صفير: وطننا في وضع انتقالي قد يقودنا إلى الاستقرار أو الفوضى أو الاقتتال

الفراغ الرئاسي في لبنان ينعكس قلقا في المواقف

لبنانية تمارس رياضة المشي على شاطئ بيروت تمر أمام مدرعة للجيش اللبناني امس (رويترز)
TT

عكست تصريحات ومواقف الشخصيات الدينية والسياسية في لبنان امس المزيد من القلق حيال الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية الذي نتج عن عجز الكتل النيابية والقوى السياسية عن التوافق على انتخاب رئيس جديد قبل انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود منتصف ليل 23 ـ 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. ورأى البطريرك الماروني نصر الله صفير ان لبنان «يشهد اوضاعاً مصيرية انتقالية قد تقودنا الى الاستقرار او الفوضى والاقتتال».

موقف البطريرك صفير من الوضع ورد في عظة ألقاها امس بعنوان «ليس عند الله امر مستحيل» وتحدث فيها عن دور السلطة والنواب في «وعي القيم الداخلية للمواطنين عبر تصويتهم لمن يدير الشؤون العامة في مناخ من الحرية». وقال: «ان وطننا يشهد في هذه الأيام أوضاعا مصيرية. وقد أصبحنا في فترة انتقالية قد تقودنا الى الاستقرار، كما قد تقودنا الى الفوضى والاقتتال، لا سمح الله. لذلك يطلب من الجميع، وبخاصة من أرباب الحل والربط وأصحاب المسؤولية، أن يبرهنوا عن رصانة وجدية ووطنية صادقة. وتبوؤ المراكز العالية ما كان يوما ارضاء للأنانية والمجد الباطل، بل لخدمة الشعب بما يوفر له صاحب السلطة من أمن واستقرار وعيش رخي كريم. فعسى أن يلهم الله من يتوقون بأنظارهم وقلوبهم الى تبوؤ منصب رئاسة جمهورية لبنان أن يعوا هذه الحقائق البديهية ويتصرفوا بوحيها».

واستقبل البطريرك صفير الوزير السابق وديع الخازن والنائب بيار دكاش ورئيس الرابطة المارونية جوزيف طربيه ورئيس جمعية تجار جونية وكسروان ـ الفتوح جاك حكيم الذي بحث مع البطريرك في الدعوات التي وجهها النائب ميشال عون الى الهيئات السياسية والاقتصادية من اجل بلورة موقف موحد تجاه الوضع القائم.

من جهته، دعا نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الامير قبلان، في كلمة وجهها الى اللبنانيين، الأفرقاء السياسيين إلى «اعادة النظر في مواقفهم وتوجهاتهم والسعي الجاد والمسؤول لإنقاذ لبنان من ازماته ومشكلاته التي لا تعد ولا تحصى»، معتبرا «ان استمرار السجالات والتناقضات والتحديات لا يخدم الوطن ولا يحل الأزمة ولن يوصل اللبنانيين الى شاطئ الأمان والسلام». وقال: «ان استمرار الوضع على حاله وإلقاء مسؤولية الفشل على هذا الفريق او ذاك لا يخدم وطنا ولا يحل ازمة ولا يوصل الى نتيجة تكون في مصلحة البلاد والعباد. والمطلوب ان نثق اولا بأنفسنا وبالآخرين ثانيا وان يجري التعاطي على قاعدة الصدق والثبات في الرؤية وتحمل المسؤولية من اجل ان يسهم الجميع في إنقاذ هذا البلد».

وشدد قبلان على أن «من واجب الجميع ومسؤولياتهم العودة الى بعضهم البعض بقلوب مفتوحة وعقول نيرة للتفاهم على كل الامور صغيرها وكبيرها، لان ليس من المقبول على الاطلاق ان يبقى لبنان جسدا من دون رأس. وان اضاعة فرصة انتخاب رئيس جديد تودي الى ازمة جديدة نخشى ازاءها من الاعظم، ووضع البلاد على حافة الهاوية والمجهول وسقوط الهيكل على الجميع». وقال: «اخلصوا للبنان واحرصوا من غوائل الدنيا ومكائد الدهر، فهو امانة في اعناقكم. حافظوا عليه وصونوه بوحدتكم وتماسككم وبعملكم معا ليتجاوز الأخطار والأهوال».

