اغتيال النائب أنطوان غانم يقلص الأكثرية البرلمانية إلى 68 نائباً

تفجير سيارة مفخخة بموكبه يقتله مع 9 أشخاص * نواب «14 آذار» مصممون على انتخاب «رئيس جديد للبنان جديد»

عناصر من الدفاع المدني اللبناني يعملون على إخماد الحريق الذي شب في سيارة النائب أنطوان غانم إثر تفجيرها في منطقة سن الفيل أمس (تصوير: جوزيف أبي رعد)
TT

قبل اقل من اسبوع على موعد الجلسة النيابية الاولى لمحاولة انتخاب رئيس جديد للبنان، امتدت يد «الارهاب السياسي» لتطال النائب انطوان غانم الذي قتل مع 9 مواطنين آخرين على الاقل في تفجير سيارة مفخخة لدى مرور موكبه في محلة مستديرة الحايك بمنطقة سن الفيل (شرق بيروت) عصر امس.

ولم تفلح اجراءات التمويه التي اعتمدها غانم في حمايته من الاغتيال. اذ كان قد ازال لوحته النيابية الزرقاء الرقم 133 ووضعها في صندوق سيارته الشفروليه السوداء التي قذفها الانفجار الى الجانب الاخر من الطريق ودمرها تماما. وابلغ شهود عيان «الشرق الاوسط» ان الانفجار كان قويا جدا وان المنطقة اهتزت بعد حصوله لثوان، وادى الى اندلاع حرائق عدة والى جرح نحو 20 شخصا، بالاضافة الى عشرات الاصابات بالزجاج المتناثر داخل المنازل. وقال مالك احد متاجر الحلويات قرب مكان الانفجار انه سمع صوتا يشبه التكتكة ثم الانفجار الكبير. واشار هاروت ديربوريان العائد لتوه من لوس انجليس مع عائلته للاقامة في لبنان نهائيا الى ان الحادث الذي ادى الى اصابته بجروح في قدميه واصابة ابنته (8 سنوات) كان بمثابة «هدية ترحيب» مشيرا الى انه سيعتبرها «هدية وداع» وسيعود للهجرة مجددا.

وللوهلة الاولى لم يكن سكان المنطقة يعرفون هوية المستهدف بالاغتيال. وسادت شائعات قوية عن ان غانم لم يكن داخل سيارته ما ساهم في تهدئة الحشود المتجمعة في المكان بعض الشيء. وقد نقلت جثة غانم ومرافقيه الى المستشفى اللبناني ـ الكندي القريب من مكان التفجير.

وباغتيال غانم الذي عاد الى بيروت منذ يومين بعد رحلة نقاهة من مرض ألزمه المنزل لشهرين، يكون حضور حزب «الكتائب اللبنانية» في البرلمان اللبناني قد انتهى بعد اغتيال رفيقه في الكتلة الوزير بيار الجميل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وغانم هو النائب الرابع الذي يسقط اغتيالا من نواب «14 اذار» في المجلس الجديد المنتخب عام 2005، ما ادى الى تقليص «اكثرية» فريق الاكثرية من 72 نائبا الى 68.

وافادت المعلومات الاولية بان التفجير حصل لاسلكيا بواسطة عبوة وضعت داخل سيارة مرسيدس مركونة الى جانب الطريق قدرت زنتها بنحو 25 كلغ من المواد المتفجرة. وحضر الى مكان الانفجار قاضي التحقيق العسكري رشيد مزهر والقاضي جان فهد. وباشرت الاجهزة الامنية اللبنانية التحقيق في الحادثة، وقطعت الطرق المؤدية الى مكان الانفجار.

وقد صدرت مواقف عدة لقيادات في «14 اذار» تشكك في وجود خرق للاجهزة الامنية بما مكن من رصد عودة غانم من الخارج وطريقة تحركه. فيما تحدث بعضهم الاخر عن استهداف الاكثرية في الدائرة الانتخابية التي يعتقد ان فريق «14 اذار» لم يعد يمتلك فيها الاكثرية الشعبية لاعادة انتخاب نائب منها بسبب التحالف الجديد بين النائب ميشال عون و«حزب الله» بما يجعلهما قوة ناخبة اساسية في دائرة بعبدا ـ عاليه التي شغر احد مقاعدها نتيجة الاغتيال.

