المشاركة العربية بعيدة عن نزعات تطور الكتب في العالم

الحمار الكتالوني «بورو كاتالا» يثير جدلا في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب

لقطة من الجناح السعودي في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب («الشرق الأوسط»)
TT

حل الحمار الكتالوني «بورو كاتالا» محل الثور الاسباني في أروقة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في دروته التاسعة والخمسين. والحمار الكتالوني هو الرديف «الساخر» للثور الاسباني، والتعبير عن اختلاف العقلية الكتالونية عن العقلية الاسبانية المبهورة بمشاهد الثيران الهائجة، التي تقتل يوميا بسيوف مصارعي الثيران.

والبادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ بورصة كتب فرانكفورت، إذ لم يسبق للمعرض الدولي للكتاب أن استضاف مقاطعة أو أقلية قومية بعينها، لتكون وصيف الشرف الثقافي. ومقاطعة كتالونيا، التي تم اختيارها، تتحدث بلغتها الخاصة، إلا أنها جزء من اسبانيا يتمتع بالحكم الذاتي (شمال شرق)، ولم تشهد أية نزعات انفصالية تذكر، وإذ اعتبرت إدارة المعرض استضافة قومية صغيرة تعزيزا للثقافات الصغيرة، اعتبرها البعض الآخر بادرة تعزز مشاعر الانفصال القومي وضارة بالمشاعر الوطنية الاسبانية.

وواقع الحال أن كتالونيا (7 ملايين نسمة) أعادت معرض فرانكفورت على نهر الراين إلى الأجواء الشرقية التي حفل بها المعرض قبل أعوام، حينما استضاف البلدان العربية. لكن الفرق يبقى واضحا من ناحية الحجم والموقع، وتبقى الغصة في حناجر العرب (300 مليون) واضحة، بسبب هذا الفرق في التعامل. إذ يعرف الكثيرون أن العديد من البلدان العربية قادرة بمفردها على تمثيل بلادها بعشرات الكتاب وعشرات دور النشر.

وجاء نقد التوجهات الجديدة للمعرض على لسان الكاتب الكتالوني كويم مونزو، اكثر كتاب كتالونيا شعبية، الذي قال ان الحيرة عقدت لسانه ولا يعرف ماذا يقول. ألقى مونزو كلمة الافتتاح باسم المثقفين الكتالونيين، لكنه تحدث بعد ذلك أمام الصحافة قائلا: إن الثقافة الكتالونية لم تكن في العقود السابقة ضحية للاضطهاد القومي، كي يبرر ذلك تخصيصها كضيف خاص خارج الخريطة الاسبانية. وشاركته في الرأي كاتبة كتالونية معروفة هي نوريا أمات، فقد تساءلت أمات، التي تكتب بالاسبانية، في مؤتمر صحافي: تصوروا ما يمكن أن يحدث لو أن معرض فرانكفورت اعتبر تشيكيا ضيف شرف في العام المقبل، ثم أعرض عن دعوة كاتب كبير مثل فرانز كافكا. وأضافت: لا يمكن فصل براغ عن كافكا، كما لا يمكن تقسيم اسبانيا إلى ثقافتين لغويتين. وشاركتها في القلق صحيفة «فرانكفورتر روندشاو»، التي تساءلت عن الضجة التي ستثار في ألمانيا لو تم اختيار بافاريا بمفردها ضيف شرف في معرض فرانكفورت. وهذا أول معرض للكتب في فرانكفورت «بلا دخان»، بعد أن تم حظر التدخين في ولاية هيسن في المرافق العامة. وقد يصح عليه المثل القائل انه لا دخان بلا نار وهو ما ينطبق على هذا المعرض الذي خلا من نيران العطاء.

من ناحية أخرى، واصلت المشاركة العربية هذا العام تراجعها من ناحية المساحة التي احتلتها الأجنحة العربية، ومن ناحية عدد الدور المشاركة. والظاهر أن مشاركات دور النشر الصغيرة تتضاءل باستمرار، بسبب ثقل المشاركة المالي، مع زيادة ملحوظة في هيمنة دور النشر الأميركية والأوروبية. وبلغ عدد دور النشر من أوروبا وأميركا الشمالية اكثر من 6000 من مجموع المشاركات البالغة 7448. وهذا ينطبق مع توقعات إدارة المعرض التي أجرت دراسة تقول إن أوروبا واميركا ستسيطران على بورصة سوق الكتب العالمية بشكل كامل خلال 50 سنة. ورغم أن ظاهرتي الكتب الإلكترونية والكتب التعليمية والمسموعة هي من أهم ميول المعرض منذ اكثر من 10 أعوام، إلا أن معظم المشاركات العربية كانت بعيدة عن هذه التطورات. العرض السعودي لم يتغير من ناحية الديكور والمساحة رغم انه يبقى الاكثر أناقة بين الأجنحة العربية. والمفرح هو أن الجناح السعودي كسر سمعته السابقة كموزع للمصاحف فقط، وصار الجناح يغص بالكتب التاريخية والعلمية والإسلامية وكتب الأطفال وبعض الكتب الأدبية. وإذا كان الجناح مقصرا هذا العام في عرض الكتب التعليمية والصحية والكتب المسموعة، فان ذلك كان بسبب تعذر مشاركتي وزارة التعليم والصحة في المعرض. هذا في الأقل ما قاله المسؤولون عن الجناح لصحيفتنا.

وبدا الاستاذ أحمد صلاح زكي، وكيل وزارة الثقافة في مصر، فخورا بمشاركة بلاده هذا العام، خصوصا من ناحية عدد الكتب والعناوين الجديدة والكتب المترجمة إلى الانجليزية والألمانية والاسبانية. وارتفع عدد الكتب التي تنشرها وزارة الثقافة المصرية سنويا إلى 518 بفضل تنشيط ترجمة الكتب. وانتقد زكي تخصيص كتالونيا بموقع الضيف المتميز، مشيرا إلى ان مثل هذا الإجراء سيعزز النعرات القومية والانفصالية.

وأيده في الموقف الدكتور يوسف عيدابي، مسؤول الجناح الثقافي في الشارقة، الذي قال إن خصوصيات الثقافات الصغيرة يمكن ان تعالج بشكل آخر. واعتبر عيدابي تخصيص كتالونيا تسييسا للمشهد الثقافي العالمي وليس تعددية ثقافية. كما اعتبر هذا الموقف اجحافا بالثقافات الأخرى مثل العربية، حيث تم تخصيص كل البلدان العربية في موقع الضيف المتميز في معرض فرانكفورت قبل عدة أعوام.

وطبيعي تختلف تامان شاكر، مديرة الإعلام في وزارة الثقافة في إقليم كردستان العراق، في الموقف مع عيدابي وزكي. وقالت شاكر لـ«الشرق الأوسط» انها لا تتصور أن تؤدي استضافة كتالونيا في المعرض إلى تفتيت اسبانيا. واعتبرت شاكر، وهي كاتبة وصحافية أيضا، استضافة كتالونيا تشجيعا للأقليات الثقافية وإبرازا لنشاطها، وتمنت أن يخصص معرض فرانكفورت إحدى سنواته القادمة لاستضافة اقليم كردستان العراق.