الحفائر الأثرية تبحث عن مجتمع بدوي مترابط وسط آسيا

عالم أميركي: ثقافات البدو مرنة تنتقل بين المتغير والثابت وقادرة على الاستيعاب وتقبل أفكار وتقنيات جديدة

TT

في فصل الصيف من كل عام، طوال السنوات الثماني الماضية، يحضر مايكل فراتشيتي الى صحراء الاستبس التي تمتد عبر هذه الدول الواقعة في وسط اسيا بحثا عن مجتمع بدوي مترابط.

ومع كل حفريات يأمل الدكتور فراتشيتي وهو عالم آثار في جامعة واشنطن، في الوقوف على الافكار المتعلقة بحياة ومجتمعات البدو التي كانت منتشرة في تلك المنطقة.

ويتعلق عمل الدكتور فراتشيتي ببدو العصر البرونزي، وتهدف حفرياته الى فهم تاريخي لكيفية كانت هذه المجتمعات تتعامل وتتفاعل اكثر من 3 آلاف سنة. ولكن عمله يتصادف مع حقائق جيوسياسية لديها عواقب مهمة بالنسبة للعاملين الاميركيين في مجال السياسة الخارجية: فالعديد من الدول التي تثير قلق الغرب، مثل افغانستان والعراق والصومال، لديها مؤسسات حكومية تعكس ماضيا بدويا.

ويقول الدكتور فراتشيتي، وهو جالس في مقهى فاخر في العاصمة الماتي في شهر يوليو الماضي، قبل عدة ايام من السفر الى صحراء ساريسيك اتيراو، لإجراء اول حفريات في تلك المنطقة «خذ نموذج افغانستان حيث السياسات اكثر انتشارا. اعتقد ان بعض تعقيدات سياستنا الخارجية تنبع من عدم قدرتنا على تحديد الديناميكية البدوية داخل البنية السياسية المعاصرة».

وقد تحدت التعقيدات الاخيرة وجهات النظر القديمة عن الثقافة البدوية باعتبارها ثقافة متغيرة بلا تأثير يذكر على المجتمعات الحضرية المتقدمة التي ظهرت فيما بعد.

وبدلا من ذلك فإن العلماء من امثال فراتشيتي يكتشفون ان ثقافات البدو مرنة وتنتقل بين المتغير والثابت في الحياة، وقادرة على الاستيعاب واختراع افكار وتقنيات جديدة. ويخلق البدو ثقافات سياسية ثابتة لا تزال تؤثر على الطريقة التي تتفاعل بها هذه البلاد مع العالم الخارجي او تتفاوض فيما يتعلق بالصراعات الداخلية.

وبالرغم من ان وجهات نظر ان القبيلة والعشيرة ـ وهما الكتلتان الرئيسيتان للبدو او المجتمعات شبه المتغايرة ـ تؤثران على السياسات المعاصرة لبعض الدول، ليست بالشيء الجديد، فإن المتخصصين في الدراسات البدوية يشيرون الى ان صانعي القرار السياسي قد تجاهلوا «ذكاءً ثقافيا» مهما مثل العلاقات الاسرية، عند تحليل الحكومات التي نشأت عبر التقاليد القبلية.

وقال اوراز جادوسوف الرئيس المشارك لحزب سياسي كازاخستاني معارض «الاسرة والقبيلة هما العنصران اللذان يهماننا. الاجانب يتحدثون عن هذه الاشياء، ولكنهم يتحدثون فقط، لا يفهمونها».

وربما تظهر بعض الدول مثل العراق وافغانستان مظاهر الدول الغربية المعاصرة، مثل البرلمانات ووزارات العدل وغيرها من الوكالات الحكومية، الا ان السياسة لا تزال تخضع لمؤسسات البدو، التي تحل فيها الخلافات على مستوى الاسرة والعشيرة والقبيلة.

وقد تعلمت المؤسسة العسكرية الاميركية اهمية القبيلة في العراق، كما يشير قرارها بتسليح القبائل العربية السنية في محافظة الانبار لقتال «القاعدة في بلاد الرافدين».

وبالرغم من دعوات لمزيد من التقدير للثقافات الاطراف «فإن الولايات المتحدة لم ترغب في استخدام الاموال لتعليم صانعي القرار السياسي بخصوص تلك المناطق ذات التقاليد البدوية العميقة، طبقا لما ذكره متخصص في شؤون اسيا الوسطى يعمل لحساب الحكومة الاميركية، طلب عدم الكشف عن هويته.

واوضح «يحتاج الامر الى نصف مليون دولار واربع او خمس سنوات لتدريب متخصص في تلك المنطقة من العالم. وحتى الان ليس لدينا أي شخص تقريبا على مستوى جيد بخصوص المناطق الحدودية لباكستان او السياسات القبلية الصومالية».

وفي اسيا الوسطى، كشفت التراجع الاميركي في المنطقة، مثل فشل اتفاق في شهر مايو بين تركمنستان وروسيا لبناء خط انابيب غاز، الذي يعتبر ردا على المصالح الاميركية، الى عدم فهم اميركي لكيفية تشكيل التقاليد البدوية للاتجاهات في المنطقة.

وفي هذا الموضوع قال شون روبرت، الباحث في شؤون اسيا الوسط في جامعة جورج تاون، ان المفاوضين الاميركيين اكدوا خطأ اهمية الانضمام الى حزام الدول الغربية. وبتقاليدها البدوية تضع تركمنستان اهمية كبرى على الاستقلال.

والاعتزاز في الحياة البدوية نفسها يتزايد، مع استخدام العديد من الدول للثرات التاريخي كوسيلة لبناء الامة. فعندما دعمت حكومة كازاخستان في العام الماضي شركة سينمائية قررت تصوير فيلم عن ملحمة وطنية تجمع الشعب حول اسطورة وطنية لجأ المسؤولون الى التاريخ وانتجوا فيلم «بدو» وقد حققت نجاحا كبيرا في الاتحاد السوفياتي السابق.

وفي بعض الامثلة يسعى السياسيون الى استخدام التقاليد البدوية لتبرير سياستهم، كما يحاول السياسيون الاميركيون استخدام الحنين للماضي الزراعي لتبرير دعم الزراعة، كما اوضح روبرت روتبرغ بروفسور في مدرسة جون كنيدي للحكومة في جامعة هارفارد الذي درس التجارب الفاشلة للحكومات في افريقيا واسيا. واضاف «خذوا نموذج القذافي في ليبيا. يقول: الغربيون لا يفهموننا بسبب تقاليدنا البدوية وهي اشتراكية اساسا، ولذا علينا تأميم صناعة النفط في بلادنا لكي نلتزم بتقاليدنا».

ويستمر البدو في حياتهم في مناطق كبيرة في اسيا الوسطى ولا سيما في كازاخستان وقيرغيزستان وفي عديد من الحالات تزدهر. ولكن في تقييم نفوذ البدو على السياسة المعاصرة من المهم النظر الى عوامل الماضي كما اوضح الدكتور روبرتس.

* خدمة «نيويورك تايمز»