واعتبر مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو، في بيان له امس «ان يوم خروج لحود من قصر بعبدا هو يوم تاريخي». وقال: «لم أجد إنسانا أساء إلى نفسه وطائفته ووطنه بالقدر الذي اساء فيه هذا الرجل. كانت الطائفة المارونية تشعر بالعار والخزي والخجل بوجود هذا الرجل في قصر بعبدا. الشعب كله فرح بخروجه من القصر لأنه كان رمزا للتبعية والاستزلام للنظام السوري، ينفذ رغباته بأسلوب حاقد إلى درجة ارتكابه أعمالا إجرامية كثيرة في حق الوطن». وأضاف: «لم يضع لبنة واحدة في إعادة إعمار لبنان، لكنه فرح باغتيال الرجل التاريخي الوحيد الذي أعاد إعمار لبنان بأسلوب حضاري متطور (الرئيس رفيق الحريري). جريمة العصر تمت في عهده، ثم استمرت سلسلة الاغتيالات، اغتيال قادة لبنان ورجاله واحدا تلو الآخر. وكان حليفا وفيا لحلفاء سورية الذين فرحوا فرحا شديدا باغتيال الرجل الكبير وأقاموا الاحتفالات في 8 آذار وفاء للأيدي التي شاركت في اغتيال الرجل». وتابع: «كان الحليف الأكبر في الحقد والكره والتحريض حزب الله الذي كان يختبئ وراء شعار المقاومة ليغطي ما يقوم به هو وحلفاؤه في ريف دمشق ضد أمن لبنان واستقراره. وكان خطف الأسيرين الصهيونيين حركة تمثيلية من أجل أن يقال أن الحزب يقوم بأعمال بطولية ضد إسرائيل، فكانت حرب تموز وكان الدمار والخراب الذي تحول نصرا إلهيا يختبئ وراءه الحزب والرئيس لحود».

وختم الجوزو قائلا: « مبروك للبنان، مبروك للشعب اللبناني. سنختار رئيسا جديدا يكون أفضل بألف مرة من ذلك الرئيس غير المأسوف عليه».

ورأى عضو كتلة نواب «حزب الله» حسين الحاج حسن «اننا في لبنان اليوم امام مرحلة حساسة وخطيرة ودقيقة بعد خلو سدة الرئاسة من رئيس منتخب وبعد سنة او اكثر من ازمة سياسية مستفحلة في البلد عنوانها فريق سلطة لا يريد شراكة مستقوياً بالأميركي في المنطقة. وكلما تنازلت المعارضة امامهم في موقف او قضية تمادوا في غيهم وموقفهم الرافض للشراكة والوحدة الوطنية. وقد رفضوا حكومة الوحدة الوطنية ومشاركتنا في حوار مشروع المحكمة (الدولية). وعندما اتت مبادرة الرئيس نبيه بري تمادوا في تجاهلهم الى ان وصلنا للاستحقاق الرئاسي. وعندما تخلى العماد ميشال عون عن حقه من الترشيح رفضوا المبادرة من دون ان يقرأوها او يناقشوها فهم يرفضون مبادرات المعارضة لانهم لا يريدون الشراكة بل الاستئثار لمصلحة الاميركيين».

وأكد الحاج حسن «ان المعارضة الوطنية اللبنانية في هذه الايام هي اكثر قوة وعزيمة وتماسكاً من ذي قبل. وهي ان طال صبرها وطالت اناتها على الاحداث فليس لأنها ضعيفة او مرتبكة او خائفة بل لأنها تريد ان تعطي الفرص للتوافق.. وحذار ان ينخدع احد من فريق 14 شباط في ان يفكر للحظة ان المعارضة سوف تسمح بأن يكون لبنان في يوم من الايام مقراً للسياسات الاميركية في المنطقة».

