سكان دائرة الانتحاريين لا يأبهون بمنشورات مرشحي الانتخابات في المغرب

امرأة بدوار طوما: السكن اللائق أولويتنا.. والسياسيون لا يزوروننا إلا وقت الانفجارات

جولة لأحد مرشحي الانتخابات مع مساعديه في حي طوما («الشرق الأوسط»)
TT

عند مدخل حي دوار السكويلة الصفيحي، الحي الذي أفرز الانتحاريين الذين روعوا المغرب في مايو (ايار) 2003، يجد المرشحون للانتخابات في استقبالهم بحيرة من الأزبال والوحل التي تتكوم حول مجاري مياه الصرف التي تخترق الأزقة الضيقة للحي لتفرغ حمولتها خارجه.

نظرت سيدة في خريف العمر إلى أحد المرشحين ومرافقيه، وقالت هي تضحك «أرأيت كيف أنك وضعت يدك على أنفك وأنت تدخل حينا؟ بالنسبة لك هذه هي المرة الأولى وربما الأخيرة التي تأتي فيها، أما نحن فنسكن هنا منذ سنين طويلة». وعندما قدم لها أحد مرافقي المرشح منشورا انتخابيا ردت عليه بأنها وهي منذ كانت صغيرة، تبعت المرشحين في حملاتهم الانتخابية ورددت وراءهم الشعارات ورحلوا ليأتي آخرون ولا شيء تغير، ولا شيء تحقق من وعودهم.

في الجانب الآخر، كان يجلس رجل في الأربعينات من عمره على قطعة حجر يتخذها كرسيا، وهو يراقب نسوة وفتيات يغسلن الأواني والملابس قرب مجموعة من صنابير المياه العمومية. قام الرجل واتجه صوب المرشح. فبادر أحد مرافقي هذا الأخير بمد منشور انتخابي. إلا أن الرجل لم يمد يده لأخذ المنشور، وبدل ذلك مد إصبعه مستجديا «اعطني درهما».

ورغم أن الشاب المرافق للمرشح أشاح عنه بوجهه، فإن الرجل لم ييأس فالتفت نحو شاب ثان وكرر طلبه. وبعد أن حصل على درهم عاد إلى عرشه الحجري، يراقب نساء الحي وفتياته وكيف يتغلبن على البؤس المحيط بضحكات بريئة ورشاقة في القيام بأعمالهن المنزلية في هذا المغسل المشترك.

بالنسبة لأغلبية سكان دوار طوما، لا يشكل هؤلاء المرشحون سوى مجموعة أخرى من الغرباء الذين يظهرون ويختفون. يقول شاب في العشرين «إنهم يضحكون علينا». وعند سؤاله «من يضحك عليكم؟»، يجيب: «السياسيون والمسؤولون. إنهم لا يأتون إلا عندما تحدث انفجارات أو أعمال إرهابية ويأخذون الصور معنا، وكأننا قردة ثم يذهبون الى حال سبيلهم».

وعن سؤال حول انتظارات السكان، قالت سيدة في مقتبل العمر: «بالنسبة لنا السكن اللائق هو أولوية الأولويات».

وأضافت: «لقد أكدت للوزير الذي زارنا أننا مستعدون لمنح جميع أصواتنا لمن يجد حلا لهذه المعضلة». ورغم أن أي واحد من المرشحين في هذه الدائرة لا يشغل منصب وزير، إلا أن السيدة أكدت أن المرشح الذي زارها وطلب منها التصويت لصالحه أخبرها بأنه وزير، وأنه سيعود للوقوف معها وحل مشاكلها.

وإضافة إلى السكن والمشاكل الاجتماعية أضافت تداعيات الأحداث الإرهابية بعدا حقوقيا لهموم سكان سيدي مومن. فأزيد من 150 عائلة لديها معتقلون في سياق تفكيك خلايا السلفية الجهادية، وجلها تعتبر ما حدث لأبنائها حيفا وظلما.

وبخصوص استعمال المال من طرف المرشحين، أوضحت سيدة أنها لن تمانع أبدا في أخذ المال من أي مرشح يعرضه عليها، لكنها أشارت إلى أن ذلك لن يضمن له الإدلاء بصوتها لصالحه.

وأكد شاب لـ«الشرق الأوسط» لجوء بعض المرشحين إلى المال. وقال: «هناك أشخاص من بين السكان يتكلفون بالتفاوض مع المرشحين باسم مجموعة معينة من السكان، ونطلق على هؤلاء اسم «رأس الحربة»، وكل واحد منهم يتوفر على وعود من عدد معين من السكان يتراوح بين عدة أشخاص إلى عدة عشرات من الأشخاص. ويقوم رأس الحربة بالتفاوض باسمهم مع المرشحين حول مبلغ مالي لشراء أصواتهم». ويضيف الشاب: «من جهة هناك الحاجة والفقر، ومن جهة ثانية فقد الناس الثقة في كل هذه الانتخابات التي لا تأتي بأي جديد. لذلك فالعديد من الناس مستعدون لبيع أصواتهم».

