مصاعب سياسية واقتصادية في طهران تساعد النظام على تقوية قبضته على الحكم

ارتفاع الأسعار وحجم التضخم يزيدان من ثراء المتشددين وآلياتهم

السائقة في سباق السيارات السريعة للنساء سحر كربلائي تستعد للسباق في مدينة شالوس الايرانية أمس (أ.ف.ب)
TT

أسعار الايجارات ترتفع، والتضخم وصل الى نسبة 17 في المائة، بينما يعيش 10 ملايين ايراني تحت خط الفقر. من جهة اخرى، قالت الشرطة انها أغلقت 20 محل حلاقة للرجال في طهران الأسبوع الماضي لأنها تعرض قص وتصفيف الشعر بطريقة غير ملائمة، ومنعت النساء من ركوب الدراجات الهوائية في اماكن كثيرة، بينما يتواصل الهجوم على الحريات الاجتماعية.

ومنذ أشهر يعاني الإيرانيون مصاعب اقتصادية وقمعاً سياسياً وسط عزلة دولية، اذ يواصل كبار المسؤولين في البلاد التحدي بشأن برنامج ايران النووي، ولكن في بلد ينظر فيه زعماؤه الى عوامل الأمن القومي واستقرار الحكومة والقيم الإسلامية بأنها متداخلة جذرياً، والمشاكل التي عادة تشكل تهديدات للزعامة في بلدان اخرى، ينظر اليها في ايران بأنها فرصة لتأمين موقع القيادة الحالية.

ويقول اقتصاديون ودبلوماسيون ورجال اعمال ورجال دين ان المفارقة هي ان الخطوات الاقتصادية الخاطئة للرئيس محمود احمدي نجاد والعداء الذي اثاره موقفه الفظ بشأن القضية النووية في الغرب، قد ساعد زعماء ايران على ايقاف ما ينظرون اليه بانه نفوذ أجنبي مفسد، عبر زيادة عزلة البلاد الاقتصادية والسياسية، في مقابلات اجريت معهم خلال الأسبوعين الماضيين.

كما ان الضغط من الغرب، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية، بشأن برنامج ايران النووي ودورها في العراق، عزز من قوة أولئك الذين يدفعون باتجاه التشدد. وقال سعيد ليلاز، الاقتصادي والمسؤول الحكومي السابق ان «الزعيم (المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي) قلق من أن أي مسعى لجعل البلد أكثر قابلية على الإدارة سيؤدي الى اصلاح يقوض سلطته».

وكان المسعى لابقاء ابواب ايران مغلقة بقوة أمام الغرب جلياً يوم الحد الماضي عندما اعلن أحمدي نجاد ان ايران طورت ثلاثة آلاف من اجهزة الطرد المركزي وسخرت من محاولات الغرب الضغط على بلاده لايقاف برنامج التخصيب النووي وابطاء برنامجها النووي.

ويوم الاثنين الماضي استخدم آية الله خامنئي الضغط الغربي لاثارة مشاعر الشعب الايراني وتعبئته. وابلغ مجموعة من الطلاب وفقا لما اوردته قناة تلفزيون رسمية ان «ايران ستلحق هزيمة بهذه القوى المتغطرسة باستخدام سبلها البارعة والحكيمة».

ونظر دبلوماسيون ومحللون سياسيون غربيون في طهران الى هذه الملاحظات اللاذعة هنا باعتبارها محاولة من جانب الرئيس، عبر المرشد الأعلى، لتقويض أشهر من المفاوضات الدقيقة بين المحافظين الأكثر عملية في القيادة والوكالة الدولية للطاقة الذرية التي كانت قد أصرت قبل ايام فقط على ان ايران كانت أكثر تعاونا. وقال دبلوماسي غربي ان الرسالة كانت واضحة، موضحاً: «انهم مقتنعون تماما بأن العالم يريد فرض ضغط على إيران لمنع تقدمها». وأضاف الدبلوماسي الذي أصر على عدم الكشف عن هويته: «يؤمنون بأنه اذا تنازلت إيران للغرب بما يخص الملف النووي، فإن ذلك سيكون الخطوة الأولى لتغيير النظام».

