الدعاة الجدد من الفضائيات إلى موقع يو تيوب

أحاديثهم تتناول الموسيقى والحجاب والإرهاب.. ويستخدمون الإنترنت والجوال للتواصل

منى اللبودي طالبة الطب وجدت فهما جديدا للاسلام («واشنطن بوست»)
TT

كان لدى منى اللبودي، 22 عاما. سر رهيب: فقد ارادت ان تكون مخرجة سينمائية. ووفق الطريقة التي تفهم بها دينها الاسلامي كان من الحرام أن تشارك في السينما او الموسيقى أو أي فن يمكن أن يثير الرغبات الجنسية.

ثم رأت في احد ايام سبتمبر (ايلول) معز مسعود على احدى محطات التلفزيون الفضائية. وكان مسعود، 29 عاما، المسلم الداعية الذي لا يكبرها عمرا بكثير، وهو يرتدي زيا غربيا، يقدم مواعظ حول الاسلام بلهجة عربية شبابية.

وقال ان الأئمة الذين يحرمون الفن والموسيقى يسيئون تفسير دينهم. وكان يتحدث عن الحب والعلاقات الانسانية والتسامح مع غير المسلمين. ولم تكن اللبودي قد سمعت واعظا مسلما يتحدث بتلك الطريقة من قبل.

وقالت اللبودي التي كانت ترتدي حجابا قرمزي اللون على رأسها ان «معز يساعدنا على فهم كل شيء حول ديننا، ليس من 1400 سنة مضت وانما بالطريقة التي نعيش بها اليوم».

وقالت انها ما تزال تعتزم دراسة الطب ولكنها ايضا بدأت تلقي دروس في الاخراج السينمائي. وقالت «بعد أن سمعت معز قررت أن اكون من تغير الأمور».

ومسعود واحد من عدد متزايد من الواعظين المسلمين الشباب الجدد الذين يستخدمون المحطات التلفزيونية الفضائية لتعزيز النظرة المتفائلة والمتسامحة للاسلام.

وكان الوعظ التلفزيوني في الشرق الأوسط مقتصرا الى حد كبير على كبار رجال الدين الذين يرتدون الجبة البيضاء ويتلون نصوص القرآن من خلف منضدة مؤكدين على الحياة الآخرة، وفي بعض الاحيان يحفزون على العنف ضد غير المؤمنين. ولكن بما أن التلفزيون تحول من قنوات قليلة تتحكم بها الدولة الى مئات من القنوات الفضائية الخاصة المتنوعة ظهر مسعود وربما ما يزيد على عشرة غيره من الشباب، مع عدد قليل من النساء، كبدائل شعبية متنامية.

وقال عبد الله شليفر، أخصائي الاسلام والاعلام الإلكتروني في الجامعة الاميركية بالقاهرة ان مسعود وآخرين يروجون «للعقيدة الجذابة التي تؤكد على المواقف والمشاعر الانسانية كبديل للغضب المتعصب».

وكشخصية «معاصرة» سرعان ما اصبح مسعود نجما مؤثرا وسط الشباب «من ابناء الطبقة الوسطى المليئين بالرغبات» ممن سيصبحون في خاتمة المطاف صناع قرار في الشرق الأوسط، وفقا لما قاله شليفر. وباعتباره نتاجا للمدارس التي اسسها الأميركيون في المنطقة يتمكن مسعود من التحدث بخبرة حول القيم الغربية بطريقة يعجز عنها آخرون كثر. وقد اجتذب برنامج الحدث، وهو مسلسل في عشرين حلقة بث في الخريف الحالي على قناة (اقرأ) الدينية البارزة، الملايين من المشاهدين من سورية الى المغرب. وظهرت كليبات من البرنامج على موقع «يوتيوب» في الحال، وبدأ المعجبون بخزن الكثير من مفردات البرنامج في كومبيوتراتهم.

وقال ادهم الكردي، 23 عاما، وهو مصري يدرس طب الأمراض النسائية «لا نريد احدا يخبرنا انه اذا لم نصل فاننا سنذهب الى النار. نحن بحاجة الى من نتبعه. انه يتحدث عن أمور تحدث لي كل يوم».