وحمّل عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ خضر نور الدين فريق السلطة الحاكم المسؤولية الكاملة لما حدث في البلاد من فراغ، مؤكداً على «ان التوافق هو الحل الوحيد للخروج من هذه الازمة». وقال عضو كتلة «التحرير والتنمية» النائب ايوب حميد ان «الرئيس نبيه بري لن يوفر جهدا في السعي للوصول الى توافق على رئيس للجمهورية. والفراغ الذي يعيشه لبنان اليوم سابقة خطيرة لان هذا الموقع يمثل عنوان الوطن ورمزه» معربا عن أسفه «لتعامل فريق السلطة مع هذا الفراغ على أنه مكسب إضافي وغنيمة الى جانب غنائمهم من دون أي اعتبار للعيش المشترك وصيغة الشراكة». واعتبر باسم حركة «أمل» أن «استمرار بعض الفريق الأكثري في التصويب على صلاحيات رئاسة مجلس النواب من خلال الحديث عن ان المجلس في حال انعقاد من دون دعوة رئيسه... ما هو الا استكمال لمسلسل ضرب المبادرات الوفاقية والحركة السياسية التي يقوم بها الرئيس نبيه بري للخروج من الازمة السياسية الراهنة»..

ورأى عضو كتلة «التحرير والتنمية» عضو المكتب السياسي لحركة «امل» النائب علي بزي ان الفراغ، سواء كان منظما او غير منظم، يبقى فراغا. والمطلوب ملؤه برئيس توافقي يجسد طموحات اللبنانيين كل اللبنانيين وفقا للقواعد والنصوص والأعراف الدستورية بما يحفظ لبنان واحدا موحدا، وطنا نهائيا لجميع ابنائه وبالصيغة التي تطمئن جميع مكونات الشعب اللبناني بعيدا عن سياسة الغالب والمغلوب والاستئثار بالسلطة».

وأكد «ان رئيس المجلس النيابي سوف يواصل مساعيه التوافقية... وان هذه المساعي يجب ان تقابل من جميع الاطراف بنفس الروحية والمسؤولية الوطنية التي ينطلق منها الرئيس بري من اجل حفظ لبنان واستقراره السياسي وحفظ التوازنات فيه انطلاقا مما عبر عنه اتفاق الطائف».

وعقدت النائبة بهية الحريري اجتماعاً مع وفد من قيادة «الجماعة الاسلامية» برئاسة رئيس المكتب السياسي علي الشيخ عمار. وأصدر المجتمعون بيانا أكدوا فيه «حماية موقع رئاسة الجمهورية، ان لجهة مضمونها السياسي أو الطائفي الذي نص عليه اتفاق الطائف، وضرورة الاسراع بانتخاب الرئيس الجديد بالعودة الى المبادرة الوفاقية التي بدأها رئيس المجلس النيابي نبيه بري والنائب سعد الحريري ومناشدتهما متابعة اللقاءات حتى الوصول الى حل توافقي ينتج انتخاب رئيس للبلاد». وأكدوا تمسكهم بالجيش اللبناني والقوى الأمنية الشرعية «للحفاظ على السلم الأهلي والاستقرار في البلاد» .

ورحب رئيس تيار «التوحيد اللبناني» الوزير السابق وئام وهاب بمبادرة النائب وليد جنبلاط الاخيرة «لتهدئة الاوضاع في الجبل وتحديدا لجهة تمييز نفسه عن الأفرقاء الآخرين في 14 آذار». وعن أزمة رئاسة الجمهورية، قال: «اذا لم يكن ميشال عون رئيسا للجمهورية فلن يكون الا الفراغ الذي سيطول عندها كثيرا. واذا طال الفراغ فالامر لن يعود يتعلق برئاسة الجمهورية فقط بل سيطال اتفاق الطائف وهذا الاتفاق سقط، وبعد الفراغ يجب ان نبحث بكل شيء بما في ذلك اتفاق الطائف».