خامنئي: علاقتنا مع أميركا لن تظل مقطوعة للأبد.. وسأكون أول من يؤيد استئنافها

قال إنه تدخل شخصيا لاستئناف تخصيب اليورانيوم 2003 * مصدر إيراني: استئناف العلاقات مع واشنطن سيخفف الضغط على طهران

خامنئي خلال إلقاء كلمته امس في مدينة يزد بوسط إيران (أ ب)
TT

قال المرشد الاعلى لإيران آية الله علي خامنئي ان العلاقات الدبلوماسية بين طهران وواشنطن لا يجب ان تظل مقطوعة للأبد، موضحا ان العلاقات الدبلوماسية ستستأنف «يوم ان تكون مفيدة للأمة» الإيرانية. كما جدد خامنئي رفض بلاده استئناف وقف تخصيب اليورانيوم، بعدما تسلمت طهران الشهر الماضي اول دفعة من الوقود النووي من موسكو. وتعتبر تصريحات خامنئي «مد يد» و«اختبار» في الوقت نفسه للادارة الاميركية المقبلة، اذ أنها تأتي في الوقت الذى من المقرر ان يبدأ فيه موسم الانتخابات الرئاسية الاميركية فى ولاية ايوا. ويبدو من متابعة الصحف الإيرانية ان المرشح المفضل لإيران هو المرشح الديمقراطي باراك اوباما الذى اعلن عن استعداده لإجراء محادثات مع ايران اذا ما تم انتخابه رئيسا. كما تأتي تصريحات خامنئي قبل نحو شهرين ونصف من الانتخابات التشريعية الايرانية المهمة المقررة في 14 مارس (آذار) المقبل. وتحدث خامنئي للإعلام مرارا خلال الأيام الماضية في ظهور علني متكرر غير معتاد، اذ انه تحدث اول من امس وحث المرشحين الاصلاحيين والمحافظين لانتخابات البرلمان الإيراني على عدم السب والقذف في حق الطرف الأخر، كما دعا الإيرانيين الى التصويت بكثافة في الانتخابات البرلمانية، مما يدل على الأهمية التي يعطيها المرشد الأعلى للانتخابات، وتخوفه من نسبة مشاركة جماهيرية ضعيفة على غرار الانتخابات الرئاسية 2005. أوضح خامنئي أن الوقت لم يحن بعد لاعادة العلاقات مع الولايات المتحدة، لكنه أشار الى أن هذا قد يحدث يوما ما. ونقل التلفزيون الرسمي عن خامنئي قوله امس امام حشد من الطلاب في مدينة يزد بوسط إيران «عدم وجود علاقات مع أميركا هو أحد سياساتنا الرئيسية لكننا لم نقل قط ان تلك العلاقة يجب أن تقطع للابد». وأضاف «اقامة هذه العلاقة الان سيكون ضارا لنا وبالطبع يجب ألا ننتهجه. بالتأكيد يوم أن تكون العلاقة مع أميركا مفيدة للامة سأكون أول من يقر هذه العلاقة». وتابع: «استئناف العلاقات في ظل الظروف الحالية سيضر بالأمن القومي الإيراني لأنه سيتيح الفرصة امام عملاء الاستخبارات وجواسيس كي يأتوا ويذهبوا كيفا يريدون». واستشهد خامنئي بنموذج العراق للتدليل على ان اميركا ستظل خطرا على إيران حتى في حالة استئناف العلاقات بين الطرفين. وتابع «اننا متهمون بأننا خلقنا العداء مع الولايات المتحدة ولكن الولايات المتحدة هي التي بدات تناصبنا العداء بعيد الثورة الاسلامية في عام 1979». ووصف ادارة بوش بـ«الشيطان الظاهر»، بعدما اعتبرت ايران العقبة الكبرى امام تحقيق الاستقرار فى الشرق الاوسط.