ويستغل المبشرون المسلمون الجدد ازدهار المحطات الفضائية الذي بدأ بعد حرب الخليج عام 1991 عندما صدمت نخب المنطقة بقوة محطة «سي أن أن». وفي الشرق الأوسط الآن ما لا يقل عن 370 محطة فضائية، وهو ما يزيد ثلاث مرات عن عددها قبل ثلاث سنوات. ومن بين القنوات التي تقدم الأخبار والافلام والموسيقى توجد 27 قناة مكرسة للبرامج الدينية، بينما كانت خمس قنوات في العام الماضي.

وفي القنوات الدينية ما تزال اصوات مثل مسعود تتنافس على الاهتمام. ومن السابق لأوانه تقدير التأثير الذي يمارسه الوعاظ الشباب، ولكن من الجلي انهم قوة صاعدة.

حضر مساء الاثنين في الاسكندرية أكثر من 1500 شخص إلى القاعة للاستماع إلى مسعود وهو يلقي خطابه.

وانقسم الجمهور حسب الجنس. فالنساء جلسن على كراسي تنطبق وراء الرجال الذين جلسوا بالقرب من المسرح على سجاجيد. وكانت بعض النساء يرتدين عباءات سوداء ويغطين كل شيء في وجوههن عدا الأعين، لكن الأكثرية منهن كن يضعن فقط أغطية ذات ألوان براقة فوق رؤوسهن. وكان الرجال حليقي الوجوه ويرتدون ملابس حديثة مثل سراويل الجينز وأحذية نايك الرياضية.

وأغلبهم في أواخر العشرينات من أعمارهم وهم إما طلاب جامعات أو أصحاب مهن سمعوا بالمناسبة عبر موقع مسعود الانترنتي على صفحته الشعبية في موقع فيسبوك على الانترنت.

وكان أغلبهم لم يروا مسعود من قبل. خصوصا في سلسلة خطبه في «اقرأ». وتدعى تلك السلسلة بـ «الصراط المستقيم». وتم تصوير تلك اللقاءات على كاميرا تظهر مسعود في شوارع القاهرة واسطنبول ولندن وجدة والمدينة المنورة. ويجري مسعود مقابلات مع الشباب المسلمين وغير المسلمين ليتكلم معهم عن مواضيع مثل الكحول والماريوانا وعلى الحجاب للنساء والحب والإرهاب.

حالما اضيئت المصابيح برز مسعود وهو يهبط السلالم على خلفية المسرح فاستقبل بعاصفة من التصفيق.

قال مسعود: «نحن مسؤولون أمام الله في يوم الحساب. وهو سيسألنا: هل مثلتم ديننا بشكل صحيح؟ وإذا كنتم تشعرون بالسعادة لتعرض غير المسلمين للقتل فإن ذلك خطأ. إنهم إخواننا».

وأضاف مسعود: «الكثير من المسلمين يتصرفون وكأننا غير قادرين على التمتع بهذه الحياة، ونحن لا نستطيع التمتع إلا بالحياة الأخرى. وهذا أمر غير صحيح. علينا أن نستمتع بحياتنا، أن نستمتع بالموسيقى والفن. هذه الحياة هي لنا وعلينا أن نستمتع بها». لكنه أضاف: «إذا كنتم حقا تحبون الله وتشعرون أن كل السعادة التي تأتي إليكم هي من الله فإن أي شيء سيكون باهتا بالمقارنة».

حالما أكمل مسعود خطابه تقدم عشرات من الشباب إلى المسرح للتحدث معه. قالت امرأة: «إنه أفضل من براد بيت (الممثل الأميركي)».

وقدم بعضهم هواتفه الجوالة كي يكتب لهم رقمه عليه بحيث يستطيعون أن يبعثوا له رسائل تحريرية مع أسئلتهم.

قالت طالبة الهندسة الكهربائية رجاء ريحان، 21 سنة: «إنه يتكلم مع الشباب بالطريقة نفسها التي نتكلم بها مع بعضنا البعض. أنا أريد أن أكون مصيبة في كل شيء أفعله، لكن في الوقت نفسه أريد أن أعيش سعيدة. إنه يجعلنا نفهم ديننا بشكل صحيح وبطريقة بسيطة». وبعد محاضرته جلس مسعود ليستمع إلى مشاكل الحاضرين. وبعضهم أخبره بها عن طريق الهمس في اذنه. وقال مسعود: «هم يشعرون أنهم بلا أمل وأنا أحاول منحهم هذا الامل. هناك فجوة في هذا المجال. هناك محراب بحاجة إلى أن يملأ».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»