افتتاح أول معهد أزهري في لندن للتصدي لدعاوى الأصوليين

د. الشرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: سيكون متاحا للجميع أيا يكن دينه أو لونه أو عرقه

الدكتور محمد الشرقاوي مدير المعهد الازهري البريطاني (تصوير حاتم عويضة)
TT

في الوقت الذي يثور فيه الجدل حول حركة إسلامية متطرفة، بزعامة إمام بريطاني، تدرس المذهب الديوباندي المستورد من الهند، وتتصف برفضها لكل القيم الغربية، وتمتلك نفوذا كبيرا في الأوساط الإسلامية البريطانية، إلى درجة أن شرطة اسكتلنديارد تعتقد أنها تدير أكثر من 600 مسجد من مساجد بريطانيا البالغ عددها 1350 مسجدا، افتتح الشيخ عمرو الديب، وكيل الأزهر الشريف، أول معهد أزهري في العاصمة البريطانية لندن بداية هذا الشهر، لتدريس المناهج الأزهرية بجانب المقررات البريطانية.

وأبلغ «الشرق الأوسط» الدكتور محمد الشرقاوي مدير ومؤسس المعهد الازهري البريطاني الذي يعرف باسم «اكاديمية الرحمن» ان المعهد الجديد بشرق لندن لن يقتصر على الطلاب المسلمين، بل سيقبل كافة المتقدمين بصرف النظر عن دياناتهم وجنسياتهم. واضاف الشرقاوي، الامام الاسبق لمسجد ريجنت بارك، ان المعهد الأزهري البريطاني (ابتدائي، إعدادي، ثانوي) هو أول معهد من نوعه يقوم بتدريس العلوم الشرعية بجانب المقررات البريطانية.

وكان الشيخ عمرو الديب قد صرح بعد عودته من بريطانيا، بعد مشاركته في اجتماع اللجنة المشتركة للحوار بين الأزهر والكنيسة الإنجيلية البريطانية، الذي بدأ أول سبتمبر (أيلول) الحالي، واستمر ثلاثة أيام، أن «الأزهر سيشرف على المعهد فيما يتعلق بالمناهج الأزهرية، حيث سترسل امتحانات الشهادات من المعاهد الأزهرية»، مؤكدا أن افتتاح المعهد يعد خطوة مهمة لتوضيح صورة الإسلام الوسطي المعتدل، وأنه سيوفر على الدارسين عناء السفر للدراسة بالأزهر.

وبين الدكتور الشرقاوي، رئيس أكاديمية الرحمن للثقافة والعلوم الاسلامية ببريطانيا لـ«الشرق الأوسط»، أن إنشاء المعهد الازهري جاء تنفيذا لاتفاقية تم توقعيها بين وكيل الأزهر ممثلا لشيخ الأزهر، الدكتور محمد سيد طنطاوي، وبينه كرئيس للأكاديمية. وأوضح أن التعليم الأزهري سيكون متاحا لكل من يرغب في تلقيه «أيا يكن دينه أو لونه أو عرقه، فتعلم الإسلام ليس قاصرا على المسلمين فحسب، وإنما هو أمر متاح لكل من يرغب فيه، وذلك من أجل نشر تعاليم ديننا»، وقال ان «الهدف تخريج ائمة معتدلين من ابناء هذا المجتمع يؤمنون بمنهج الوسطية والاعتدال منهجا للحياة». وحول مدى إمكانية دعم الحكومة البريطانية للمعهد الازهري، أشار الشرقاوي إلى أن الحكومة لن تدعم المعهد في الوقت الحالي، متوقعا أن يحظى بدعمها في المستقبل بعد أن يثبت نجاحا ملموسا في تخريج ائمة وحفاظ للقرآن وفق منظومة الازهر، على غرار مدارس الداعية يوسف إسلام وهو شخصية قيادية في أوساط الأقلية المسلمة وغيرها من المؤسسات التعليمية الإسلامية التي تدعمها الحكومة. وقال ان «الخريجين يحفظون القرآن ويتحدثون الانجليزية ويفهمون الثقافة الغربية، ويمكن ان يعملوا كأئمة في المساجد او معلمين في المدارس او وعاظ في السجون البريطانية». وشدد الشرقاوي على أن بريطانيا ترحب بتطبيق التعليم الأزهري على أراضيها، نظرا لمفهوم الوسطية. ويعيش في بريطانيا نحو مليوني مسلم يمثلون 2.5 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ حوالي 60.7 مليون نسمة. يذكر أن هناك نحو 170 مسجدا في لندن، تم تصنيفها على أنها تدار بوساطة جماعة «ديوباندي»، يتخرج فيها 80 في المائة من رجال الدين في بريطانيا، وقد داهمت شرطة مكافحة الارهاب البريطانية قبل 3 اعوام احدى هذه المدارس في بلاكبيرن. وتدعم المناهج «الديوباندية» فكرة الجهاد المسلح كذروة سنام الاسلام، ولها فروع في ليستر وبلاكبيرن وبرمنغهام.