ورفض خامنئي في كلمته أيضا مطالب كل من واشنطن وموسكو بأن توقف ايران تخصيب اليورانيوم بعد ان بدأت روسيا الشهر الماضي تسليم الوقود النووي لاول محطة ايرانية للطاقة النووية في بوشهر. وقال «هذا كمن يقول لدولة لديها احتياطيات نفطية هائلة ان عليها ان تحصل على ما تحتاجه من النفط من الخارج». وتابع ان هدف طهران من بناء المفاعلات النووية هو توليد 20 الف ميجاوات من الكهرباء خلال العقدين المقبلين. وتابع ان الامة الايرانية ارغمت فى نهاية المطاف الولايات المتحدة على الاعتراف بالانجازات النووية الايرانية. واستطرد خامنئ «الولايات المتحدة كانت فى البداية ضد امتلاك ايران خمسة اجهزة للطرد المركزي. الان لدينا 3 الاف جهاز». وأعلن خامنئي ان وقف إيران تخصيب اليورانيوم لفترة مؤقتة عام 2003 خلال ولاية كل من الرئيس الإيراني محمد خاتمي والرئيس الاميركي بيل كلينتون يظهر «الوعود الفارغة» للغرب، موضحا أنه تدخل شخصيا وأمر باستئناف البرنامج النووي الإيراني بعد ذلك. وكانت طهران وواشنطن قد بحثتا امكانيات استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما خلال ولاية الرئيسيين الاميركي بيل كلينتون والإيراني محمد خاتمي في منتصف التسعينيات، عندما طرحت ساعتها «صفقة الحوافز» بين ايران واميركا وأوروبا والتي هدفت على استعادة الثقة عبر وقف طهران تخصيب اليورانيوم «مؤقتا»، مقابل الحصول على دعم دولي لانضمامها لمنظمة التجارة العالمية، والحصول على تكنولوجيا نووية متقدمة للاستخدام السلمي من الغرب، واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع اميركا. غير ان الحوار الاميركي ـ الإيراني آنذاك توقف بسبب ضغوط من المحافظين في البلدين، ثم تدهور مستوي الاتصالات بين البلدين بعد ان انتخب محافظين في كل من البلدين.

