أميركي مسلم على خطى «مالكولم إكس» في قلب القاهرة

ميله للنقد والشك جلبه إلى جزء من العالم يقدم الطاعة والتكاتف

صلاح الدين علي الأميركي المسلم أثناء صلاته في الجامع الأزهر («لوس انجليس تايمز»)
TT

حل صباح الجمعة، وكان الشاب الأميركي الأفريقي ذو الكتفين العريضين قد شق طريقه الى أحياء المدينة القديمة ليصل باصرار الى الجامع الأزهر، وقد وصل بينما كان المؤذن يطلق أذان الصلاة.

وكان صلاح الدين علي بعيدا عن تلك المباني الكئيبة التي تستخدم كجوامع في منطقة باي، حيث نشأ او الممر الطلابي الصغير حيث اعتاد هو وأصدقاؤه أن يؤدوا فيه الصلاة في الكلية بولاية أوريغون.

وفي الصيف الحالي تابع طالب السنة الاعدادية لدراسة القانون في جامعة ولاية بورتلاند حلمه الذي دام سنة. فقد سافر المسلم الشاب الى القاهرة لتوسيع فهمه لدينه، متابعا الطريق الذي اختطه مالكولم أكس، الذي تغير تفكيره بشأن العلاقات بين الأعراق بعد زيارته مصر وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط وأفريقيا. وقد جرى الترحيب به من جانب المصريين المبتهجين ليس فقط بالتعرف على أميركي مسلم وإنما واحد يحمل اسم أحد أعظم أبطال الاسلام، وهو صلاح الدين، المحارب الذي طرد الصليبيين من القدس وأقام قلعة على مرتفع في هذه المدينة.

ولكن علي جلب ميله الأميركي للنقد والشك الى جزء من العالم يقيم الطاعة والتكاتف قبل كل شيء. وقد تحدى كثيرا مما رآه وأخيرا وجد نفسه غير مرتاح في قلب العالم الإسلامي.

وقال علي في الأيام التي سبقت رحيله ان «هذا المكان تحول من مكان جذاب الى مكان غريب. أنا مستعد للعودة الى وطني. أنا اشعر بنوع من الارهاق في الوقت الحالي». وعلي لم يولد لعائلة مسلمة. عاش مع امه في مدينة ايست باي حتى عمر التاسعة. وعندما داهمت الشرطة بيت مربيته وعثرت على المخدرات أخذه والده، الملاح الجوي، الى شقيقه التوأم في قاعدة تارفيس الجوية، حيث استقر هو وشقيقه أندري. وعرف العم أندري علي وشقيقه ميكائيل على الدين الذي تبناه الاثنان كبالغين، وهو دين قال علي انه انجذب اليه بسبب تنوع الموالين له والتزامه بالعدالة. وغير علي اسمه من انتوني تومسون قبل عامين، وميكائيل غير اسمه من فينسنت تومسون. وكان الاثنان يلعبان في فريق كرة القدم بجامعة مكسيكو قبل أن ينتقلا الى بورتلاند. وقد شكلت الفوارق الطبقية والثقافية منذ زمن بعيد عائقا بين المسلمين الأميركيين الأفارقة والمتدينين المهاجرين كما هو الحال أيضا وسط السود بين أمة الإسلام وأولئك الذين يمارسون الإسلام السني.

ولكن علي ينتمي الى جماعة جديدة من المسلمين الأميركيين الأفارقة ممن يواجهون بعض العوائق. في كاليفورنيا وفي الكلية يعتبر العرب والجنوب آسيويين والإيرانيين من بين اقرب اصدقائه. لسنوات ظل يحلم بزيارة الشرق الأوسط حيث ظهر الإسلام. جمع مبلغا ما فتجاهل تحذيرات أقاربه الذين قالوا إنه مكان خطير جدا. لكن زوجته ميستى التي اعتنقت الإسلام شجعته.

وقال: «تعبت من كثرة حديثي عنه».

وفي أوائل يوليو الماضي سافر الى القاهرة عبر لوس أنجليس وموسكو في رحلة استمرت 50 ساعة على خطوط أيروفلوت الروسية وسجل هناك في دورة لتعلم العربية في إحدى مدارس اللغة. وقال إنه عند وصوله لبدء الدراسة «استيقظت صباحا على صوت المؤذن للمرة الأولى في حياتي».

ووجد فندقا متداعيا أولا قبل الانتقال مع عدد من أصدقائه الذين يدرسون العربية معه إلى شقة مشتركة حيث اشترى نظارة شمسية سعرها دولار واحد من بائع في الطريق مع طاقية للصلاة بعشرة سنتات من المسجد.

وقال معبرا عن دهشته لعدد الناس الذين يحضرون إلى الصلاة: «لم أر في حياتي هذا العدد الكبير من المسلمين في مكان واحد. هنا كل شيء يتوقف عن الحركة في وقت الصلاة.. أنت تشعر بالسعادة». وأضاف: «الجانب المضحك هو أنه متى ما ذكرت يستغرب الناس كثيرا. فهم يعطونني أشياء أرخص مما يدفعه زملائي أو أشياء مجانية».

ووجد أثناء وجوده تأكيدا لما قاله أصدقاؤه من الشرق الأوسط في أميركا إنه على الرغم من الاختلاف في السياسات بين البلدين وطول المسافة الفاصلة بينهما فإن الحياة اليومية في كلا المكانين ليست مختلفة بالطريقة التي يظنها أغلب الناس.

وكسب علي في القاهرة اصدقاء واستمتع بالأكل المحلي وتجادل بحدة مع مدير الفندق الذي حاول استغلاله، وتبادل نكاتا مع سواق التاكسي.

واندهش كثيرا لحياة الليل في القاهرة الذي يمتد حتى أذان الفجر. وضحك كثيرا لمشاهد النساء اللواتي يرتدين أغطية ملونة للرأس وهن يسرن مع أصحابهن، أو لمشاهدة أولئك الشباب الذين يرتدون نظارات طيارين وهم يستمعون إلى موسيقى الهيب هوب في سياراتهم الرياضية.

ولدهشته وجد أن الأصدقاء المصريين متحمسون لجلبه الى مراكز التسوق التي بنيت عند ضواحي القاهرة بدلا من التحدث عن الإسلام.

لكن علي فضل قضاء الوقت في دراسة العربية أو التحضير لاختبار القبول في كلية الحقوق أو زيارة مساجد قديمة منتشرة في أحياء قديمة من القاهرة. وقال: «الناس هناك يستمتعون بوقتهم أكثر منا. هناك أزواج يمسكون أيدي بعضهم البعض ويمشون على النيل. كنت أظن أن الشرق الأوسط أكثر تشددا. ظننت أن الرجال والنساء لن يمسوا بعضهم البعض. كل هذه الأفكار خاطئة».

*خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»