الجدران الكونكريتية في بغداد تسبب العزلة.. لكنها توفر حماية أيضا

مسؤول عسكري أميركي: سكان حي طلبوا منا إقامة حاجز لصد عصابات مسلحة

عراقية تمر بجوار جدار كونكريتي شيده الأميركيون بين منطقتي الغزالية والشعلة في بغداد (ا.ف.ب)
TT

بغداد ـ رويترز: الجدران الكونكريتية قضية مثيرة للجدل في بغداد، فقد تكاثرت الحواجز الاسمنتية في انحاء العاصمة العراقية، وتقيمها القوات الاميركية في محاولة للحد من نشاط المتشددين السنة والشيعة.

ويرى النقاد ان هذه الجدران تحدث انقساما بين الطوائف، وتعطل النشاط الاقتصادي، وتسجن السكان، وتؤدي فقط الى زيادة الانقسامات الطائفية التي ما زالت باقية في النسيج السياسي في العراق. ويقول المؤيدون ان هذه الجدران تحمي بنفس القدر الضواحي التي تقيم فيها طائفة واحدة أو عدة طوائف وتسمح لقوات الأمن بالتضييق على جماعات المسلحين وتجعل الناس يشعرون بقدر أكبر من الأمن، وتسمح للسكان ببدء حراسة شوارعهم.

وبالنسبة لأم علي وهي صاحبة متجر في حي القادسية، الذي يغلب على سكانه السنة، فان الجدران العالية تجعل من الصعب التحرك، وتضيف نقاط التفتيش الجديدة ساعات الى زمن أي رحلة، لكن في نفس الوقت فإن الاجراءات وفرت أمنا اضافيا. وبصفتها شيعية في منطقة سنية فقد فكرت في الفرار من الهجمات الطائفية، لكنها تزمع البقاء الان. وقالت ان المسلحين يأتون في سيارات ويستهدفون المتاجر المملوكة للشيعة في شارع التسوق الرئيسي. وفتحت متجرها بضع ساعات ثم ادخلت شريكا ليرعى المتجر، لكن الجدران ونقاط التفتيش الاميركية منعت المسلحين. والان تفتح أم علي متجرها عندما تريد.

وتحيط الجدران الرمادية اللون التي صنع بعضها من مئات من الكتل الاسمنتية التي تزن الواحدة منها ستة أطنان، ويبلغ ارتفاعها 12 قدما وعرضها خمسة اقدام بالمجمعات السكنية وتنتشر في احياء بغداد. وتحيط بعضها بأحياء بأكملها حتى انها تحجب رؤيتها من الخارج وتسمح بمشاهدة جزء صغير من المنازل والمباني السكنية.

اللفتنانت كولونيل الاميركي ادوارد تشيسني، هو قائد الكتيبة الاولى الفوج الرابع والستين مدرع المسؤول عن استتباب الأمن في معظم الاجزاء المضطربة في غرب بغداد. ويرى تشيسني ان الجدران المؤقتة التي اقامتها كتيبته مميزة كل منها وضعت في مكانها لاسباب مختلفة حسب الظروف المحلية المحددة.

والجدار الكونكريتي الذي يبلغ ارتفاعه 12 قدما، والذي يمتد حول المنطقة الخضراء يهدف الى منع مسلحي «القاعدة» من جلب امدادات من خارج بغداد وعزل أرض المعركة حتى يمكن للقوات الاميركية والعراقية ان تتعامل مع المتشددين، الذين مازالوا هناك. وقال تشيسني «اننا نقيم جدرانا في المنطقة الخضراء. انها نهاية موطئ قدم القاعدة ونقطة انطلاق طبيعية لهم. والان يأتون فيجدون في مواجهتهم كتلا اسمنتية».

وفي الوشاش، وهو حي فقير مزدحم يغلب على سكانه الشيعة، فيه شوارع ضيقة ومتربة، اقيم جدار جزئي الاسبوع الماضي صمم لكبح جماح جماعات الشيعة، التي يقال انها مسؤولة عن أعمال الابتزاز والخطف واطلاق الرصاص من مركبات متحركة. بينما في حي دراغ الذي كان في السابق من الاحياء الراقية، التي يقيم فيها سنة وشيعة، وفيه فيلات كبيرة وشوارع تصطف على جانبيها الاشجار، كان السكان هم الذين طالبوا القوات الاميركية باقامة حاجز يحميهم من العصابات التي تأتي من حي الوشاش وحي الاسكان القريبين. وقال تشيسني «ممثل المجلس الاستشاري للحي جاء ليقابلني، وقال انه يريد اقامة هذا الجدار بحلول الغد». واضاف انهم طلبوا جدارا كونكريتيا. وقام سكان حي دراغ بتصميم مسار الجدار، بحيث يترك شارع المتاجر الرئيسي مفتوحا امام العربات مع اقامة نقاط تفتيش عراقية لمراقبة تدفق حركة المرور.

وليس هناك شك في ان الجدران أغضبت السكان في بعض المناطق. وحدث احتجاج نادر في حي الوشاش، في وقت سابق من الشهر الحالي شارك فيه أكثر من 1000 متظاهر نزلوا الى الشوارع. وبعد السير في الشارع التجاري الرئيسي بعد اسبوع كانت المشاعر ثائرة. وقال اصحاب متاجر وسكان «الجدار سجن ونحن نشعر باننا محاصرون وهذا الجدار يعزلنا.. نحن عراقيون ويجب ان نشعر بأننا احرار».

وعندما سئل السكان بشأن ان كان هناك أي تغير في الأمن منذ وصول محطة الأمن الاميركية في الجوار ودوريات الحراسة اليومية والجدار، رد معظمهم بالقول ان الأمن تحسن.

وقال كمال الذي يدير متجرا للاجهزة «نعم.. بالنسبة للمخاوف الأمنية هو شيء جيد». واضاف «قبل ذلك كان الوضع صعبا. والان يوجد قدر أكبر من الأمن. توقف اطلاق الرصاص ولذلك نشعر بقدر أكبر من الامن».

ويركز عمل تشيسني على مطاردة زعماء العصابات من شارع الى شارع وتضييق الخناق على خلايا تنظيم «القاعدة» وجلب مزيد من الأمن الى الجيوب الصغيرة للعاصمة المترامية الاطراف التي يعيش فيها سبعة ملايين نسمة. لكنه لا يرى ان الجدران في حد ذاتها سبب للتقسيم الطائفي. وأيا كان مدى التقدم الذي يتحقق بهذه الجدران أو بدونها فان مفتاح الحل يبقى في المصالحة بين الزعماء السياسيين. وقال «كل شيء ينبع من الامن». واضاف «الامور تتحسن.. لكن القضية مازالت على المستوى الوطني».