اتفاق في لشبونة على معاهدة تحل محل مشروع الدستور الأوروبي

براون يرجح سلفه بلير لرئاسة الاتحاد ويطالب بإصلاح الأسواق المالية

TT

اختتم القادة الاوروبيون أمس قمتهم في لشبونة، بعد التوصل الى اتفاق على معاهدة جديدة بدل مشروع الدستور الاوروبي، على أمل إنهاء ازمة مؤسساتية مستمرة منذ اكثر من سنتين. وبعد الاتفاق على نص المعاهدة، على القادة العودة الى بلدانهم ومصادقتها بحلول عام 2009. وتوصل زعماء الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي الى توافق حول المعاهدة الاوروبية المعدلة، يتيح دوراً اكبر للبرلمانات الوطنية والمواطنين ويضمن تطبيق الميثاق الالزامي لحقوق المواطنين. وتمت ليل اول من أمس ازالة آخر العقبات التي كانت تضعها بولندا وايطاليا حول نظام التصويت في الاتحاد الاوروبي، وتوزيع النواب الاوروبيين، للتوصل الى اتفاق حول المعاهدة التي يتعين بعد توقيعها المصادقة عليها في دول الاتحاد الاوروبي. وخرجت بريطانيا منتصرة من المحادثات، بعدما احتفظت بـ«خطوط حمراء» وضعتها للابقاء على استقلال نسبي في ما يخص العلاقات الخارجية والقضايا الأمنية.

وقال رئيس الوزراء البرتغالي جوزيه سوكراتيس، الذي يترأس حاليا الاتحاد الاوروبي: «اوروبا خرجت من ازمة المؤسسات واصبحت مستعدة الان لمواجهة التحديات المستقبلية». وجاء في بيان صادر عن رئيس البرلمان الاوروبي هانز بوترينغ، ان البرلمان الاوروبي سيستفيد من المعاهدة من خلال المشاركة بشكل فعال في اتخاذ القرارات السياسية في المستقبل. وتم الغاء المفاهيم التي تشبه الاتحاد الاوروبي بدولة فيدرالية، مثل دستور او الرموز مثل العلم والنشيد الوطني. وتمت الموافقة على النص الذي يتضمن اكثر من 250 صفحة قبيل الساعة الواحدة صباحاً بالتوقيت المحلي، بعد تقديم تنازلات اخيرة الى بولندا وايطاليا، البلدين اللذين لا تزال لديهما تحفظات كبيرة ازاء النص بالصيغة التي وردت الى لشبونة. وسيتعين الان توقيع المعاهدة والمصادقة عليها في الدول الـ27 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي لتدخل حيز التنفيذ، وهي مرحلة دقيقة يتوقع ان تستمر حتى نهاية عام 2008. ويأمل القادة الاوروبيون ان تصبح المعاهدة نافذة في الاول من يناير (كانون الثاني) 2009، قبل الانتخابات الاوروبية في ربيع ذلك العام. وصيغت المعاهدة خصيصاً ليكون من الممكن المصادقة عليها بدون استفتاء. وقد احتفظت بأفكار جديدة عديدة كانت واردة في الدستور، الذي رفضه الفرنسيون والهولنديون في 2005، لكنها تفادت كلمة دستور وحذفت كل ما كان يوحي باعطاء الاتحاد الاوروبي شكل دولة كبرى (خصوصا ما يتعلق بنشيد وعلم اوروبيين). وقد قررت الدول الاوروبية عدم اجراء استفتاء رسمي للمصادقة على المعاهدة وحسمها في البرلمان، الا ان ايرلندا اصرت على تنظيم استفتاء شعبي حول هذا النص.

