اياد علاوي: في بغداد مظاهر محزنة.. وبوادر صحوة أيضا

رئيس الوزراء العراقي الأسبق في حوار مع «الشرق الاوسط»: الحكومة الحالية غير شرعية .. والمالكي استأثر بالسلطة

رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي («الشرق الأوسط»)
TT

يخوض رئيس الوزراء العراقي السابق رئيس «القائمة العراقية» اياد علاوي حالياً مشاورات داخل العراق وخارجه للعمل على تغيير الوضع الراهن في العراق. ويركز علاوي على المصالحة الوطنية كوسيلة للابتعاد عن الطائفية التي تهدد بتقسيم البلاد، لكنه قال في حوار خص به الـ«الشرق الاوسط»، ان الحكومة الحالية لم تبذل جهوداً حقيقية في اتجاه المصالحة، التي قال ان تطبيقها يعتمد على اجراءات وليس مؤتمرات، بما في ذلك السماح لجميع العراقيين بالمشاركة في العملية السياسية، ومن بينهم البعثيون، طالما لم تثبت عليهم جرائم. وقال علاوي ان الحكومة الحالية غير شرعية بعد استقالة عدد كبير من وزرائها، وان مجلس الوزراء لا يجتمع وباتت السلطة في يد رئيس الوزراء نوري المالكي.

والتقت «الشرق الاوسط» علاوي في مقر اقامته في العاصمة البريطانية لندن، اثر عودته من العراق الاسبوع الماضي، والتي كان قد غاب عنها 3 اشهر. وقال انه لاحظ تراجعاً في مجالي الأمن والخدمات العامة في زيارته الاخيرة، مضيفاً: «رأيت مظاهر محزنة والجدران الكونكريتية تملأ الشوارع وتعزل مناطق بغداد». ولكنه لفت الى انه رأى جوانب ايجابية اثناء زيارته، على رأسها «بوادر وعي وصحوة سياسية واسعة لدى قوى سياسية داخل مجلس النواب وخارجه، اصبحت اكثر من القوى التي تبنت رؤية المحاصصة الطائفية وتعتقد بصحة المشروع الوطني». واضاف ان القوى البرلمانية التي تتعاون مع القائمة العراقية هي حزب الفضيلة وبعض الفصائل من التيار الصدري وبعض الفصائل من جبهة التوافق، موضحاً ان «المشروع الوطني الذي تقدم به (نائب رئيس الجمهورية) طارق الهاشمي يتطابق مع المشروع الذي قدمناه سابقاً، ويعتمد على الابتعاد عن المحاصصة الطائفية». وأما الاطراف خارج البرلمان فقد اخذت تتمحور على شكل «الصحوة» التي تقودها عشائر في مناطق عدة من العراق، مثل الانبار وصلاح الدين. وقال «تعاملنا مع قوى اجتماعية في الكوت وكربلاء وديالى والانبار وغيرها من قوى اجتماعية تمارس دورها في مواجهة التطرف»، مضيفاً: «اشجع هذه الرموز وما يسمى بالصحوة ان تدخل العملية السياسية حتى تصب الامور بالاتجاهات الصحيحة». ولفت الى ان ذلك يدل على «صحة برنامج القائمة العراقية التي تعتمد على الابتعاد عن المحاصصة الطائفية وبناء عراق قوي وعصري مبني على مؤسسات الدولة». واضاف ان تطبيق العمل على المشروع الوطني يستدعي «توسيع رقعة المؤمنين بالمشروع الوطني داخل البرلمان وخارجه». وعبر علاوي عن الحاجة الماسة للعمل على المشروع الوطني «اذ بدأت الاحداث تفرض نفسها علينا، فموضوع تقسيم العراق بدأ يطرح، وهذا امر خطير». وأضاف ان «القوى التي نتعاون معها اجتمعت وكانت القائمة العراقية تمثلها واعلنت عن رفضها لهذا الطرح»، في اشارة الى قرار الكونغرس غير الالزامي الذى نص على جعل العراق فيدرالية بمركز ضعيف وتقسيم اقاليمه على اسس طائفية وعرقية تهدد بقاءه دولة واحدة. ولفت الى ان خطر تقسيم العراق اتى بسبب «ما يسمى بالعملية السياسية الحالية التي اصبحت غير متوازنة وانتجت هذا النهج». وأضاف «نعمل لاعادة التوازن في العملية السياسية والعودة الى الاصالة العراقية والابتعاد عن الطائفية، وهي غير موجودة بين الناس وفي الشارع، ولكنها نتيجة السياسة المدمرة للبلاد». وتابع «الحكومة الحالية ترفض المصالحة الوطنية وترفض التطبيق العملي لها، بما في ذلك استيعاب عناصر الجيش السابق والحديث مع الاطراف خارج العملية السياسية الحالية». ولفت الى ان هذه الاطراف اصبحت هدفاً لانتقام السلطة، مضيفاً ان «نسبة عالية من ضباط الجيش السابق يتصلون بنا لنساعدهم على الحصول على اللجوء السياسي بعد تصفية عدد كبير منهم، وقد خاطبت الامم المتحدة ومنظمة العفو الدولية قبل اسبوعين لاطالبهم باعطاء الاولوية للضباط العراقيين في منح اللجوء».

