الملك محمد السادس: التنافس الانتخابي لا يكون على ثوابت الأمة وإنما على البرامج الناجعة

أكد أن التفاوض بخصوص الصحراء لن يتم إلا في إطار مبادرة الحكم الذاتي

الملك المغربي محمد السادس يتلقى التهاني في قصر مارشان بمدينة طنجة امس (أ ف ب)
TT

أكد العاهل المغربي الملك محمد السادس أن بلاده التي شاركت بحسن نية في الجولة الأولى من المفاوضات حول الصحراء على «استعداد دائم للتفاوض على الحكم الذاتي فقط، ولا شيء غير». مبرزا أن الحكم الذاتي المتوافق حوله، «لن يكون إلا في إطار سيادة المغرب الكاملة والدائمة، غير القابلة للتصرف، والتي لا مساومة» عليها.

وحدد الملك محمد السادس في خطاب وجهه للأمة أمس بمناسبة الذكرى الثامنة لتوليه الحكم، عزم المغرب «الصادق على التفاوض الجاد»، قائلا «ومهما يكن مسار المفاوضات شاقا وطويلا، فإن يدنا ستبقى ممدودة إلى كل الأطراف الحقيقية، المعنية بالتسوية السياسية كما وصفه النزاع المفتعل حول الصحراء، لإقناع تلك الأطراف بالفرصة التاريخية، التي تتيحها مبادرة الحكم الذاتي، مبرزا أن الغاية من ذلك هو جعل تلك الفرصة التاريخية «انتصارا لجميع الأطراف، وللحق والمشروعية، وفرصة لتغليب روح الأخوة وحسن الجوار، والوحدة المغاربية»، معربا عن ثقته «من كسب مسار تقرير المصير التوافقي، بعون الله، وبفضل الإجماع الوطني وبمشاركة جميع الصحراويين، دونما إقصاء أو تمييز».

ودعا الملك محمد السادس كافة «أبناء الصحراء المغربية، المغتربين عن الوطن، أينما كانوا. ولا سيما المحاصرين بتندوف (جنوب غربي الجزائر) للعمل على توسيع انخراط كل إخوانهم، في هذه المبادرة المحققة لمصالحتهم ولمِّ شملهم، وصون كرامتهم».

ولتعزيز التحول الإيجابي، الذي أفرزته المبادرة المغربية للتفاوض بشأن تخويل الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية، قال الملك محمد السادس «إننا مطالبون بدعمها بمبادرات ديمقراطية وتنموية، في إطار استراتيجية شمولية، علاوة على التعبئة الجماعية، وتمتين الجبهة الداخلية». ووصف مبادرة الحكم الذاتي بأنها غرس طيب، يجب تعهده بالرعاية المستمرة».

وأكد الملك محمد السادس أن المغرب «سيلتزم بكل اتفاق سياسي على أساس المبادرة، مع جميع الأطراف الفعلية». موضحاً انه كيفما كان الحال، فلن يكون المغرب رهينة لحسابات الغير، «بل سيمضي قدماً في تطوره السياسي بالاعتماد على سلاح قوي، هو رصيده الديمقراطي الثمين، والذي يحق الاعتزاز به كنموذج متقدم في المنطقة».

وسجل الملك محمد السادس ان قضية الوحدة الترابية لبلاده تعرف منعطفا حاسما، أفرزته مبادرة الحكم الذاتي، معربا بهذا الخصوص، عن ارتياحه لموقف مجلس الأمن، والأمم المتحدة، في دعمها للمبادرة، ووصفها بالجدية والمصداقية، مشيداً بكل رعاية أممية مسؤولة وبناءة، للتفاوض الجاد والصادق بشأنها».

وفي نفس السياق ثمن الملك محمد السادس دور القوى الفاعلة في المنتظم الدولي، وكذا والبلدان الشقيقة والصديقة، التي ساندت المبادرة المغربية. وهو ما جعلها تفرض نفسها على الأجندة الدولية. «باعتبارها، شكلا ومضمونا، نمطا حديثا لتقرير المصير، مطابقا للشرعية الدولية غير المغلوطة».

واستنتج الملك محمد السادس بهذا الخصوص انه «إذا كان من ميزة، يمكن أن ينعت بها المغرب في المرحلة الراهنة، فهي وصف مجلس الأمن الدولي، ومن خلاله المجتمع العالمي قاطبة، لمبادرته للتفاوض بشأن الحكم الذاتي، بالجدية والمصداقية، معتبرا هذا الاعتراف الدولي، ينطبق على كل الإصلاحات العميقة، التي باشرتها بلاده بكل حزم وعزم. وفي معرض حديثه عن سياسة بلاده الخارجية قال الملك محمد السادس إن المغرب أصبح، شريكا فاعلا في الأجندة الدولية، مساهما في مقوماتها الأساسية، وتعزيز التعايش والتفاعل بين الحضارات والديانات، والالتزام بحقوق الإنسان.

