الإمارات منطقة جذب للعقول المهاجرة في الغرب

عدد المهاجرين من خريجي الجامعات بالغرب ارتفع بنسبة 70% عام 2000

بيتر ميتياس داخل حرم الجامعة الأميركية في الشارقة («نيويورك تايمز»)
TT

في هذا البلد حيث الأجانب يقومون بمعظم الأعمال هناك خادمات بيوت مهاجرات وبناءون مهاجرون وندل شاي مهاجرون وطباعون مهاجرون، وكلهم يعملون ما يفعله معظم المهاجرين، وهي العمال اليدوية مقابل أجور زهيدة.

ثم هناك بيتر ميتياس، البروفسور المهاجر. وهذا الاقتصادي الحاصل على الدكتوراه من لويزيانا والمتحدث بلهجة المسيسيبي، صدم أصدقاءه عندما ترك وظيفته الدائمية في فرجينيا لصالح العمل في الجامعة الأميركية في الشارقة. ولكن عندما يشير إلى امتيازات العمل في الخارج يشعر بالبهجة. فلديه سكن وامتيازات مجانية. ولديه تقرير عن خبرته الدولية. ولديه مساعدة رخيصة في البيت، ومدارس جيدة لأطفاله وسيارة من طراز بي إم دبليو وأخرى من طراز مرسيدس استطاع شراءهما عبر عدم دفع ضريبة الدخل، ناهيكم من وجبات الطعام الأميركية السريعة. وقال إن كل شيء يجهز إلى بيتي، وكل شيء موجود هنا. وهذا عمل مهاجر من نمط حاملي الدكتوراه، درس حول العمل، وتعليق على الصف، ونافذة على العولمة وظاهرة ناشئة.

ويواجه كثير من العمال العاديين في مختلف أنحاء العالم عوائق جديدة أمام الهجرة، ذلك ان الدول التي يتوجهون إليها تشدد الرقابة على حدودها وإجراءاتها. ولكن أخصائيين مثل ميتياس (39 عاما) يجدون كثيرا من الترحيب. وحتى الدول التي تشعر بالقلق تجاه الهجرة تتخذ موقف التفاؤل تجاه العقول المهاجرة، وتوفر دول كثيرة إعفاءات ضريبية وتأشيرات دخول من أجل المنافسة في السوق العالمية.

وقال ميتياس «إن الجميع يريدون أشخاصا أذكياء في بلدهم».

وبينما يظل معظم المهاجرين غير ماهرين والكثير منهم فقراء فان الوضع الديموغرافي في العالم يتغير. فعدد المهاجرين من خريجي الكليات في دول الغرب الغنية ارتفع بنسبة 69 في المائة من عام 1990 إلى عام 2000، وفقا لتحليل من البنك الدولي قدم إلى صحيفة «نيويورك تايمز». وعلى النقيض من ذلك ارتفع عدد المهاجرين الأقل تعليما بنسبة 31 في المائة.

وقاس التحليل، الذي أعده كاغلار أوزدن، وهو اقتصادي يعمل في البنك، الحركة في 20 بلدا، بما فيها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا ومعظم دول أوروبا الغربية، وشمل التحليل أشخاصا درسوا في الكليات بعد هجرتهم كأطفال. ومن بين 52 مليونا من العمال المهاجرين في تلك البلدان كان لـ 36 في المائة منهم تعليم في الكليات، وما يزيد على النسبة التي كانت موجودة قبل عقد من الزمن وهي 31 في المائة. ومن بين أولئك المهاجرين الذين تركوا بلدا غنيا للحصول على وظائف في بلد آخر، ارتفع عدد خريجي الكليات إلى 30 في المائة. والحركة الموازية للعمال الأقل مهارة انخفضت بنسبة 8 في المائة.

وقال أوزدن «تقديري أن تلك الاتجاهات أصبحت أقوى بكثير منذ عام 2000. فالناس المتعلمون أصبحوا أكثر حركة».

وباعتباره بلدا صغيرا مليئا بالعاملين المأجورين، توفر دولة الإمارات العربية المتحدة لطلاب الهجرة موطنا غنيا على نحو مميز، فهناك حوالي 85 في المائة من قوة العمل تأتي من الخارج. وهناك حشود من عمال البناء الهنود، يعملون تحت الشمس، وخادمات من جنوب شرقي آسيا يعملن وراء أبواب مغلقة. ومعظمهم مرغمون على المجيء وحدهم وقضاء سنوات من دون رؤية أطفالهم. ولكن هناك أيضا مجموعات من الأخصائيين المرفهين، وبعضهم مع عوائلهم: أطباء هنود، ومصرفيون بريطانيون، ومحامون أميركيون، وفي قاعة التزلج على الجليد في دبي هناك مدربون روس.

وقال داناجايان سريسكانداراجا، من معهد أبحاث السياسة العامة، وهو مجموعة بحث في لندن «نحن متمسكون بمفهوم أن الهجرة مرتبطة بالناس الفقراء الذين ينتقلون إلى بلدان غنية. ولكن هناك كثيرا من الناس يتنقلون بين بلدان غنية، وأشخاصا من بلدان غنية يتنقلون على نحو متزايد في مختلف أنحاء العالم. فالهجرة شارع بمسارين».