ولفت علاوي الى ان الحكومة الحالية تعاني من عدم الشرعية بعد استقالة وزراء جبهة التوافق والتيار الصدري وبعض وزراء قائمة العراقية من الحكومة، مضيفاً: «مجلس الوزراء لا يجتمع وباتت السلطة في يد رئيس الوزراء» نوري المالكي. وقال ان الحل يكمن في «اجراء انتخابات جديدة ومشاركة رقعة واسعة من القوى المؤمنة بالمشروع الوطني، لتنبثق حكومة جديدة تهتم بالمصالحة والأمن». وعند سؤاله عن احتمال القيام بانقلاب عسكري كمخرج من الازمة السياسية، رد علاوي ضاحكاً: «هذا ما يتهموني بالتخطيط له»، ليضيف: «لا يوجد جيش عراقي قابل على ذلك الآن وهناك حوالي 160 الف جندي اميركي في العراق و30 الف جندي من دول اخرى، ولا يمكن قيام انقلاب عسكري بوجودها». وتابع «على كل حال، يصعب التحرك عسكرياً لأن هذه المأساة حلها ليس عسكرياً». وشدد علاوي على ان خلاص العراق من المأزق الراهن يكمن في المصالحة الوطنية. وقال ان على الحكومتين العراقية والاميركية الاعتراف بهذا الشرط الاساسي والمركزي لنهوض البلاد، موضحاً «ما زالت هناك ضبابية في التفكير الاميركي، وهناك اعتقاد بأن الشروط الـ18 التي حددها الكونغرس الاميركي للحكومة العراقية هي الاساس، ولكن لا يمكن ان يتحقق الأمن والاستقرار ما لم يكن ذلك مبنياً على اسس المصالحة الوطنية». ولفت الى ان السفير الاميركي لدى بغداد رايان كروكر مقتنع بهذه الرؤية، ولكن الامر ليس كذلك في جميع الاوساط السياسية الاميركية.