وقد بدأ منحى ايران تجاه العزلة الاقتصادية مع انتخاب احمدي نجاد قبل عامين، اذ قام بإصدار قوانين شاذة تهدف إلى مساعدة الفقراء، ولكن بدلا من تحسين حياتهم جعلتها أسوأ.

وفي الفترة الأخيرة، استقال وزيرا النفط والصناعة ورئيس البنك المركزي، محذرين من أن البلد يسير صوب الأزمات. وأثارت قرارات الرئيس الإيراني المخاوف لدى المستثمرين، فابتعدوا عن المساهمة الاقتصادية، الامر الذي عرقل انفتاح إيران لأسواق العالم.

وتمكنت القيادة الإيرانية من تخفيف المعاناة الاقتصادية داخلياً بفضل الدخل الكبير غير متوقع من بيع النفط الخام. وأكدت المصادر الايرانية والغربية في طهران أن الرئيس أحمدي نجاد استمر في نهجه لأنه يتمتع بدعم المرشد الأعلى آية الله خامنئي الذي يمتلك الكلمة الفصل في كل قضايا الدولة.

وقال محمد اتريانفار، الناشر لصحيفتين ايرانيتين أغلقتا اخيراً وحليف الرئيس الأسبق علي أكبر هاشمي رافسنجاني: «الشيء الوحيد الذي يبقي أحمدي نجاد في السلطة هو دعم المرشد له. وحالما يكف المرشد الأعلى عن دعمه سيكون سهلا توبيخه واقصاؤه».

ولا يتهم احد القيادة الايرانية بالتعمد في خلق فوضى اقتصادية، بل يرى الاقتصاديون أن احمدي نجاد لا يفهم تأثير سياساته على الوضع الاقتصادي. وقال علي رشادي، وهو اقتصادي مستقل: «انه يشعر بمعاناة الفقراء لكنه لا يمتلك أي حل»، مضيفاً: «إنه يدمر نظاماً اقتصادياً نشأ خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة».

ويعتبر الكثير من الصحافيين والأكاديميين والمسؤولين الحكوميين السابقين ان احمدي نجاد كان أكثر نشاطا وتهورا مع الاقتصاد مما توقعه خامنئي. ولكن في الوقت نفسه يضيفون أن المرشد مرتاح لأحمدي نجاد لأنه يثق بأن الأخير قادر على الحفاظ على النظام وإيقاف مسار التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يراها المحافظون خطوات خبيثة لحرف الثورة الإيرانية.

ورأى سفير غربي هنا أن المرشد الأعلى ودوائر الأمن قررت اعتقال هالة اسفندياري، الاكاديمية الأميركية من اصل إيراني، كشكل من أشكال التحذير للإيرانيين في الداخل والذين عبروا عن ريبتهم من الاتجاه الذي تتحرك إيران فيه.

