أفغانستان .. الحرب المستمرة (الحلقة الخامسة) ـ طالبان تستورد تكتيكات متفجرات العراق وأحرقت 183 مدرسة في هلمند

قائد بريطاني: لا تستطيع أن تفرق بين طالبان والآخرين إلا بعد أن يبدأوا في إطلاق النار

جنود أفغان في مركز البحث الجنائي في لشكرجاه
TT

الطريق إلى مركز التحقيقات الجنائية بوسط مدينة لشكرجاه بمحافظة هلمند، يمر عبر طرق متربة غير ممهدة تعتبر مصدر خطر دائم لقوات التحالف التي تتخوف من وضع عناصر طالبان عبوات ناسفة على الطريق ليلا، ومنذ الخروج في الصباح الباكر من معسكر قيادة القوات البريطانية في لشكرجاه، وبعد وضع الخوذة والدرع الواقي الذي يزن نحو 15 كيلوغراما وربطه بأحكام حول الصدر، وترديد دعاء السفر عدة مرات في العربة المدرعة، الذي هو: سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له منقلبين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون. كنت أراقب الحراس الأشداء وهم ضباط سابقون في الجيش البريطاني، وايديهم على بنادق من طراز، اس.ايه 80، ومسدسات جاهزة على الفخذ للتعامل مع الخطر ايضا، وكان الموكب مكونا من ثلاث سيارات لاندروفور مصفحة، وكانت التعليمات من الحراس الأشداء لا تغادر السيارة، إذا حدث تبادل لإطلاق النار حتى نأمرك نحن بذلك، وعندما تسمع إطلاق نار، ارم نفسك على الأرض لو كنت خارج السيارة، وكانت التعليمات عبر اللاسلكي بين السيارات الثلاث لا تتوقف: على يمينك دراجة نارية قد تكون لانتحاري ابعد عنها واحذرها، لا تجعل السيارة القادمة من الطرف تدخل بيننا، اكسر عليه بسرعة. وكانت عيون الحراس والسائقين وجميعهم رفضوا التقاط أي صور تذكارية، لأنهم يوميا في خط المواجهة الاول، لا تتوقف عن البحث عن قنابل موضوعة على الطريق، وهو تكتيك جديد استوردته طالبان من العراق، والخوف اليوم في هلمند التي تنشط فيها عناصر طالبان ليس من الانتحاريين فقط، بل ايضا من العبوات الناسفة الموضوعة على الطريق، أو اطلاق نار من مدافع «آر.بي.جي» من فوق أسطح المنازل المبنية بالطوب اللبن على سيارات التحالف الدولية، التي تغير طرقها، ولا تتخذ نفس الطريق أبدا، كلما خرجت في مهمة رسمية، انها التعليمات التي لا تقبل النقاش، لأن المسألة تتعلق بالحياة وتفادي الموت. وكانت السيارات ذات الدفع الرباعي تنطلق بسرعة مجنونة على الطرق غير الممهدة، وأنا مشغول بترديد الآيات القرأنية، خوفا من الموت متفحما في السيارات المصفحة رغم الدرع الواقي، الذي يخنق أنفاسي والخوذة التي اغرقتني في حمام من العرق، وكان ذهني مشغولا بالذكريات التي تتداعى، وصور التفجيرات الانتحارية وبقايا أشلاء بشرية شاهدتها من قبل عبر وكالات الأنباء في لندن، وصورة بقايا سيارة متفحمة تعرضت لهجوم انتحاري في قرية انكمين على الخط الأول في مواجهة طالبان بالقرب من المنطقة الخضراء. وقوة المعاونة الأمنية الدولية التابعة لحلف الناتو (إيساف) المنتشرة منذ ديسمبر (كانون الاول) 2001 في أفغانستان تحولت إلى قيادة حلف الناتو في عام 2003، وتولت عقب ذلك السيطرة على مناطق الشمال ثم الغرب، ثم الجنوب الذي يعد المنطقة الأكثر اضطرابا، والتي يتمركز فيها بكثافة مقاتلو حركة طالبان. وتوعدت حركة طالبان الأفغانية بأن يكون عام 2007 أكثر الأعوام دموية للقوات الأجنبية في البلاد منذ دخولها عام 2001. وبجانب الشرق، يشهد جنوب أفغانستان في هلمند ووادي سانجين هذا العام، أسوأ مواجهات منذ أطاحت القوات التي تقودها الولايات المتحدة، نظام حكم حركة طالبان في إطار الحرب التي أعلنتها واشنطن على الإرهاب، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة.