وأكد علاوي في حديثه على ان المصالحة الوطنية يجب ان تشمل الجميع، بمن فيهم اعضاء حزب البعث، على ان يكونوا ابرياء من جرائم نظام صدام حسين. وشرح ان ذلك لا يعني «عودة حزب البعث، ولكن البعثيين هم مواطنون عراقيون ايضاً». وأضاف «مسألة عودة حزب البعث انتهت، مثلما انتهت فكرة عودة الشيوعية الى روسيا، ولكن (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين كان شيوعياً وعاد للسلطة في بلاده وغيره من الشيوعيين بقوا في روسيا، وعودة البعثيين في العراق الى العملية السياسية مهمة». وأضاف: «علينا التمييز بين من اجرم ومن لم يجرم، ويجب محاكمة من اجرم وعلى من لم يجرم العيش في المجتمع مثل غيره». ورداً على سؤال حول لقائه مع بعثيين من انصار نائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري، المطلوب لدى الحكومتين العراقية والاميركية، قال علاوي: «التقينا بعثيين بحضور اميركي وجرى الحديث حول مسائل مهمة، خلاصتها ان البعث انتهى وعلى البعثيين ان ينصهروا في المجتمع والدخول في العملية السياسية. ولكن عزة الدوري ومحمد يونس الاحمد (زعيم مجموعة اخرى من البعثيين المنشقين عن جماعة الدوري) مطلوبان للعدالة ولم يجر حديث معهما مباشرة». وتابع «الهدف من هذا الحديث هو حقن الدماء». ولكنه قال ان الحكومة الحالية ترفض هذا الحديث، مضيفاً «عندما يتحدثون ضد البعثيين يقصدونني» (بسبب انتمائه السابق للحزب). واضاف: «يعرفون موقفي ويريدون استهدافي بشعارات رخيصة». وينظر علاوي منذ فترة الى المرحلة ما بعد خروج القوات الاميركية من العراق، او على الاقل تقليص وجودها هناك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية. وقال علاوي: قرارات الخروج من العراق اصبحت واقعية بالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا، مضيفاً «لعل مجلس الأمن يأخذ دوره في معالجة هذا الامر». ولفت الى انه في نهاية العام الماضي بعث برسائل الى الامين العام للامم المتحدة والادارتين الاميركية والبريطانية وامين عام الجامعة العربية عمرو موسى «لنطالب بتوسيع دور الامم المتحدة في العراق، وهناك اشارات الى استجابة مع هذا الطرح». وشدد على ضرورة الاستعداد لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الاميركية في العراق، «اذ لا يمكن ان يكون الانسحاب سليماً من دون قوى كافية لملء الفراغ الأمني الذي ما زلنا نعاني منه». ويستعد علاوي لزيارة كل من الصين وروسيا قبل نهاية هذا العام ضمن جهوده لاشراك قوى دولية اخرى في مساعدة نهوض العراق. وأكد علاوي انه يمكن لروسيا والصين لعب دور مهم في العراق في ملفات عدة، على رأسها التعامل مع ايران. وقال علاوي «لدى الطرفين دبلوماسية في التحدث مع ايران غير موجودة لدى اوروبا والولايات المتحدة». وقال انه يجب «اقناع الولايات المتحدة والدول الاقليمية بأن مصالحها مهددة مثلما مصالح العراق مهددة، وعلى الدول الاقليمية ان تؤثر على مسار الوضع في العراق مثلما تفعل ايران»، موضحاً ان المصالح العربية والاميركية مهددة من قبل ايران ولكن الحل ليس عسكرياً. ورأى ان التصدي العسكري لايران خاطئ، وقد ارتكبت الولايات المتحدة اخطاء استراتيجية قوت ايران، وهي تفكيك الدولة العراقية وفرض نظام المحاصصة السياسية وسكوتها على تدخلات ايران حتى تقوت لهذه الدرجة. ولفت الى انه يجب اقناع ايران بأن تدخلها في العراق على هذا النحو ليس من مصلحتها، والافضل لايران ان يكون لها اصدقاء في المنطقة، فالجغرافية لا تتغير. واعتبر ان الحل في مواجهة التدخل الايراني يكمن في حوار جاد تحت مظلة الامم المتحدة وبمشاركة اقليمية من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي واشراك جميع الفصائل العراقية وليس فقط الحكومة التي يسير بعض عناصرها برأي ايران. وأضاف ان هناك حاجة لتطمين ايران وحل مشاكلها مع الولايات المتحدة خارج العراق ووضع النقاط على الحروف للابتعاد عن مخاطر المواجهة المسلحة. وتابع ان الموقف الايراني في العراق نتيجة مزيج من مخاوف ايران (من الولايات المتحدة) واطماعها في العراق، ومن يرغب في تصدير الثورة الايرانية الى العراق. وحرص على التأكيد بأنه «لا توجد لدي مشكلة مع ايران وآمل ببناء الثقة بيننا». وفي نهاية الحديث، ابدى علاوي ندمه على ما وصل اليه العراق بعد اربع سنوات ونصف السنة منذ سقوط نظام صدام حسين. ورداً على سؤال على ما يندم عليه، قال علاوي «30 عاماً قاتلت ضد نظام صدام وما كنت اتوقع عبر هذه العقود ان يستبدل نظام صدام حسين بما هو قائم الآن، لنصل الى حالة بحث تقسيم العراق بين مؤيد ورافض». وأوضح «القادة السياسيون، وانا منهم، فشلوا في تشخيص الامور والانتقال من الدكتاتورية الى دولة القانون والعدالة»، ليضيف «على الرغم من الدمار على المستوى العائلي والوطني لم ننجح بهذا الانتقال، بل تفكك ما كان موجودا في السابق». وقال علاوي انه لا يصف نفسه بالمعارض للحكومة الحالية، ولكنه اضاف «علينا التصدي للوضع القائم كمواطنين وقفنا ضد صدام وعانينا منه».