برامج ثورية ونقاشات في المدارس حول التاريخ السياسي للهند

نيودلهي: إعادة النظر في برامج الدراسة ممارسة سياسية يتنافس فيها الآيديولوجيون

نقاشات بين الطلبة ومدرستهم حول التاريخ السياسي المعاصر للهند «نيويورك تايمز»
TT

تتبلور بهدوء في المدارس الثانوية الهندية ثورة عظيمة. فلأول مرة يجري تدريس السياسة الهندية المعاصرة، بما في ذلك بعض من اقبح مراحلها واكثرها اثارة في فصول العلوم السياسية. وهي جزء من اعادة نظر شاملة في برامج التدريس، ذات عواقب طويلة المدى لكيفية استيعاب اطفال الهند لعمل امتهم ومكانها في التاريخ.

وتأتي برامج الدراسة الجديدة، التي تستخدم الكارتون وقصاصات الصحف والاسئلة التي تؤدي الى مناقشات في الفصول الدراسية حول قضايا معاصرة، في وقت ثبتت الديموقراطية جذورها في الهند، وتعتبر حقا واحدة من مبادئ البلاد وهي تحاول تعزيز مكانتها في العالم. وقد احتفلت الهند بمرور 60 سنة على استقلالها عن بريطانيا امس.

وقال يوغندرا ياداف، وهو واحد من المستشارين الرئيسيين للجنة كتب العلوم السياسية «بعد 60 سنة من الاستقلال، يعتبر ذلك دليلا على نضج الديمقراطية الهندية. ولم يكن من الممكن كتابة ذلك بعد 30 سنة من الاستقلال. ولم يكن من الممكن كتابته قبل 15 سنة».

وقدمت سيخا تشابرا وهي في السادسة عشرة من عمرها نموذجا من كتاب «السياسة العالمية المعاصرة» المدرسي.

وقالت انها تعلمت دائما ان حركة عدم الانحياز، التي لعبت فيها الهند دورا قياديا خلال الحرب الباردة وحصلت فيها الدول على سياسة مستقلة نظريا على الاقل بعيدا عن الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة كانت «شيئا عظيما». غير ان الكتاب المدرسي الجديد، كما اشارت، يعامل الموضوع بطريقة مختلفة. «يثيرون الان سؤالا هو هل حركة عدم الانحياز تنطبق على العالم اليوم؟ ام انها كانت مجرد اقامة حاجز؟».

وقررت انها لا تنطبق على عالم اليوم، وانضمت الى السياسيين المعاصرين والمراقبين الذي يتحدثون عن مزايا الصداقة الجديدة مع الولايات المتحدة. وقد جرى نقاش في الفصل الدراسي عن مميزات وعيوب التحالف مع الاميركيين. وقد جرى ذلك خلال فصل في الكتاب المدرسي بعنوان «السيطرة الاميركية في السياسة العالمية».

وقالت سيخا «تتساءل عن كيف تصبح الاستراتيجية السياسية الهندية».

ودقت ابا مالك المدرسة في قسم العلوم السياسية في مدرسة سانسكريتي على الكتاب المدرسي، الذي وزعه المجلس الوطني للابحاث التعليمية والتدريب قبل 4 شهور على المدارس الخاصة والعامة، وقالت «لا يمكن وجود فصل منتظم مع هذا الكتاب، فلن يسمح لك بالجلوس».

وفي بلد ينتشر فيه التعليم الروتيني حتى في مدارس النخبة، فإن التأكيدات الجديدة على التفكير الانتقادي يعتبر نقلة اساسية في مجال اصول التربية. والامر الاكثر لفتا للانتباه هو جوهر برنامج التعليم الجديد. فقبل ذلك كان التركيز في العلوم السياسية على النظرية السياسية. وقالت ابا مالك «هذه سياسة حقيقية».

وتشير كتب السياسة المدرسية، على سبيل المثال، الى عدد من الاحداث السياسية المثيرة في التاريخ الهندي، من احكام الطوارئ في ظل رئيسة وزراء الهند انديرا غاندي في منتصف السبعينات، الى الهجوم على المسلمين في كوجارات قبل خمسة اعوام.

ويسأل الفصل الرابع في الكتاب الطلاب «تحديد عنصرين في السياسة الخارجية الاجنبية يرغب في الاحتفاظ بهما، وعنصرين يرغب في التخلص منهما».

ويسأل الفصل الاخير من الطلاب متابعة نمو حزب بهاراتيا جاناتا الذي يعتبر حزب المعارضة الرئيسي اليوم منذ ظهور احكام الطوارئ.

وقال ياديف «اساسا العلوم السياسية تعلمك كل شيء ما عدا السياسة، وكانت تعتبر مخاطرة كبيرة. وكنت اعتقد ان مهمتي هي دفع الطلاب للتفكير بطريقة انتقادية، والتشكيك في كل شيء، وتطوير الاحترام للديمقراطية، ليس عن طريق عبادتها، بل عن طريق النظر اليها بموضوعية.

وفي الهند المعاصرة يعتبر اعادة النظر في برامج الدراسة ممارسة سياسية يتنافس فيها الايديولوجيون من اليمين واليسار. والحكومة التي تتولى السلطة في البلاد تحاول تغيير البرامج الدراسية لتناسب معتقداتها. وقد سعى حزب bjp الذي حكم الهند حتى 2004 لتغيير كتب التاريخ لازالة ما وصفه بالميول اليسارية. وقد اثار ذلك ضجة كبيرة من النقاد. وعندما وصل حزب المؤتمر للسلطة حاول تغيير البرامج لتناسب معتقداته.

والغريب في الامر ان الكتب الدراسية الجديدة لم تثر ضجة تذكر، ربما لان اكثر الشخصيات السياسية نفوذا لم تطلع عليها بعد. الا ان فكرة تعليم سياسة معاصرة في المدارس تجعل البعض يشعر بالتوتر. فالاحداث الاخيرة لا تزال ساخنة لكي يمكن تعليمها بلا تحيز، كما يوضح سوابان داسغوبتا وهو كاتب صحافي، بما ان تاريخ ما بعد 1947 لم يدرس في المدارس بعد.

وتجدر الاشارة الى ان معدي الكتب المدرسية الجديدة يصرون على انه ليس برنامجا دراسيا مسيسا. فلاول مرة في الكتب السياسية المدرسية توجد اشارة الى قوانين الطوارئ، الذي طبقته انديرا غاندي رئيس الوزراء وزعيمة حزب الكونغرس. وحزبها في السلطة اليوم، وتتزعم الحزب زوجة ابنها.

ويصف كانتي بازباي وهو مستشار لكتاب السياسة العالمية المدرسي ان البرنامج الدراسي الجديد «يجبر الطلاب على النظر الى ما يجري ولماذا. واذا كنت جادا بخصوص المواطن الناشط، يجب ان تفعل ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»