والجامعة الأميركية في الشارقة هي واحدة من عديد من نقاط الجذب لأصحاب الخبرات التعليمية العالية. والجامعة مجال اهتمام حاكم الشارقة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، افتتحت في عام 1997 بميزانية هائلة وآمال على تأسيس علاقات بين الشرق والغرب. ويوجد في الجامعة الآن ما يزيد على 4 آلاف طالب أجنبي و 300 بروفسور، نصفهم من أميركا الشمالية.

ويعمل الأساتذة بعقود طبقا للسنة الدراسية، ويعيشون في مساكن خاصة مجانية ويحصلون على مرتبات تصل إلى 82400 دولار أميركي معفاة من ضريبة الدخل الأميركية. ومن المعروف عدم وجود ضرائب محلية.

ويأتي البعض من أجل المال. والبعض من أجل المغامرة والبعض من أجل تجديد حياة مهنية توقفت، والبعض تثير تجربته هنا الأسى.

وتقول تينا ريتشاردسون وهي في السادسة والأربعين من عمرها وتدرس الاتصالات العامة في الجامعة «أشعر أن حياتي توقفت». وقد وصلت من ولاية اوريغون قبل أربع سنوات، تبحث عن مكان لتربية ابنها ووسيلة لتسديد ديونها. ولكن التعليم كان أقل إرضاء مما كانت تتوقع، وتكلفة الحياة مرتفعة وتكوين علاقات الصداقة عبر الثقافات المتعددة أصعب، ولا سيما بالنسبة لأم وحيدة في مجتمع إسلامي.

وقالت «أتلقى اهتماما لا أريده كامرأة وحيدة شقراء ـ وبعد رحلة إلى حمام السباحة في الجامعة تعرضت فيه لحملقة العديد من الأشخاص لم تعد إليه مرة أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أن الصفوة كانت تسعى لتحقيق ثرواتها في الخارج، ولكن التنقل في الزمن الراهن يتميز بانتشاره في الطبقات المتوسطة. فقد أوضحت دراسة شارك فيها سريسكانداراجا أن واحدا من كل 10 مواطنين بريطانيين يعيشون في دولة أجنبية بمن فيهم المتقاعدون.

وتبدو تحركات الطبقة المتوسطة في زيادة مستمرة. فمع توسع التجارة الخارجية أصبح لدى العديد من الأشخاص المبرر للانتقال. كما أدى البريد الالكتروني والهواتف الجوالة لتقريب المسافات. ومع ازدهار التكنولوجيا في أواخر التسعينات فتحت المزيد من الحكومات أبوابها.

وتريد بعض الحكومات من المهاجرين البقاء. فقد طبقت كندا منذ فترة طويلة نظاما للنقاط يتعهد بتصريح عمل وطريق نحو الحصول على المواطنة لأي عامل يتمتع بالكفاءات المطلوبة. والآن أصبحت قائمة الدول ذات البرامج المشابهة تضم كلا من استراليا ونيوزيلندا وبريطانيا وهونغ كونغ وجمهورية التشيك. إلا أن معظم الزيادة في الآونة الأخيرة كانت لخطط مؤقتة. والولايات المتحدة وبريطانيا وايرلندا وفرنسا من بين الدول ذات تأشيرات عمل ذات وقت محددة للعمالة الماهرة. وتغري السويد والدنمارك الأجانب بإعفاءات ضريبية. وتحاول بعض الدول جذب المهاجرين في فترات مبكرة، بتشجيع الطلبة الأجانب على البقاء.

وبالرغم من كل الضغوط الدولية على المهاجرين المتميزين، تحتاج العديد من الاقتصاديات إلى مهاجرين ذوي كفاءات محدودة. فمجموعات المربيات المولودات في الخارج تساعد على استمرار عمل المتعلمين الأميركيين. إلا أن المهاجرين الفقراء يثيرون مخاوف من انتشار الجريمة والصراعات الثقافية.

وبالرغم من أن المهاجرين المتعلمين يطلق عليهم تعبير «الصفوة»، فإن عددا من المحللين يقولون إن التعبير يخفي المشاكل التي يواجهونها. فالبعض مهاجر رغم أنفه وأسرهم مشردة، ويعانون للعثور على مساكن أو رعاية صحية أو مدارس وسط العزلة في أراض أجنبية. وقال ادريان فافيل وهو أخصائي اجتماعي في جامعة كاليفورنيا «من الصعب نجاح مثل أسلوب الحياة هذا. هناك تكلفة خفية».

وقد عانت تينا ريتشاردسون في وطنها وفي الخارج. فبعد صعوبات قضت أربع سنوات تعمل لتعول ابنها خلال دراستها للحصول على درجة ماجستير من جامعة اوريغون. وفجأة رفض طلبها للحصول على درجة الدكتوراه. وقد قدمت لها جامعة الشارقة مخرجا ومرتبا بلا ضرائب. وقالت «شعرت بأنني أترك شيئا، بدلا من الذهاب إلى مكان ما».

* خدمة «نيويورك تايمز»