واوضح أن المغرب، ما فتئ يعمل على مساندة ودعم شعوب القارة الإفريقية، والإسهام في تحقيق أمنها واستقرارها وتنميتها البشرية، والحفاظ على سيادتها ووحدتها الوطنية والترابية، والتصدي للمعضلات التي تعانيها. فضلا عن دعم التعاون بين بلدان الجنوب، والانخراط في المشروع الطموح للاتحاد المتوسطي.

وأشاد «بالخطوات الإيجابية، التي حققتها الدبلوماسية المغربية بقيادته. وذلك بنهج أسلوب حديث فاعل ومتفاعل، وفي ظرفية جهوية ودولية صعبة، محملة بشتى المخاطر والتحولات والمناورات»، مشيرا إلى أن مكانة المغرب وإشعاعه الخارجي تعززا بفضل التطور المؤسسي والتنموي.

وأشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب يعمل بارادة صادقة، على توطيد وشائج الأخوة المتينة، والتعاون المثمر، والتضامن الفعال، التي تجمعه بالدول العربية الشقيقة. ولاسيما في المجال الاقتصادي، باعتباره أساس العمل العربي المشترك، مجددا دعمه للقضايا العادلة للأمة العربية وفي طليعتها حق الشعب الفلسطيني، في إقامة دولته المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، دولة مبنية على سيادة القانون وحكم المؤسسات، بالقيادة الشرعية للرئيس محمود عباس. كما اعرب عن مساندة المبادرات الهادفة لاستتباب الأمن والاستقرار، بكل من العراق ولبنان والسودان والصومال، في نطاق احترام سيادتها مبرزا أن بناء الاتحاد المغاربي يشكل، توجهاً راسخاً في السياسة الخارجية للمملكة، ونقطة تقاطع لأولوياتها.

وبخصوص الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في بلاده، دعا الملك محمد السادس الجميع لكي يجعلوا من انتخاب مجلس النواب، «موعدا جديدا لترسيخ الممارسة الديمقراطية المألوفة»، حاثا الأحزاب السياسية على «إبراز نخب مؤهلة لحسن تدبير الشأن العام والمساءلة والمحاسبة على حصيلة أعمالها».

وقال أنه يتعين جعل الاستحقاقات المقبلة موعدا لتجسيد الإرادة الحقيقية للشعب، وإفراز أغلبية حكومية ذات مصداقية ومعارضة فاعلة وبناءة، على أساس برامج ملموسة وهادفة، وليس شعارات فارغة مبتذلة للإصلاح والتغيير.

واضاف انه سيكون، «دوما في مقدمة المتصدين لكل خطاب مشكك في جدوى الانتخابات والأحزاب الوطنية. وكذا لكل الممارسات المغرضة»، التي تستهدف مصداقيتها. قائلا «ان ما بلغناه من نضج سياسي، يقتضي نبذ المفاهيم الخاطئة العدمية والتضليلية لحرمة الاقتراع، موضحا أن الانتخابات ليست صراعاً حول هوية الدولة أو مقومات نظامها، من إسلام وسطي منفتح ـ وملكية دستورية، ووحدة وطنية وترابية، وديمقراطية اجتماعية، فتلكم ثوابت تعد محط إجماع وطني راسخ. ولا وجود لدولة بدون ثوابت ومقدسات».

وحدد الملك محمد السادس طبيعة الاقتراع الذي، «لا يكمن في التنافس حول الاختيارات الكبرى للأمة، التي هي موضع توافق وطني، وعماد التطور العصري. كدولة القانون والمؤسسات والمواطنة القائمة على الالتزام بحقوق وواجبات الانسان، والليبرالية الاقتصادية، والمبادرة الحرة، والتضامن والعدالة الاجتماعية، والانفتاح على العالم. وأعرب في هذا الإطار عن ارتياحه للتوجه الجديد للأحزاب الجادة لعرضها برامج انتخابية محددة وواضحة. مفتوحة أمام تنافس الهيئات الحزبية، وتحديد أسبقيات الولاية التشريعية المقبلة.

ومضى العاهل المغربي قائلا بهذا الخصوص «مهما كانت مشروعية الديمقراطية النيابية التقليدية، فإننا نرى من الضروري استكمالها بالديمقراطية التشاركية العصرية. للافادة من كل الخبرات، والمجتمع المدني الفاعل، وكافة القوى الحية للأمة، ومشاربها وتياراتها، أيا كان موقعها».

وأكد ملك المغرب أنه يعول على مواطنيه في استشعار جسامة المسؤولية الملقاة عليهم في حسن اختيارهم لممثليهم، من خلال انتخابات نزيهة، لجعلها محطة مهمة، للمضي قدما من أجل تتويج الإصلاح المؤسسي التدريجي بتغيير شامل وأسمى.