ويشير أحد قدماء سكان دوار السكويلة إلى أن المنطقة كانت تضم ضيعات واسطبلات المعمرين الفرنسيين خلال فترة الحماية. واستقر بها بعض في البداية عمال زراعيون، ومع توسع الدار البيضاء التي ستصبح العاصمة الاقتصادية للبلاد واجتذابها للمهاجرين من القرى المجاورة، بدأ السكن العشوائي يتوسع في المنطقة. ويضيف: «في البداية لم تكن الكثافة السكانية كبيرة، ورغم أن وسائل البناء كانت بسيطة إلا أن المساكن كانت فسيحة». ويؤكد المصدر أن الانتخابات هي السبب الرئيسي في التكدس الحالي الذي يعرفه الحي وتفريخ مساكن تزداد ضيقا عاما بعد عام. ويقول: «كان الحي يشكل خزانا انتخابيا. وعشية كل انتخابات يأتي وافدون جدد وتمنح لهم التراخيص لبناء مساكن صفيحية جديدة. كما كانت بعض العائلات القاطنة تستغل الوعود الانتخابية لتقسيم مساكنها وبيع جزء منها للوافدين الجدد الحالمين بأن يحصلوا على شقق أو بقع أرضية مكان المساكن الصفيحية في حالة تحقق الوعود الانتخابية».

وتشير الاحصائيات الرسمية إلى أن عدد المساكن الصفيحية في دوار السكويلة انتقل من 3200 في سنة 1984 إلى 20 ألف حالياً. ويتكون دوار السكويلة من سبع مجموعات سكنية. وأمام تفاقم الأوضاع الاجتماعية في الحي أطلقت السلطات أخيراً برنامجاً لإعادة الإسكان لفائدة سكانه. وقررت السلطات منح بقع أرضية بمساحة 84 متراً في المتوسط لكل أسرتين من العائلات المقيمة بالحي، وسمح لهما بإدخال شريك ثالث ليمول أشغال البناء. ورغم أن تنفيذ المخطط قد انطلق، وبدأ ترحيل العائلات الأولى المستفيدة، فإن التفاوض ما زال قائما بين العائلات وممثلي السلطة حول تحديد مفهوم «الأسرة» المستفيدة. ويطالب السكان باعتماد كناش الحالة المدنية في تصنيف الأسر وليس رقم المسكن، في إشارة إلى كون المسكن الواحد يضم أحيانا عائلات مركبة، عندما يتزوج الأولاد ويظلون مقيمين في مسكن آبائهم.

يقع دوار السكويلة في دائرة البرنوصي الانتخابية، والتي تضم نحو 20 حياً صفيحياً أبرزها دوار السكويلة وكاريان طوما اللذان قفزا إلى الواجهة لتحدر انتحاريي تفجيرات الدار البيضاء منهما. وقدم 18 حزبا مرشحين في هذه الدائرة، غير أن القاسم المشترك بين العديد من وكلاء اللوائح التي رشحتها الأحزاب في دائرة البرنوصي هي كونهم مستوردين من أحزاب أخرى. فلم تترشح أية شخصية بارزة في هذه الدائرة. ولم يعد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ترشيح محمد الكحص، الذي كان قد فاز في دائرة البرنوصي خلال انتخابات 2002 والتي شغل على إثرها منصب الوزير المكلف شؤون الشباب. غير أن الحزب رشح بدلا عنه عبد المقصود الراشدي رئيس جمعية الشعلة.

أما حزب الاستقلال فقدم على رأس لائحته محمد الداهي القادم من حزب الحركة الشعبية، فيما رشح حزب المؤتمر الوطني الاتحادي محمد منصر، القادم من حزب الاستقلال. فيما قدم حزب التقدم والاشتراكية مرشحا قادما من حزب الاتحاد الدستوري. ورشح حزب العهد نائباً برلمانياً قادماً من الحركة الشعبية. فيما أعاد حزب العدالة والتنمية تقديم مرشحه الذي كان قد حصد أغلبية الأصوات في هذه الدائرة خلال انتخابات 2002. ورشح حزب اليسار الاشتراكي الموحد أستاذ الفلسفة عبد الاله المنصوري.

ولم يتمكن كل من حزب الحركة الشعبية وحزب الاتحاد الدستوري من تقديم مرشحين في هذه الدائرة بعد أن تخلى عنهم المرشح الموعود في آخر لحظة ليقدم ترشيحه، ضمن لائحة التجمع الوطني للاحرار، الشيء الذي مكنه من إقصاء منافسين بدون اقتراع.