سورية تزيل ركام المنشأة المدمرة بالغارة الإسرائيلية للحؤول دون خضوعها لرقابة وكالة الطاقة الدولية

في معلومات لمصادر أميركية استندت إلى صور للموقع

الرئيس السوري بشار الأسد يحيي عمالا خلال زيارته إلى مصنع توزلا لصناعة السفن في اسطنبول أمس (أ.ب)
TT

بدأت سورية في تفكيك بقايا الموقع الذي قصفته اسرائيل في 6 سبتمبر (أيلول) الماضي، في ما يعتبر محاولة منها للحؤول دون خضوعه للرقابة، وفق ما ذكره مسؤولون اميركيون واجانب مطلعون على الغارة الاسرائيلية.

وقال المسؤولون ان الصور الجوية للموقع في شرق سورية (بالقرب من نهر الفرات) تظهر «مواصفات» مفاعل نووي صغير، ولكنه مهم وانه يشبه في بنيته التسهيلات المماثلة في كوريا الشمالية.

عملية تفكيك الموقع المدمر، التي لا تزال جارية، تجعل من الصعب على مفتشي الاسلحة النووية تحديد الطبيعة الدقيقة لتسهيلاته، وكيف كانت سورية تخطط لاستخدامه. وتجدر الاشارة الى ان سورية، التي تملك مفاعلا صغيرا يستخدم للاغراض العلمية، نفت اي سعي لتوسيع نطاق برنامجها النووي. الا ان معلومات المسؤولين الاميركيين بخصوص الغارة الاسرائيلية على هذا الموقع، وصفت الغارة بأنها تستهدف تسهيلات نووية تقام بمساعدة من كوريا الشمالية.

ويلاحظ ان الموقع الذي تعرض للقصف يختلف عن الموقع الذي عرضته سورية على الصحافيين الاسبوع الماضي، دعما لاتهامها اسرائيل بقصفت موقع خال، كما ذكر مسؤولون سوريون اصروا على عدم الكشف عن هويتهم، لأن تفاصيل الهجوم الاسرائيلي لا تزال سرية.

وفي الوقت الذي عبر فيه مسؤولون أميركيون عن ثقتهم المتزايدة من ان التسهيلات السورية في الموقع المقصوف مرتبطة ببرنامج نووي، حدثت انقسامات داخل الادارة وبين خبراء الاسلحة حول اهميته. ويقول خبراء اسلحة اميركيون انه اذا كان الموقع مفاعلا نوويا، فإن تشييده احتاج، حتما، إلى عدة سنوات ويحتاج الى اكثر من ذلك لإنتاج كمية وافرة من البلوتونيوم بهدف الاستخدام المحتمل في سلاح نووي. ومن المعروف أن المفاعلات النووية تستخدم ايضا لتوليد الكهرباء.

واوضح جوزف كرينسيون مدير السياسة النووية في مركز التقدم الاميركي «الامر ليس مثل افلام الصور المتحركة، حيث تتصل بمفاعلات «اكمي» فيسلمونك مفاعلا جاهزا في دارك. الامر يستغرق عدة سنوات. هذه تكنولوجيا تتطلب جهدا كبيرا، ولا اعتقد ان سورية لديها التقنية، او الخلفية الهندسية والمالية لدعم مثل هذا المفاعل».

وفي وقت اعربوا فيه عن قلقهم من احتمال بدء سورية بتطوير برنامج نووي سري، تساءل بعض خبراء الاسلحة عن اسباب عدم بذل الولايات المتحدة او اسرائيل أي جهد لوقفه قبل الهجوم السري، أو الاسابيع الستة التي انقضت عليه، لتقديم ادلة عنه الى وكالة الطاقة الذرية، وهي خطوة كان من الممكن ان تؤدي الى تفتيش الوكالة للمنطقة السورية. وقال داريل كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية الحد من انتشار الاسلحة، «ان السبب في وجود الوكالة ونظام حماية هو اننا، اذا كانت هناك ادلة على خطر ما، يمكن تقديمه من مرجع محايد إلى المجتمع الدولي بحيث يصار الى متابعته على صعيد جماعي. ويبدو لي انه من الخطر جدا ومن السابق لأوانه ان تقصف دولة مثل هذه التسهيلات».

غير ان جون بولتون، السفير الاميركي السابق في الامم المتحدة، قال ان السرية التي اعتمدتها سورية ـ وشملت تحركا واضحا لتنظيف الموقع بعد القصف ـ يشير الى ان دمشق تتبع استراتيجية مشابهة لاستراتيجية ايران، التي تعتقد ادارة بوش انها تسعى للحصول على قدرات تسلح نووية. وقال بولتون ان ايران حاولت ذات مرة اخفاء نشاطها النووي عن مفتشي الوكالة الدولية بتدمير مبان لها علاقة بهذا النشاط النووي، بل ازالة طبقة من الاتربة من مكان قريب للقضاء على اي اثر لمواد نووية. واضاف بولتون «ان الممارسة العادية لمن لديهم برنامج نووي للاستخدام المدني واضحة ومكشوفة، نتيجة لعدم وجود ما يرغبون في اخفائه».

ولم تحصل الوكالة الدولية على اية ادلة بخصوص التسهيلات السورية ولم تستطع الحصول على اية تفاصيل يمكن الوثوق بها بشأن غارة 6 سبتمبر، كما اوضح دبلوماسي اوروبي على معرفة بالمناقشات الداخلية في الوكالة.

وسورية من الدول الموقعة على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، وتعاونت مع مفتشي الوكالة بخصوص مفاعل ابحاث نووي قدرته 27 كيلووات تديره منذ سنوات.

وقال بعض الخبراء انه ربما، حسب المسؤولين الاسرائيليين والاميركيين، ان ابلاغ معلوماتهم الى وكالة الطاقة الذرية يمكن ان يؤدي الى رد فعل محدود يوازي، دبلوماسيا، «صفعة» على يد سورية، التي ربما تقرر الاستمرار في تشييد المنشآت ذات الاستعمال النووي..

وذكرت مصادر اجنبية، على علاقة بالهجوم، ان اسرائيل تريد توجيه رسالة قوية لإيران عن ثمن تطوير برنامج نووي سري. وتشعر اسرائيل بقلق متزايد بخصوص نوايا ايران واحباط من ان المجتمع الدولي لم يغر طهران بوقف برنامجها النووي.

واذا ما تبين ان كوريا الشمالية ساعدت على تشييد المفاعل السوري، فإن ذلك سيشير الى ان حكومة بيونغ يانغ تنقل معلوماتها النووية سرا لسورية منذ سنوات. ولكن حتى اذا ما امكن تأكيد دور كوريا الشمالية في ذلك، فليس من المرجح ان ادارة بوش ستوقف المفاوضات مع بيونغ يانغ حول تفكيك برنامجها النووي.

*خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الاوسط»