

وقال الميجور جفري بول المتحدث باسم قوات المارينز في الانبار «إننا لم نعثر على أي مؤشرات لوجود إعادة هيكلة لمجلس صحوة الانبار» الذي جناحه المسلح مجلس انقاذ الانبار. وأضاف الميجور بول: «ستختلف زاوية الرؤية في بغداد عن زاوية الرؤية في الرمادي».

وقال ثمانية رجال شرطة موالين لزعماء العشائر في مجلس انقاذ الأنبار في مقابلات جرت معهم إن القيادة العسكرية الأميركية أعطتهم أسلحة وأموالا ومواد أخرى مثل الملابس الرسمية ودروعا وخوذات وشاحنات بيكاب. إضافة إلى ذلك دفعت الولايات المتحدة رواتب تصل إلى حد 900 دولار شهريا للمقاتلين العشائريين حسبما قال رجال الشرطة هؤلاء. لكن الكولونيل ستيف بويلن المتحدث باسم بترايوس قال إن التجهيزات والتمويل لقوة الشرطة جاءت من وزارة الداخلية العراقية. وقال: «قد يظنون أننا من ندفع لهم بسبب عملنا المكثف معهم».

وقال أبو ريشة إن الجيش الأميركي أعطى رجال الشرطة شاحنات بيك اب وبنادق رشاشة روسية الصنع ومسدسات ودفعت الرواتب لهم من قبل وزارة الداخلية العراقية. لكن مسؤولي الشرطة في الرمادي قالوا إنهم يتسلمون شيئا قليلا جدا من الحكومة المركزية. وقال العقيد عبد السلام الريشاوي رئيس مركز شرطة: «الحكومة العراقية تخلت عنا ونحن لا نستلم أي شيء منها عدا الوعود. أكثر من 90 في المائة من الأسلحة والتجهيزات تأتي من القوات الأميركية ابتداء من المسدسات الشخصية وانتهاء بالبنادق الرشاشة المتوسطة وقاذفات الصواريخ».

أما العقيد أحمد حماد الدليمي أحد ضباط الشرطة في الرمادي فقال: «حينما أصبح الأميركيون واثقين من نوايانا لتصفية إرهابيي القاعدة دعمونا بالأسلحة والسيارات والمال. ومن دون القوات الأميركية لن يكون بإمكاننا القيام بأي شيء يستحق الذكر».

وقال مسؤولون عسكريون أميركيون إن كل شخص في الأنبار ينتمي إلى عشيرة وبدلا من إهمال هذه الحقيقة فإنهم يحاولون استغلالها. وقال بترايوس: «هناك طبقة من التركيب الحكومي متداخلة مع البنية العشائرية، وكلاهما حينما يعملان معا بشكل جيد يتداخلان ويكملان أحدهما الآخر في الأنبار».

لكن بينما تظل قوة الشرطة في المحافظة تحت سلطة وزارة الداخلية فإنه ليس واضحا من الذي يعطي الأوامر لضباط شرطة الأنبار حينما يقومون بعملية ما خارج مراكزهم. وقال العقيد أحمد حماد الدليمي: «نحن نستلم الأوامر من الجيش الأميركي ونحن مرتبطون بهم من خلال مركز اسمه جي سي سي». وهو بذلك يشير إلى مراكز تنسيق مشتركة وضعتها القيادتان العسكريتان الأميركية والعراقية على مستوى محلي للإشراف على قوات الأمن العراقية.

لكن رجال الشرطة ذوي الرتب الواطئة قالوا إنهم يتقلون الأوامر من زعماء العشائر حيث تكمن ولاءاتهم. وقال عماد جاسم، 23 سنة، من منطقة الصوفية في شمال الرمادي: «نحن نكره القاعدة لكننا في الوقت نفسه لا نحب الأميركيين». وعلى الرغم من تعاونهم مع القوات الأميركية بسبب تداخل المصالح قال جاسم إنه «من اللازم عدم الاستنتاج بأننا إلى جانب الأميركيين وندعمهم. ولاؤنا هو لأهالينا ولمدينتنا».

إلى ذلك قرر ما لا يقل عن 130 من زعماء العشائر في محافظة صلاح الدين (شمال)، معقل الرئيس السابق صدام حسين، محاربة تنظيم «القاعدة» والمجموعات «الارهابية» في المنطقة، بالتعاون مع المحافظة.

واوضح بيان للجيش الاميركي اوردته وكالة الصحافة الاميركية ان «هذا الاتفاق التاريخي حدث في معقل الرئيس السابق وكل هؤلاء الشيوخ اكدوا دعم الحكومة المحلية في محاربة القاعدة».

من ناحية ثانية، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» ان بعض قادة الجيش الاميركي في العراق اقروا خطة جديدة تقضي بتسليح مجموعات من العرب السنة تعهدت بمحاربة مسلحي «القاعدة». ونقلت الصحيفة عن ضباط اميركيين من دون ذكر اسمائهم ان هذه الخطة اثبتت نجاحها بعد اختبارها في محافظة الانبار (غرب)، موضحة ان عددا من الضباط اجروا محادثات مع مجموعات من العرب السنة في اربعة اماكن خصوصا في وسط العراق وشمال وسطه حيث ينشط المسلحون.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»