وقد اثارت قضية اجراء الاستفتاء ضجة اعلامية في بريطانيا، اذ يطالب حزب «المحافظين» المعارض والصحف البريطانية باجراء استفتاء، ولكن رئيس الوزراء غوردون براون رفض هذه الدعوات الخميس في لشبونة. وقال براون: «حان الوقت لاوروبا لتنتقل الى شيء اخر ولنصب كل جهودنا على المشكلات المهمة بالنسبة للاوروبيين: النمو الاقتصادي والعمالة والتغير المناخي والأمن». وجاءت التنازلات التي اعطيت للبولنديين والايطاليين مثل غيرها من التسويات الصعبة التي شهدها تاريخ البناء الاوروبي. فالاخوان كاتزينسكي اللذان يواجهان انتخابات تشريعية صعبة غداً، كانا قلقين من خسارة نسبية لثقل بلدهما في نظام التصويت الجديد، الذي يعتمد الغالبية كما هو منصوص عليه في المعاهدة الجديدة. وبعد الحصول على تأجيل العمل بهذا النظام الجديد الى عام 2014، طالبا ايضا بادخال الفقرة المعروفة باسم «بند ايوانينا»، الذي يسمح للدول التي تمثل اقلية بتجميد قرار بعض الوقت. كما حصلا على اضافة اجراء في المعاهدة يوضح انه لا يمكن تعديلها الا باجماع الدول الاعضاء. وكان رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي يحتج من جهته على التوزيع الجديد للمقاعد في البرلمان الاوروبي، الذي كان سيعطي اعتباراً من 2009 وللمرة الاولى مقاعد للايطاليين اقل من الفرنسيين والبريطانيين. وكان البرلمان الاوروبي قد اقترح التوزيع الجديد لخفض العدد الاجمالي للنواب الاوروبيين الى 750، بدلاً من 785 حالياً. وحصل الايطاليون في نهاية المطاف على مقعد اضافي لنائب اوروبي ليصل عدد النواب الاوروبيين الى 750 اضافة الى رئيس البرلمان، بحسب الاجراء الذي توصلت اليه الدول الـ27. وشرح مصدر في وزارة الخارجية البريطانية ان العقبات ازيلت من امام المعاهدة التي اعتبرها نجاحاً بالنسبة لبريطانيا، التي تفاوضت على «خطوط حمراء» تضمن استقلالية نسبية من خلالها. ولفت المسؤول، الذي طلب من «الشرق الاوسط» عدم الكشف عن اسمه، انه من المتوقع ان توقع الدول الاعضاء المعاهدة في 13 ديسمبر (كانون الاول) المقبل في لشبونة، لـ«تصادق كل دولة عليها في جدول زمني يناسبها على البدء بالعمل بموجبها عام 2009». وعن المطالبة البريطانية الداخلية لاجراء استفتاء شعبي قبل المصادقة على المعاهدة، قال المصدر: «لا يوجد داع لاجراء الاستفتاء، اذ ان هذه المعاهدة تشبه معاهدات اخرى، من صلاحية البرلمان الموافقة عليها ولا تشكل دستوراً مثل ما كان مطروحاً سابقاً». وهناك تعديلات مؤسساتية عدة ستطرأ على الاتحاد الاوروبي، على رأسها انه بدلا من الرئاسة الدورية كل ستة اشهر سيتم انتخاب رئيس المجلس الاوروبي (الذي يضم قادة الاتحاد الاوروبي) من قبل نظرائه لعامين ونصف العام. وابقي على النظام الدوري الحالي بالنسبة لرئاسة مجلس الوزراء. ويعد رئيس المجلس الاوروبي القمم ويمثل الاتحاد الاوروبي على الساحة الدولية بدون ان يمس الصلاحيات المعززة الممنوحة للممثل الاعلى للسياسة الخارجية والامن في الاتحاد الاوروبي. ورداً على سؤال حول شخصية رئيس الاتحاد المحتمل، قال براون أمس ان سلفه توني بلير قد يكون مرشحاً جيداً لهذا المنصب. وبعد الاتفاق على المعاهدة ليل اول من أمس، ناقش قادة دول الاتحاد الاوروبي المجتمعون في العاصمة البرتغالية لشبونة أمس السبل التي يمكن لاوروبا من خلالها مواجهة التحديات الاقتصادية التي تشكلها الدولتان الاسيويتان الكبيرتان، الهند والصين.

وكان رئيس الوزراء البرتغالي جوزيه سوكراتس قد كتب في خطاب دعا فيه رؤساء الوزراء والقادة الاوروبيين إلى المشاركة في الاجتماع قائلا: «إن التحديات التي تواجهنا تكتسب صبغة عالمية بصورة متزايدة». وأضاف: «معا لا بد أن ننجح في إيجاد رد أكثر طموحا على العولمة لتضطلع أوروبا بمسؤولياتها بشكل كامل في النظام العالمي الجديد الآخذ في التبلور».

وتأتي حالة الاقتصاد الاوروبي والعالمي الذي تأثر بشدة في الآونة الاخيرة باضطرابات أسواق المال العالمية على رأس قائمة أولويات العديد من قادة دول الاتحاد الاوروبي.

وحث براون على سبيل المثال، نظراءه قبل اجتماع أمس على التحرك وتكريس كل جهودهم للقضايا التي تهم أوروبا، مثل النمو الاقتصادي والوظائف والتغير المناخي والامن. وطالبت بريطانيا ومعها فرنسا والمانيا أمس باصلاح الاسواق المالية العالمية لمنع الاضطرابات المالية التي هزت الاسواق المالية بداية العام. وقال براون: «نطالب بشفافية اكبر في الاسواق المالية»، مضيفاً: «يجب ان نكون في موقع افضل لتوقع الاحداث، خاصة مثل تلك التي شهدناها في الاشهر الماضية».