ومن جهته، قال محسن كديفر، رجل الدين الذي أقصي حديثا من موقعه كأستاذ في جامعة طهران: «انهم يظنون أننا نبتعد شيئا فشيئا عن القيم الإسلامية. هم يرون أحمدي نجاد باعتباره الرجل القادر على إعادة إيران إلى هذه القيم». وأضاف: «ما يهمهم هو البقاء في السلطة». وجاء انتخاب احمدي نجاد بعد ان قاد حملة ظهر خلالها كمناصر للفقراء، إذ وعد بإعادة توزيع ثروة البلاد النفطية من الأغنياء الى الفقراء. وكان من بين أول القرارات التي اصدرها منذ توليه منصبه هو خفض مستوى الفائدة من 17 في المائة الى 12 في المائة. إلا ان تلك الإجراءات جاءت بنتائج عكسية، اذ جعلت تأمين القروض أصعب. وفي خطوة مماثلة، قرر احمدي نجاد ايضا ان اسعار الاسمنت عالية وأمر بخفضها. وفي هذا السياق، قال المحلل الاقتصادي رشادي ان هذا المرسوم أثار مخاوف المستثمرين الذين كانوا يعتزمون تشييد مصانع لإنتاج الاسمنت في مختلف أنحاء ايران. وأضاف رشاد ان الاساءات التي كانت تصدر باستمرار عن الرئيس ضد الاسواق المالية أضعفت ثقة المستثمرين في السوق المالية ودفعتهم الى الاستثمار في مجال العقارات، مما ادى الى ارتفاع اسعار العقارات. إلا ان الحكومة الايرانية استطاعت من خلال استغلال عائدات النفط في انقاذ نفسها على المدى القصير من مشكلة اقتصادية كبرى بسبب إنفاق ما يعادل 60 مليار دولار على دعم المنتوجات وزيادة حجم الواردات. ولكن اشار اقتصاديون ايرانيون الى ان ذلك ادى الى إضعاف الصناعة المحلية. وساعدت عائدات النفط ايضا في انقاذ موقف الحكومة الايرانية من خلال إثراء طبقة حاكمة جديدة يشكلها أعضاء الحرس الثوري وميلشيا "الباسيج" المتغلغلين في كل جوانب الاقتصاد الايراني، بالاضافة الى الحكومة الايرانية الآن. واستفاد كثير من أصحاب العقارات من السياسات الاقتصادية للرئيس الايراني بسبب ارتفاع اسعارها عدة أضعاف. فسعر شقة مكونة من اربعة غرف في أحياء طهران الجيدة كان حوالي 200 الف دولار قبل اربع سنوات، إلا ان قيمتها الآن وصلت الى ما يزيد على مليون دولار. وصاحبت الاضطراب الاقتصادي الاخير في ايران، حملة أمنية مشددة خلال الشهور الأخيرة. فقد ألقت السلطات الامنية القبض على مفكرين اميركيين من اصول ايرانية وقمعت الحركة الطلابية وقلصت الحريات الاجتماعية وعزلت بعض الأساتذة من عملهم في الجامعات وأغلقت صحفا واتجهت نحو تهميش رموز سياسية كان لها نفوذ في السابق، مثل الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، الذين لا يتفقون مع النهج الحالي. وشملت الاعتقالات حسين موسويان، الذي كان في السابق مقربا من السلطة وأحد لمفاوضين بشأن البرنامج النووي، بتهمة التجسس في شهر مايو الماضي. ونتيجة لذلك، يسود الشارع الايراني الهدوء. ولكن هناك تيارا من التشوش والتوتر. ويقول الناس ان الحياة جيدة، بل هي افضل في ظل الرئيس الحالي، ثم يذكرون الكثير من الشكاوى.

والمحصلة النهائية لسياسات احمدي نجاد يمكن رؤيتها في قرية ودان. ففجأة ارتفعت قيمة العقارات ارتفاعا كبيرا لدرجة ان احد ابناء المنطقة، غالان عباس محمودي، فتح مكتبا عقارياً. ويبيع المزارعون اراضيهم ليقيم الاثرياء من طهران فيلات على التلال ذات المناظر الساحرة المطلة على الريف. وبالنسبة لهؤلاء الذين لا يملكون ارضاً وشاهدوا ارتفاع ايجار مساكنهم، مثل خليلي، فالأمر يقترب من حدود الكارثة.

غير ان محمودي، سمسار العقارات، لديه وجهة نظر مختلفة: «مع ازدياد دخلي تزداد قدرتي الشرائية».

وبينما فقد احمدي نجاد الكثير من الدعم السياسي داخل النظام الحالي نتيجة هذه السياسات، لم تبد عليه أية إشارة على التراجع. وقد قال في الفترة الأخيرة: «هناك جزار شريف في حينا على دراية بكل مشاكل الناس»، مضيفاً: «إنني أحصل على معلومات اقتصادية مهمة منه».

* خدمة «نيويورك تايمز»