على صعيد ردود الفعل، دان رئيس الجمهورية، اميل لحود، بشدة جريمة اغتيال النائب غانم، معتبرا انها «حلقة جديدة في سلسلة الجرائم التي تستهدف وحدة لبنان وأمنه واستقراره وارادة بنيه في العيش بكرامة وحرية وسيادة». وقال: «ليس من الصدفة انه كلما لاحت في الافق تطورات ايجابية لحل الازمة السياسية الراهنة وجمع اللبنانيين حول الخيارات التي تعطي وطنهم قوة وحضورا، ان تمتد يد الغدر لتنفذ فصلا جديدا من فصول المؤامرة المحاكة ضد لبنان وشعبه ودوره». وناشد القيادات اللبنانية «تفويت الفرصة على المتآمرين على لبنان، وشبك الايادي لحماية الوطن وانقاذه مما يدبر له في الغرف السوداء التي لم ترتو بعد».

ونعى رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب غانم، معتبرا انه كان «قيمة خلقية وبرلمانية». ورأى ـ كما قالت اوساطه لـ«الشرق الاوسط» ـ ان اغتيال غانم هو استهداف لمبادرته. واشارت الى ان بري اتصل بالبطريرك الماروني نصر الله صفير وعزاه بالنائب غانم واعتذر عن لقاء كان مقررا بينهما غدا (الجمعة) للبحث في موضوع الاستحقاق الرئاسي.

واتهم رئيس كتلة «المستقبل» النيابية النائب سعد الحريري «اعداء لبنان باغتيال النائب انطوان غانم، لان هؤلاء الاعداء يريدون تعطيل انتخابات الرئاسة ولانهم يريدون قتل لبنان». وقال: «اقول للجميع نحن مستمرون. لن يوقفنا احد ولا شيء. سنحفظ الدستور، سنحفظ الطائف والديمقراطية في لبنان وسنذهب للاستحقاق الرئاسي موجودين متضامنين». واضاف: «القاتل والمجرم واحد والسفاح واحد. بعدما قصفت الطائرات الاسرائيلية سورية، ردوا عليهم بقتل اللبنانيين. هكذا ترد سورية. ولم ارَ يوما نظاما اجبن من نظام بشار الاسد».

واشار الحريري، في كلمة القاها في حفل افطار اقامه امس، ان غانم كان خارج لبنان منذ اغتيال زميلنا النائب القاضي وليد عيدو بناء على معلومات بأن نواب الاكثرية مستهدفين، لان الاكثرية النيابية مستهدفة. وانه عاد الى بيروت بناء على دعوة النواب الى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بعد اقل من اسبوع. واكد الحريري: «اننا مستمرون بنظامنا البرلماني، ولن يثنينا احد عن ذلك، وسنحافظ على الدستور ونحافظ على اتفاق الطائف». وقال: «من اجل هؤلاء، من أجل الزملاء الذين يدفعون حياتهم ثمنا للدفاع عنا، عن مجلسنا النيابي، عن نظامنا البرلماني، اقول للجميع: نحن مستمرون. لن يوقفنا احد ولا شيء. سنحفظ الدستور، سنحفظ الطائف، سنحفظ الديمقراطية في لبنان، وسنذهب للاستحقاق الرئاسي موحدين متضامنين».

وتحدث رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع عن وجود «اختراق في الاجهزة الامنية». فيما لمح النائب سمير فرنجية الى امكانية مراقبة تحرك النواب عبر الاجهزة الامنية في مطار بيروت وغيره.

ووضع جعجع الجريمة الجديدة في السياق نفسه للجرائم السابقة منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وحتى اغتيال النائب وليد عيدو. وقال ان الهدف منها هو افقاد الاكثرية اكثريتها، آملا في ان لا يقوم فرقاء آخرون بمحاولة استثمار الجريمة، في اشارة غير مباشرة الى النائب ميشال عون الذي رشح احد مناصريه لمقعد النائب الراحل بيار الجميل في دائرة المتن الشمالي في مواجهة الرئيس السابق امين الجميل. ودعا جعجع النواب الى النزول الى مجلس النواب وانتخاب «رئيس جديد للبنان جديد».

وطالب النائب سمير فرنجية رئيس مجلس النواب بري بفتح مجلس النواب. فيما اكد وزير الرياضة والشباب احمد فتفت ان نواب الاكثرية سينزلون الى مجلس النواب الثلاثاء المقبل في محاولة لانتخاب رئيس جديد للبنان.

واستنكر وزير الصحة المستقيل محمد جواد خليفة الجريمة، واعتبر انها «تصيب الوطن في الصميم وتصيب ارادة الحياة التي ندعو اليها كل يوم».

واستنكرت لجنة الاعلام في «التيار الوطني الحر» الذي يرأسه النائب عون جريمة اغتيال «النائب والمحامي والصديق انطوان غانم وعدد من المواطنين اللبنانيين الامنين». وطلب التيار من السلطات المختصة «كشف كل الحقائق، لعدم استغلالها لاغراض سياسية رخيصة». وحذر المواطنين من «الانجرار وراء الفتنة التي يريد البعض جر لبنان اليها».