وقال مصدر إيراني لـ«الشرق الأوسط» ان الحديث حول استئناف العلاقات بين طهران وواشنطن ليس تحولا في السياسة الإيرانية. وتابع المصدر الإيراني: ان كبار السياسيين في إيران، سواء اصلاحيين او محافظين، يؤيدون استئناف العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن في مرحلة ما. وأضاف: ان استئناف العلاقات مستقبلا في رأيي الشخصي في صالح طهران ايضا.. فهو سيعني حماية إيران من اى خطوات اميركية خاطئة وغير محسوبة العواقب. من ناحيته، قال مسؤول اميركي لـ"الشرق الاوسط" ان واشنطن اشترطت لاجراء حوار مباشر مع ايران، تعليق طهران عمليات تخصيب اليورانيوم، موضحا ان واشنطن تصر على هذا الشرط، وأنه لا استئناف للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين قبل ان تفي إيران بالمطلوب منها دوليا، غير أنه رفض التعليق على ما إذا كانت المفاوضات بين إيران واميركا بخصوص العراق قد فتحت الباب لمفاوضات مباشرة بين الطرفين حول تحسين العلاقات الثنائية، تمهيدا لاستئنافها. وحتى الان اجرت واشنطن وطهران 3 جولات من المفاوضات حول العراق منذ مايو (آيار) الماضي كسرت 27 عاما من تجميد المفاوضات المباشرة بين الطرفين. وكانت وزيرة الخارجية الاميركية كوندليزا رايس قد قالت الشهر الماضي ان واشنطن مستعدة لتحسين العلاقات مع طهران اذا ما اوقفت طهران العمل في برنامجها النووي. وقطعت الولايات المتحدة علاقتها مع طهران بعد فترة قصيرة من قيام الثورة الايرانية عام 1979. وهناك عدة قضايا تعوق تحسين العلاقات بين الطرفين على رأسها التدخلات الإيرانية في العراق ولبنان والبرنامج النووي الإيراني. ويعتقد ان طهران تريد تحسين العلاقات مع واشنطن بشكل ملموس، وقد اقدمت على خطوات ثانوية الاهمية من اجل تحسين العلاقات، إلا ان هناك خطوات اخرى أساسية لا تريد طهران الاقدام عليها في هذا التوقيت على اساس ان حكومة الرئيس الاميركي جورج بوش تعتبر عمليا «في انفاسها الأخيرة» وانه من الاولي ان تقدم ايران على خطوات ملموسة في ظل ادارة جديدة، كي يتم جني ثمار ملموسة. وتحتل العلاقات الاميركية ـ الايرانية مساحة واسعة من النقاش السياسي في البلدين قبل اجراء انتخابات البرلمان الإيراني، وقبل اجراء انتخابات الرئاسة الاميركية في 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. ويدافع الإصلاحيون في ايران، والديمقراطيون في اميركا عن اجراء حوار سياسي بين البلدين من اجل حل القضايا الخلافية، بدلا من التهديد بالتصعيد العسكري. وجاءت تصريحات خامنئي امس استكمالا لتصريحاته المتزايدة للصحافة الإيرانية خلال الايام الماضية مع قرب اجراء الانتخابات البرلمانية في إيران، كما تأتي وسط انتقادات متزايدة في الصحف الإيرانية ومن قبل المحافظين والاصلاحيين على حد سواء لحكومة احمدي نجاد. وإذا ما سيطر الاصلاحيون على البرلمان المقبل، فإن هذا سيضعف فرص انتخاب الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقررة 2009. وتسود حالة من التفاؤل معسكر الاصلاحيين في إيران، إذ يعتقدون ان الاداء الاقتصادي لحكومة أحمدي نجاد، وللبرلمان الذي يسيطر عليه المحافظون، ستدفع غالبية الإيرانيين الى التصويت لصالح الاصلاحيين، فخلال عامين من ولاية أحمدي نجاد ارتفعت الأسعار، ورفع الدعم عن المحروقات، وتزايدت نسبة البطالة والتضخم، مما ادي الى الكثير من المظاهرات الشعبية من بينها تظاهرات للمدرسين والموظفين. وتزايدت الانتقادات لاداء حكومة احمدي نجاد حتى ان كبار المسؤولين الايرانيين ومن بينهم رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني تدخل في الجدال حول الاداء الاقتصادي للحكومة الإيرانية وأنتقد سياساتها. لكن تفاؤل الاصلاحيين يعكره حقيقة ان مجلس الاوصياء سيكون له الكلمة الأخيرة في الموافقة على اسماء من سيسمح لهم بخوض الانتخابات البرلمانية، وخبرة الاصلاحيين عموما مع مجلس الاوصياء، الذي يختار خامنئي بنفسه نصف اعضائه، كانت سيئة خلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقتين، اذ ان المجلس الذي يرأسه آية الله احمدي جنتي، لم يسمح لاسماء هامة من بين قيادات التيار الاصلاحي بخوض الانتخابات على اساس عدم اهليتهم. ولم يخفف جنتي، المحافظ وأحد اشد الداعمين لاحمدي نجاد، من قلق الاصلاحيين اذ انه قال قبل أيام أن مجلس الاوصياء لن يسمح للمرشحين الذين لا يدينون بـ«الولاء لمبادئ الثورة الإيرانية» بخوض الانتخابات، وهو التوصيف الذي استخدمه مجلس الاوصياء في كل انتخابات سابقة لرفض اوراق مرشحين اصلاحيين بارزين. وأثارت تصريحات جنتي رد فعل غاضب من قبل الاصلاحيين. ورد خاتمي على جنتي منتقدا مجلس الاوصياء. وقال الرئيس الإيراني السابق، الذي شارك في حملات الاصلاحيين الانتخابية دون ان يخوض الانتخابات بنفسه، انه ليس من صلاحية مجلس الاوصياء التحكم في المرشحين، ومن يحق له خوض الانتخابات ومن لا يحق له خوض الانتخابات. وعلى صعيد أخر، وصف وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط المحادثات التي أجراها علي لاريجاني ممثل المرشد الاعلى في مجلس الامن القومي الايراني في القاهرة بأنها مفيدة ويمكن البناء عليها. وأوضح أبو الغيط في تصريحات للصحفيين أن لقاءه مع لاريجاني كان مهما في تعريف المسئول الايراني بالعناصر الحاكمة للموقف المصري في مسألة تطوير العلاقات الثنائية مع إيران حيث ذكر أن الرؤية المصرية في هذا الصدد تقوم على أهمية تحقيق تقدم بشكل متكامل على مختلف النقاط والمسارات الامنية والسياسية وغيرها حتى يمكن أن تتأسس العلاقة في شكلها الجديد على أسس قوية وراسخة تستمر وتكون قابلة للتطوير وتحمل إمكانيات واعدة للبلدين. وأضاف أبو الغيط أن الحديث عن تطور نوعي في العلاقة مع إيران ينبغي أن يتوافق مع تطور إيجابي في الملفات الامنية والنقاط ذات الدلالة الرمزية حتى يمكن الارتقاء بالعلاقة السياسية والدبلوماسية بين البلدين في الوقت المناسب.

وقال أبو الغيط أنه استمع بقدر كبير من الاهتمام للطرح الذي قدمه المسؤول الايراني حول الرؤى الايرانية للاقليم وأنه طرح من جانبه الرؤية المصرية بكافة عناصرها مشيرا إلى أن الامر سوف يحتاج إلى استمرار الحوار بين البلدين لزيادة مساحات الاتفاق بين الجانبين خاصة في ضوء الدور الذي يلعبه كل منهما في المنطقة.