من جهته أوضح الشرقاوي أن أكاديمية الرحمن حلم راود خياله منذ أن وطأت قدماه أرض بريطانيا كإمام لمسجد ريجينت بارك قبل عشرين عاما مضت، بعد أن لاحظ ذلك التفرق والاختلاف بين أركان الجالية الإسلامية وتعصبهم لمذاهب هي في الأصل وجهات نظر ائمة المذاهب في معاني القرآن والسنة، والتي يجب أن تكون مشاعل هداية لفهم أوضح وأكثر ملاءمة للعصر الذى نعيشه، ثم يأتي من بعدنا ليلتقط الخيط من النقطة، التي توقفنا عندها وهكذا دواليك حتى يرث الله الأرض ومن عليها وتعود آيات القرآن إلى من نزل القرآن على قلب عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم عذراء كأنها لم تمس من قبل.

وأضاف «تمنيت أن يأتي اليوم الذي إذا ما سئل كل من رضي بالله ربا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ما ديانتك يكون رده أنا مسلم دون أي إضافة أخرى، مسلم وحسب، كما كان رسول الله ومن سبقه من الأنبياء والرسل مسلمين وحسب». موضحا «زاد من معاودة ذلك الحلم لي حتى أصبح جزءا من حياتي، ولن أكون مزايدا إذا قلت إنه أصبح حياتى كلها». وأفاد «في السنوات الأخيرة اتهم الإسلام من جراء تصرفات بعض أتباعه أنه دين عنف وإرهاب وتطرف، وحقيقة الأمر أن الإسلام دين حب وسلام ووسطية، لكن الفهم المتجمد لنصوص القرآن والسنة جعل الهاوية سحيقة بين الاسلام وحضارة العصر، هاوية غرقت فيها أحلام المسلمين وأمجادهم، وامتلأ قلبي رعبا وأنا واقف مكتوف اليدين، ماذا سأقول لخالقي يوم العرض عليه حين يسألنى كما سيسأل كل مسلم عن ذلك الدين وعن كل قطرة دم سالت، عن كل لحظة رعب عاشها طفل أو إمرأة أو شيخ مسلما أو غير مسلم، فالكل عباد الله وعبيده. فجاءت لحظة البداية لجعل الحلم حقيقة لأن تكون المشاعر والأحاسيس إيجابية وليست مجرد أحلام أو بكاء على الأطلال، فكانت البداية يوم أن أنهيت بعثتي إلى المركز الإسلامي بريجنت بارك». واكد «إننا فى مسيس الحاجة لأن نري العالم كله الوجه المشرق للإسلام بعيدا عن التطرف والعصبية والتشنج، الإسلام بحضارته وعظمته وسموه الإسلام الحب الولاء الوفاء بالعهد حسن الجوار دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا». واوضح «لم أشأ أن أبدأ معهدا تعليميا تكون كل وظيفته أن يوفر بعض الدروس والمحاضرات للدارسين وفي نهاية الدورة يحصل على ورقة لا تضمن له عملا أو مستقبلا يشعرهم أن ما أنفقوه من وقت ومال لم يضع سدى ولم يكن المقابل له أجر الآخرة فحسب، وإنما أيضا مستقبلا دنيويا يتمكن من خلاله أن يكون عضوا عاملا في مجتمعه الذي يعيش فيه، وأن يكون المسلم الحق الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم كالنخلة كلها خير جذعها وجريدها وسعفها حية أو مجتثة من فوق الأرض». وافاد الشرقاوي «بدأت رحلتي فعقدت اتفاقيات علمية مع عدد من المؤسسات العلمية والدينية حتى يكون للشهادة التي تمنحها الأكاديمية للخريجين ثقلا وقيمة تكون له عونا في دينه ودنياه يوم العرض على الله، وتوج ذلك باتفاقية مع الأزهر تم التوقيع عليها من فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لتنشئ الأكاديمية أول معهد أزهري فى بريطانيا يعلم الإسلام باعتداله ووسطيته، ليتصدى لدعاوى الاصوليين، وكذلك ببعده عن العصبية المذهبية التي ليست إلا امتدادا للعصبية القبلية الجاهلية التي جاء الإسلام ليقضي عليها ويستبدلها بالمؤاخاة، على غرار ما أقامه الرسول بين المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة، جوارا حسنا مع يهود المدينة حتى أخلوا ببنود المعاهدة، وسماحة ورحمة وصلة رحم كما حدث حينما أصدر عفوا شاملا عن أهل مكة الذين آذوه وأخرجوه.