وفي مركز التحقيقات الجنائية تعرفت «الشرق الأوسط» على عزيز ضابط التحقيقات الجنائية، الذي كان يعمل بائعا للأحذية خلال عهد طالبان في لشكرجاه، واليوم عزيز حليق الذقن، ولكنه في الوقت ذاته يتخوف من انتقام طالبان، لأنه يعمل في الخندق الآخر، ويعترف أن طالبان لها وجود قوي في لشكرجاه والمناطق المحيطة بها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التفرقة بين طالبان وبقية المدنيين عبر زجاج السيارات المصفحة، فالغالبية العظمى ترتدي نفس العمامات السوداء، وتطلق نفس اللحى الطويلة والجميع يتحدث لغة البشتون.

وكما يقول ضابط بريطاني كبير التقته «الشرق الأوسط» في معسكر باستين بوسط صحراء هلمند: لا تستطيع أن تفرق بين طالبان والآخرين، الا بعد أن يبدأوا في اطلاق النار علينا، أو من خلال مدافع «آر.بي.جي» التي يحملونها فوق ظهورهم او الكلاشنيكوف فوق اكتافهم. وذهبت «الشرق الأوسط» إلى مبنى سجن لشكرجاه العمومي الذي تقوم الحكومة البريطانية بتجديده، وبناء مبني آخر مساعد لمركز التحقيقات الجنائية، بالإضافة الى تدريب كوادر التحقيقات الجنائية على استخدام الأساليب الحديثة في اجراء التحقيقات للحد من ظاهرة العنف. وداخل السجن كان هناك العشرات من الأحداث الذين تورطوا في براثن الجريمة، بسبب البطالة وقلة الوعي، بالاضافة الى عناصر من طالبان في أعمار مختلفة. ورغم أن السائقين الأفغان، يعدون من بين أكثر السائقين شجاعة في العالم، فإن سلسلة التفجيرات التي قامت بها طالبان مؤخرا، استهدفت قوافل عسكرية أجنبية استطاعت أن تغير من هذا الأمر. ولم يتوقف الأمر عند حد السائقين بل امتد ليشمل مناحي أخرى من الحياة. مثل المترجم سانجر الذي يعيش داخل الثكنة العسكرية في لشكرجاه، الذي رافق «الشرق الأوسط» كمترجم في رحلة الذهاب الى مقر محافظة لاشكجاه، ومبنى السجن العمومي، ويخرج سانجر وهو من البشتون، حليق الذقن مرة كل اسبوعين من داخل معسكر القيادة في هلمند، متخفيا بأساليب مختلفة، من اجل قضاء عدة ساعات مع زوجته التي اقترن بها قبل خمسة شهور، لأنه تلقى تهديدا صريحا من طالبان بقطع رقبته لأنه يتعامل مع العدو. والمترجم سانجر مثل العشرات من المترجمين الأفغان، الذين يجيدون البشتو والداري والاردو، ويعملون في خدمة قوات التحالف الدولية في قواعد قندهار وباستين ولشكرجاه وسوتر في كابل يتقاضون مرتبات خيالية، تتقلص الى جانبها تهديدات وارهاب طالبان، فالمترجم سانجر يتقاضى 600 دولار شهريا، بينما ضابط المباحث الجنائية لا يتعدى مرتبه الـ100 دولار شهريا،. ويقول المترجم سانجر، إن الخطر يحيط بحياته من كل جانب كلما خرج من بوابة المعسكر، سواء في مهمة عمل مع ضباط أو مع مسؤولي الإعمار والتشييد، ويضيف: إذا لم يستطع تفادي عناصر طالبان، فإنه يبتهل إلى الله ليل نهار، أن يغفر له ويدخله الجنة إذا مات، هذا كل ما أستطيع فعله. الجميع خائفون على ما أعتقد.

ويلجأ السائقون حاليا إلى الإبطاء أو الخروج عن أي طريق لتفادي القوافل العسكرية، خشية أن يسقطوا ضحايا لأي هجوم تنفذه حركة طالبان. ولا يقتصر خوف سائق السيارات عند حد هجمات طالبان، بل امتدت لتشمل الخوف من إطلاق النار من قبل جنود تلك القوافل، الذين أصابهم التوتر، إذا ما اقترب منها أكثر مما ينبغي، وهو ما دفع الأمم المتحدة وجماعات إغاثة أجنبية أن تنصح سائقيها بتجنب القوافل العسكرية.

وفي إطار التغير الذي شهدته هلمند مع تزايد هجمات طالبان، منع بعض السكان أطفالهم من الذهاب إلى المدارس مفضلين بقاءهم في المنزل، بسبب ما اعتبروه زيادة المخاطر في العاصمة، بحسب علي مسلماني احد قادة قبائل البشتون ومسؤول لجنة اعادة الاستقرار في هلمند. ويقول مسلماني إن طالبان احرقت مدرستين في نواحي هلمند، واعتدت على المدرسين، وهو أمر أثار الفزع في نفوس أولياء الأمور. ويضيف مسلماني، منعت بعض العائلات اطفالها من الذهاب الى المدارس، بسبب خطر الهجمات الانتحارية.

وهناك اليوم تقارير افغانية رسمية تقول إن طالبان أحرقت 183 مدرسة، وقتلت 61 أستاذًا وتلميذًا خلال العامين الماضيين، بالإضافة لأعمال التمرد التي أدت إلى إغلاق نحو 400 مدرسة معظمها في المناطق التي قالت طالبان إنها تود فتح مدارس فيها، وسط تشكيك في مزاعم طالبان بأنهم سيسمحون للفتيات بتلقي التعليم في المدارس. وخلال سنوات حكم طالبان في أفغانستان منذ 1996 وحتى سقوط الحركة الأصولية نهاية عام 2001 لم يكونوا يسمحون لأية فتاة بالذهاب إلى المدارس العامة. ويقول مسؤولون حكوميون في هلمند يبدو أن طالبان تستغل التعليم كواجهة لإقامة مدارس دينية محافظة تعلم التطرف الإسلامي، الذي يغذي التمرد. ويقول مسلماني إن طالبان يفعلون ذلك تمهيدًا لنقل مدارس الكراهية إلى أفغانستان لتدريب الإرهابيين، إنهم يرغبون في إيجاد سبيل لنقل المدارس إلى أفغانستان.

وشرح لي دبلوماسي بريطاني يعمل في برامج اعادة الإعمار والتنيمة، قضى جزءا كبيرا من حياته في الشرق الأوسط، التقيته في معسكر باستين، مفاتيح الشخصية الباشتونية المحيرة في تعاملهم مع القوات الأجنبية، مؤكدا انهم لا يحبون الأجانب، وخصوصا الذين يحملون السلاح في اراضيهم. وقال ان هناك حالة من «بادال» أو انتقام ضمن مفاتيح الشخصية الباشتونية، التي يجب أن نفهمها عند التعامل مع قياداتها، لأن بريطانيا جاءت الى هذه الأراضي ثلاث مرات وخسرت الحرب بسبب شجاعة الافغان، فخلال القرن التاسع عشر، وقعت أفغانستان فريسة للصراع البريطاني ـ الروسي. فخاضت على أثر ذلك ثلاث حروب مع بريطانيا. ففي الحرب الأولى (1839 ـ 1842)، هُزِم الجيش البريطاني شرَّ هزيمة. وفي الثانية (1878 ـ 1880)، والكلام ما زال للخبير البريطاني في الشأن الأفغاني هزم البريطانيون أيضاً، وانسحبت القوات البريطانية، وصعد الأمير عبد الرحمن خان على العرش الأفغاني، الذي أدار البلاد بحكمة، وانتهج سياسة خارجية محايدة بين الامبراطوريتين البريطانية والروسية (استمرت حتى عام 1955). أما الحرب الثالثة (1919)، فقد انتهت بتوقيع بريطانيا معاهدة روالبِندي في 19 أغسطس (آب) 1919، التي تعترف باستقلال أفغانستان داخلياً وخارجياً، ومن ثَم أصبح ذلك التاريخ ذكرى للاستقلال. وتولى حلف شمال الأطلسي (الناتو) مسؤولية الشؤون الأمنية في جميع أرجاء أفغانستان، بعد تسلمه القيادة في شرق البلاد من قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة، وذلك في أكبر عملية منذ إنشائه. ولا يمكن الخروج من القواعد العسكرية في باستين او قندهار او لشكرجاه او سانجار بدون مرافقة الحراس او ضمن قوافل ايساف. وقوة المعاونة الأمنية الدولية التابعة لحلف الناتو (إيساف) المنتشرة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2001 في أفغانستان، تحولت إلى قيادة حلف الناتو في عام 2003، وتولت عقب ذلك السيطرة على مناطق الشمال ثم الغرب، ثم الجنوب الذي يعد المنطقة الأكثر إضرابا، والتي يتمركز فيها بكثافة مقاتلو حركة طالبان. وتوعدت حركة طالبان الأفغانية بأن يكون عام 2007 أكثر الأعوام دموية للقوات الأجنبية في البلاد، منذ دخولها عام 2001، وأعلنت الحركة أن الاستعدادات للحرب تجري على قدم وساق.